صنعاء نيوز/ الدكتور/صالح حيدرة محسن * -
1- الخصخصة كفكره ووظيفة:
تقوم فكرة خصخصة التعليم الجامعي الحكومي على:
(سد الفجوة بين التعليم الجامعي الحكومي ، واحتياجات السوق )
ولأن مؤسسات التعليم الجامعي الحكومي لا تستطيع بمفردها أن تحقق هذه الغاية على المدى القريب ، فأنها تتجه في سياستها التعليمية إلى البحث عن (شريك) يؤمن لها هذا (المسعى) و(التوجه) .
والمقصود بالشريك هنا:
إما صاحب (مال) ، أو (مؤسسة) أو (شركه) مالية في المقام الأول ؛ يكون / تكون على استعداد للعمل مع الجامعة المعنية ، في تحقيق هذا (المشروع الاستراتجي) .
وإذا كانت فكرة الخصخصة للتعليم الجامعي الحكومي تقوم على (إصلاح) التعليم الجامعي ، وتقديم (حلول) لمشكلاته من جهة ، ومشكلات المجتمع التي تعمل فيه من جهة أخرى فأن هذا (الإصلاح) يقوم بداية على تشخيص الواقع التعليمي القائم ، وتوصيف وتصنيف مشكلاته الرئيسة ومن ثم المراجعة والتقييم لما هو موجود ، بهدف طرح (المعالجة) نحو تعليم جامعي (مختلف ونوعي) يستقرئ بداية الواقع التعليمي القائم ، ويطرح واقع تعليمي (جديد) و(نوعي) عن طريق حل المشكلات القائمة في التعليم الجامعي الحكومي في هذا البلد أو ذاك .
والسؤال الذي يطرح نفسه:
كيف لنا أن نحقق تعليماً حديثاً ونوعياً ؟
إن (دعاة) الخصخصة للتعليم الجامعي الحكومي يطرحون (خارطة طريق جديدة) نحو تعليم (مختلف ونوعي) يقوم على (الاستثمار في الإنسان).
ما دامت - على حد زعمهم - (مواردنا محدودة ، ومعدل النمو السكاني مرتفع..) وذلك عبر(آلية عمل مشتركة مع القطاع الخاص) إما بصورة مباشرة أو عبر وسيط وبصورة غير مباشرة .
2-الخصخصة كمعنى:
إن الخصخصة في التعليم الجامعي الحكومي تعني ببساطه:
تحويل ألجامعه الحكومية من جامعة تستهدف تقديم خدمه اجتماعية إلى مؤسسه تعمل بعقلية (السوق) ولأن الجامعة ذات الوجهة الخاصة يجب أن تعمل بعقلية السوق . فأنها تتحول إلى (مستثمر) بمفرده أو (شركه) لمجموعة من المستثمرين ، يكون غايتها الرئيسة تحقيق أكبر قدر ممكن من الإرباح .
ولغرض زيادة الدخل ، وتوفير دخل إضافي ، تقوم الجامعة المعنية برفع الرسوم وزيادة إعداد الطلاب ، وطرح مساقات قصيرة الأمد لتلبية احتياجات القطاع الخاص ،والاهم من كل ذلك أن المعرفة التي تستهدفها الجامعة
تتحول من معرفة ذات عائد اجتماعي إلى معرفة بوصفها (سلعة) قابله للبيع ، وذات عائد اقتصادي في المقام الأول . وتصبح الجامعة بالتالي ليست المؤسسة التي تنشر المعارف للإنسان والمجتمع بل المؤسسة التي هدفها الرئيسي إدرار الربح لأنها ببساطه تدار بعقلية السوق .
هذه العقلية التي تحرص أولا وقبل كل شي على إرضاء (الزبون) .
لذلك كله ، فأن أي برنامج تعليمي تطرحه ألجامعه يتم وبالضرورة حسب ميزان التكلفة والعائد وليس بناءً على معايير أكاديمية قيميّة تعطي للطالب هامش من الحرية والاختيار المنضبط والممنهج وفق خطه مدروسة تلبي حاجة البلاد في المقام الأول وليس رغبة صاحب المال دون هذه الحاجة .
3-الخصخصة كإنعكاس سلبي:
تقوم الانعكاسات السلبية للخصخصة ببساطه في :
(الهوس بحساب التكلفة والعائد) ففي الجامعات الخاصة ادﱠى هذا (الهوس) إلى زيادة الضغوط المالية (المقننة) التي تُرجمت وتترجم بسياسات مختلفة لعل أهمها :
إنجاز الكثير من العمل بقليل من التكلفة ، أو زيادة عدد الطلاب في قاعات الدرس ، أو التقليل من فرص التثبيت في الخدمة والترقية أو توظيف قدرات عدد من الموظفين غير الدائمين بعقود مؤقتة أو قصيرة الأمد (كالمتعاقدين مثلاً) . وتندرج تلك السياسات تحت ما يُعرف بالمرونة العددية مع المرونة الوظيفية ومن تبعات هذه السياسات السلبية :
زيادة الأعباء على مجتمع الكلية أو الجامعة من هيئة تدريسية وطلبة وموظفين سواء كانوا ثابتين أو متعاقدين ، علاوة على النتائج الوخيمة القائمة على (قذف) من لا حاجة لهم ، وفقاً لحساب الكلفة والعائد إلى شارع البطالة ، وخلق عبء إضافي ليس على الأسرة التي ينتمي إليها الفرد المعني فحسب بل وعلى المجتمع ككل .
وفي عصرنا الحاضر، عصر (العولمة) فأن إنتقال الجامعات الحكومية إلى الخصخصة أمر لا مفر منه ، لكننا مع ذلك ، نود هنا الإشارة إلى جملة من الإنعكاسات السلبية التي يجب أن يحتاط منها ، ونؤخذها بجدية : حيطةً وحذراً وهي :
1- إن الخصخصة قد غدت اليوم واحدة من البضائع التي تروﱠج لها العولمة ، وهذه البضاعة قد تكون نافعة ، وقد تكون ضارة بل قد تكون نافعة ضارة في آنٍ معاً ، وهذه هي سمتها العامة في البلدان النامية التي تعاملت مع هذه البضاعة ، أو تعاطت معها برغبه أو بدون شاءت أم أبت .
لقد سمحت نافذة العولمة لعدد من الجامعات الأجنبية لفتح فروع لها في الدول النامية ، وأقامت مشاريع مشتركه مع المؤسسات المحلية ، وبرامج توْأمه ، أو شراء برامج تعليم جاهزة (معلبة) من الدول المتقدمة ، والترويج لها بضمان (الاعتراف) بها ، ولكن الخو ف أن تعمد هذه الدول المصدرة للمعرفة المعلبة إلى تقديم برامح تعليمية (بالية) لتتحول فروعها في الدول النامية تبعاً لذلك إلى (مكب نفايات) .
2- إن إتقان اللغات الأجنبية وتدريسها لا تثير مشكله ، ولكن المشكلة في التوسّع باستخدامها كلغة تدريس ؛ لقد كانت اللغات الأجنبية تستخدم كلغة تدريس في بعض الكليات العلمية بالذات ، ولكن التوجّه اليوم نحو الخصخصة قد أدى إلى التوسع بالتدريس باللغات الأجنبية حتى أصبحت في بعض الجامعات هي لغة التدريس الوحيدة ، مع غياب كامل للغة القومية . ولا شك أن لهذا إنعكاسات ثقافية خطيرة ،ذلك أن اللغة ذات علاقة مباشرة بالثقافة ، وكلاهما ليس أرضاً محايدة، بل ارض متنازع عليها ، لذلك فأن الخصخصة قد تؤدي إلى تهديد اللغة القومية ، وبالتالي تهديد الثقافة والهوية الوطنية .
3- إن البيئة الجامعية في كثير من الجامعات الحكومية ذات ألوجهه الخاصة ، لم تعُد موائمة للبحث والتدريس ، بسبب الحرص على التكلفة ، لذلك فأن المرء يلحظ وبجلاء في هذه البيئة:
تناقص الأعراف الأكاديمية التقليدية من حرية أكاديمية وتفكير نقدي ، وتحكم بحوث ، وفضول علمي ، لأنه مرتبط بتوليد الدخل وعوائد الربح ، وبالتالي فأن السوق هو الذي يحدد إتجاة البحوث ، وهذا ما يقودنا إلى القول:
إن توجه السوق هذا ، قد يؤدي إلى عملية (تسليع) المعرفة ، على إعتبار أن تقييم البحث العلمي لم يُعد على أساس ما يطرحه من معرفه جديدة ، بل على أساس ما يدره من ربح هذا من جهة ، ومن جهة أخرى :
إمكانية تسويقه وربطه بإحتياجات السوق وهذا ما يفسر لنا التفاوت الكبير الذي تطرحه هذه الجامعات من تخصصات وبرامج تعليمية ، ومن ذلك تفضيل العلوم الطبيعية والتكنولوجيا على الإنسانيات والعلوم الاجتماعية .
4- إن التقليل من شأن التخصصات الإنسانية والاجتماعية خلل واضح وخطير في إستراتيجية خصخصة التعليم الجامعي الحكومي ، لأن التخصصات الإنسانية والاجتماعية هي ببساطة حجر أساس المعرفة والمعرفة العلمية وتطورها ؛ وهي الإلية كمنهج وأداة تحليل وتفسير وتفنيد واستخلاص واستنتاج لمختلف العلوم وبشقيها :
النظرية والتطبيقية ؛ فالتعليم أي تعليم بما فيه الجامعي ، يجب أن يقوم على منهج علمي متوازن ، ولا يستقيم إلا بطرفي معادلته : الإنساني أولاً فالتطبيقي ، على اعتبار أن الإنسان أغلى رأسمال .
إن الافتقار لإلية الموائمة والموازنة والضبط ، والتنسيق ألتتابعي والتكاملي بين مفردات المنهج النظرية والتطبيقية قد اثر ولا يزال يؤثر سلباً على جودة التعليم وتميزه في مدارسنا في (التعليم العام والثانوي ) ومعاهدنا في (التعليم الفني والمهني) علاوة على مؤسسات التعليم العالي والجامعي .
لذلك فأن الافتقار لهذه الإلية ، قد كانت واحدة من الأسباب الرئيسة لتكون الأرضية الحاضنة التي نمت وتنمو فيها (الإعشاب) و (الطحالب) الضارة . التي لا تضر نفسها فحسب بل تضر البيئة التي أنتجتها ؛ وبالتالي فأن أي مؤسسة أكاديمية ، لا يمكن أن تحقق وظيفتها الصحيحة إلا بقدر ما تنمي عادات التفكير المستقل وروح البحث المتحرر من (التحُيز) و(الهوى) أما إذا أخفقت هذه المؤسسة أو تلك في تحقيق هذه الوظيفة الرئيسة فأنها تهبط إلى مستوى (التلقين) ويكون لهذا الهبوط نتائج اخطر ، إذ أنه كلما تهاوى التفكير المستقل سواء بسبب الافتقار إلى الشجاعة ، أو إنعدام النظام نمت تلك النباتات (الشيطانية) من دون أن يقف في وجهها شيء ، وهكذا فأن (قمع) الفكر النقدي اخطر بكثير من ما يتصور معظم الناس فبدلاً من أن يخلق وحدة هدف حية وفاعلة في المجتمع (خلايا يقظة) (نافعة) نراه يفرض نوعاً من التجانس الراكد (خلايا نائمة) (ضارة) لا على مجتمع الكلية والجامعة فحسب بل والمجتمع ككل ؛ ومن المؤسف أن هذا الأمر لا تدركه إلا قلة قليلة من الذين يتربعون على كراسي السلطة والمسؤولية .
4-الخصخصة كأزمة:
تخبرني الذاكرة إنني عندما كنت شاباً ، كان التنجيم مثلاً مقتصراً على قلة من المختلين المهووسين ، أما اليوم فأن هذا (العَرَض) قد أصبح من القوة ما يكفي لإقناع بعض وسائل الإعلام المختلفة ، بأن يخصصوا له برامج تلفزيونية ، في القنوات الفضائية ، وأعمدة صحفية خاصة في الصحف والمجلات لما تضمره أبراج الفلك والنجوم ، وربما لم يكن ذلك بالأمر المستغرب في عصر العولمة ، اذ ان هذا العصر هو عصر غير منضبط ، ولا مستقر ولا آمن .
وهكذا فان تقلب الأحوال قد انتقل إلى نفوس الطلبة في الجامعات إنتقالاً سلبياً وزاد من الأمر سوءاً ، أن إستراتيجية التعليم قد كانت ولا زالت لا تنتج إلا (أشواك) و(خردة مسامير) علاوة على انها تحملنا ببساط (الريح) نحو السماء ، حتى نصل إلى نقطة (اللاجاذبية) فتتركنا لا ثُقل لنا ولا وزن ، ان تعليم كهذا لا يعطي في مخرجاته – كمؤهلات أكاديمية – فرص مهنية آمنة وضامنة ، ولا يمتص الدفعات المتخرجة التي تقذف بها مدارس الثانويات وكليات الجامعات ، من هنا كان الشيء الوحيد لتلاميذ المدارس وطلاب الجامعات ، وشباب الشوارع العاطلين عن العمل الذي يمكنهم أن يفعلوه هو أن يصبحوا جنوداً (مرتزقة) تدفعهم هذه (الحالة) و (الحاجة) و(الفاقة) و(الفقر) إلى (غزوة) تتيح لهم (الفيد) عن طريق السلب والنهب .
ولأنهم في بيئة كهذه ، والإنسان طبقاً لإبن خلدون (إبن بيئته وعوائده وليس إبن طبيعته) فـأنه ويالسخرية القدر تصبح هذه (العادة) (قوة) تدفعهم إلى الانخراط مع (الشيطان) في كل غزوة بــ (فيد) أو بدونه .
ولأنها قد أصبحت (عادة) لدى معظم الشباب ، فأن الأخطر من ذلك ، أن (الإحباط) قد تأصل في النفوس فولّد اللامبالاة ، وعدم الشعور بالمسؤولية الوطنية ، أو الاهتمام بالشؤون العامة كوطن وهوية ، حيث أنتج هذا الحال (هزال) عام في الكيان العقلي والأخلاقي عند معظم الشباب العاطل عن العمل ليس في اليمن فحسب ، بل معظم البلاد العربية وغير العربية على السواء .
لهذه الأسباب مجتمعة ، فأنني أرى:
إن من صميم واجبات (الصفوة) في التعليم ، والتعليم العالي ، أن يقوموا بدور فعال في إدارة هذه ألازمه ، بل دفّة الشؤون العامة ، بما يحقق هدوءاً وإستقرارا نسبياً في عقول ونفوس إجيالنا الحاضرة بل والقادمة إيضاً ، على إعتبار أن الحاضر هو نصف المستقبل بل المستقبل كله ، وإن الشباب من التلاميذ والطلاب هم قادة المستقبل القريب ، والمستقبل هو بالطبع جزء من كينونة الإنسان ، وهو الأفق الذي تتجه إلية اللحظة الراهنة ، وإنسان اليوم حقيقة يعيش عملياً في المستقبل القريب ، لأن الماضي القريب والحاضر المعاصر لنا لا يمكن الإمساك بهما .
•الجدير بالذكر أن هذا النشر للمقالات العلمية والأبحاث والملخصات العلمية يأتي في إطار عملية الإشهار الإعلامي لأبحاث ودراسات ومقالات أساتذة جامعة عدن وطلابها، التي تتولى الإدارة العامة للإعلام بجامعة عدن تنفيذها، واستلام الملخصات المطولة للأبحاث على البريد الالكتروني التالي:
[email protected] - على أن يتم إرسال المقالات العلمية أو ملخص موسع يتضمن نتائج وتوصيات الدراسات والأبحاث، بطريقة مستند نص وورد 2003م، مع صورة شخصية للباحث بنظام jpg، وكذا الصور ذات العلاقة بالبحث.
* عميد كلية التربية زنجبار – جامعة عدن.