صنعاء نيوز/حمدي دوبلة -
ما أحوجنا اليوم ونحن بين يدي شهر كريم أن نتذكر ويذكر بعضنا بعضاً القليل من القيم والفضائل الإنسانية والأخلاقية التي ترتبط بأيام وليالي هذا الشهر المبارك ما أحوجنا إلى نسيان أحقادنا وترك مصالحنا الضيقة جانباً والإحساس ولو قليلاً بمعاناة الآخرين وإبدال البغضاء المستشرية في نفوسنا بشيء من الرحمة والإيثار حتى تنالنا نفحات هذه الأيام المباركات وتدركنا رحمة الخالق العظيم.
كم نتمنى على ساستنا وأحزابنا موالاة ومعارضة، ونحن نستقبل شهر رمضان المبارك أن يبتعدوا ولو مؤقتاً عن ضنك السياسة وتعقيداتها واتخاذ هذا الشهر الكريم فرصة للتأمل والوقوف مع النفس والتفكير ملياً وبعقول وضمائر صافية كصفاء الشهر الفضيل لتجاوز هذه الأزمة والخروج منها بما ينفع الناس ويخفف من شقائهم الذي استوطن أرضهم بفعل مناكفات حزبية ومماحكات أقطاب ومراكز قوى تضاربت وتقاطعت مصالحهم الضيقة.
ما أحوجنا في هذا الشهر الذي تغلق فيه أبواب النار، وتُفتح أبواب الجنة وتصفد الشياطين وتتضاعف فيه أجور العبادات إلى سبعين ضعفاً كما ورد في الحديث الشريف أن نكبح من جماح أهوائنا ونزواتنا البشرية الأمارة بالسوء وأن ننأى بعباداتنا وتقربنا إلى اللّه عن تلك المماحكات الممجوجة التي رأيناها وقاسينا مراراتها خلال الشهور الماضية وجعل تلك العبادات خالصة لوجه اللّّه تعالى وخالية من الشوائب والتجريح والإساءات إلى بعضنا وإلحاق المزيد من الضرر والأذى بالبلاد ومصالح العباد.
كم نحن بحاجة اليوم بعد أن عِشنا أكثر من 6 أشهر الآلام والدموع والصراعات وشاهدنا الدماء والأشلاء والفتن ظاهرها وباطنها وطغيان حب الذات ومحاولات التسلق إلى المجد والصدارة على أشلاء المساكين ومآسي البسطاء والمراهنة بأقواتهم، كم نحتاج بعد كل ذلك إلى لحظات النقاء الرمضاني وروحانيته السماوية لإعادة الحب والوئام إلى القلوب التي فقدت بفعل تلك المماحكات والضغائن الكثير من انسانيتها أو تكاد، دعونا إيها الساسة نتسم عبير ونسائم الشهر المبارك ولا تحرمونا خيراته كما حُرمنا كل شيء بسبب جولات صراعاتكم المحمومة وسباقاتكم الماراثونية على مفاتن الدنيا ومغانمها ولتأخذوا معنا قسطاً من الراحة تحت أفياء هذا الشهر الفضيل وأغصانة الوارفة بالخيرات، فلعل العقول تثوب إلى رشدها بعيداً عن وساوس ومغريات الشياطين المصفدة.
لقد تأثرت كثيراً كغيري من أبناء هذه البلاد وأنا استمع إلى شكاوى واستغاثات النساء والشيوخ من سكان حي الجامعة بصنعاء وهم يسردون لوسائل الإعلام جوانب من معاناتهم وما لحق بهم من أذى وأضرار جراء خيام المعتصمين وسرادقهم المنصوبة في شارع الدائري منذ أكثر من 6 أشهر، وهي معاناة لم يشهد لها تاريخنا المعاصر مثيلاً بل أن أحد كبار السن ممن بات يعيش في خريف العمر راح يؤكد بأنه لم يعش طوال سنوات حياته أوضاعاً مشابهة ولا حتى أبوه ولاجده، وتوالت الشكاوى من قبل المتضررين كما هو حال كل أبناء الوطن الذين وجدوا أنفسهم ضحايا لهذه الأزمة ومنها ما يدمي الافئدة والقلوب غير أن الآذان قد أصابها الصمم على ما يبدو ولم تعد تسمع الا ما يحلو لها من شعارات هزلية واهازيج عبثية تستفز المشاعر ولاتكترث أبداً المعاناة الناس ومآسيهم.
ما أحوجنا في هذا الشهر الفضيل إلى الإحساس ببؤس الناس الذي بلغ مداه ووصل إلى الحد الذي لا يُطاق وأعرف أفراداً من عائلات عفيفة من ذوي المهن الحرة البسيطة وهي ممن «يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف لا يسألون الناس الحافاً» وقد تناهى إلى مسامعي بأنهم قد باتوا يطعمون أولادهم وجبة واحدة في اليوم بعد أن عجزوا عن تأمين لقمة العيش لأطفالهم، وقد كانوا قبل هذه الأزمة ميسوري الحال ويقيناً فإن أمثال هؤلاء كُثر وفي تزايد مستمر، ولكن لا يحس بهم أحد، فما أحوجنا اليوم ونحن ندلف إلى هذا الشهر الكريم إلى أن نحس ببعضنا وأن نستلهم الدروس والعبر من حكمة الصيام وأن نصل ما انقطع من أواصر القربى والرحم ونسمو فوق الصغائر والأهواء وأن نتراحم فيما بيننا حتى تنالنا رحمة السماء فبدون ذلك لن نتجلي الأحزان ولن تُفرج الهموم وسنبقى نتخبط في متاهات الشك والخصومة والشقاق وسنفقد كل شيء حتى فضائل ومكرمات هذا الشهر الكريم.