صنعاءنيوز / د/علي ناصر سليمان الزامكي -
د/علي ناصر سليمان الزامكي - أستاذ الإدارة المالية المشارك في جامعة عدن
يستعرض أستاذ الإدارة المالية المشارك في جامعة عدن الدكتور/علي ناصر سليمان الزامكي حزمة مقالات علمية تكاملية في محاولة منه لتقييم متغيرات وأبعاد السياسة النقدية اليمنية في الربط بين النظرية والتطبيق وبتصرف علمي حيث جرى الاعتماد على النظرية العلمية في إعداد المقال الرئيس (تقييم السياسة النقدية في اليمن) وتحويل التوصيات والحلول التي تم التوصل اليها إلى ثلاثة مقالات علمية معتمدة على المنهج العلمي لاستيعاب كل متغيرات وأبعاد نجاح السياسة النقدية في اليمن، حيث تناول الدكتور/ الزامكي في مقاله العلمي الرئيس "تقييم السياسة النقدية في اليمن" من حيث أهدافها وأدواتها المحكومة بعديد من التحديات الناتجة عن النزاع المسلح والأزمة السياسية والاقتصادية المستمرة، ومن حيث تحليلها وتوصيف مهامها وإمكانية نجاح تقويم السياسة النقدية في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والمالي وتوفير خيارات تمويل متنوعة، وصولاً إلى الحلول الممكنة لتحسين السياسة النقدية في اليمن والمتمثلة في تعزيز الاستقلالية المؤسسية للبنك المركزي، ودعم الإصلاحات المصرفية، والتشجيع على الاستثمارات الأجنبية، وكذا الشراكة مع المؤسسات المالية الدولية، فضلًا عن تطوير سياسات النقد المتوازنة، وبعد جهد علمي حثيث لتحويل هذه التوصيات إلى مقالات علمية تسهم في عملية تقييم السياسة النقدية في اليمن.
تقييم السياسة النقدية في اليمن
تُعد السياسة النقدية إحدى الأدوات الأساسية التي تستخدمها البنوك المركزية لتحقيق استقرار الاقتصاد الكلي، من خلال التحكم في عرض النقود وأسعار الفائدة بهدف التأثير على مستوى التضخم والنمو الاقتصادي، فيلعب البنك المركزي دورًا حيويًا في إدارة السياسة النقدية، إلا أن الوضع الاقتصادي الصعب في اليمن الناتج عن النزاع المستمر والأزمات الاقتصادية والمالية، جعل تنفيذ سياسة نقدية فعالة أمرًا بالغ الصعوبة. وقد تناول الدكتور/ الزامكي هذا الجانب من حيث أهداف هذه السياسة وأدواتها ومدى فعاليتها في ظل التحديات الاقتصادية الحالية.
أهداف السياسة النقدية
وبين الدكتور/ علي ناصر الزامكي إن استقرار الأسعار (التضخم) إحدى هذه الأهداف التي يسعى البنك المركزي اليمني إلى السيطرة عليها من خلال التحكم في عرض النقود؛ ولكن نتيجةً للنزاع المستمر وفقدان السيطرة على بعض الموارد الحيوية، أصبح تحقيق استقرار الأسعار تحديًا كبيرًاّ، كما أن تحقيق استقرار النظام المالي من الأهداف الرئيسة للسياسة النقدية للحد من المخاطر التي قد تؤثر على البنوك والمصارف، وكذا العمل من خلال تشجيع الائتمان والاستثمار في تحفيز النشاط الاقتصادي، التي قد تؤثر سلبًا كذلك مع الظروف السياسية والأمنية على قدرة البنك المركزي على تنفيذ هذه السياسة، ومن هذه الأهداف كذلك الحفاظ على استقرار سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، خاصة الدولار الأمريكي؛ ولكن نتيجة للاحتياجات المالية الضاغطة والتضخم الكبير، فشل البنك المركزي اليمني في تحقيق ذلك بشكل مستمر.
أدوات السياسة النقدية
واستعرض عديد من أدوات السياسة النقدية في اليمن أبرزها سعر الفائدة، إذ يستطيع البنك المركزي اليمني اتباع سياسة مالية قادرة على تعديل سعر الفائدة كأداة لتوجيه الطلب على الائتمان؛ إلا أن تأثير هذه الأداة محدود بسبب ارتفاع مستويات الفائدة التي يفرضها النظام المصرفي اليمني نتيجة المخاطر العالية، كما أن فرض البنك المركزي سياسة احتياطي نقدي على البنوك التجارية؛ جعل هذه الأداة غير فعالة في معالجة بعض المشكلات الاقتصادية مما جعلها أداة غير فعالة في معالجة بعض المشكلات المالية؛ بسبب انخفاض الاحتياطي النقدي للبنك المركزي نتيجة الأزمة الاقتصادية والجمود في النشاط الاقتصادي، كما أن عدم استخدام العمليات السوقية المفتوحة بشكل فعال في اليمن نظرًا للظروف السياسية التي أثرت بشكل مباشر على استقرار الأسواق المالية والنقدية، كما أن إدارة العملة الوطنية (الريال اليمني) وتغييرها عدة مرات في محاولة للسيطرة على التضخم الكبير، إلا أن هذه السياسات لم تحقق الاستقرار المطلوب الأمر الذي ولد عديد من التحديات الاقتصادية أمام البنك المركزي اليمني.
تحديات السياسة النقدية في اليمن
وعن أبرز التحديات التي تواجه السياسة النقدية في اليمن أكد الدكتور الزامكي في مقاله العلمي أن النزاع المسلح المستمر والصراع السياسي بين الأطراف السياسية المتنازعة هي أبرز هذه التحديات التي أدت إلى انهيار البنية الاقتصادية وتدهور الأوضاع المالية في البلاد وقلل من قدرة البنك المركزي اليمني على تنفيذ السياسة النقدية بفعالية؛ مما أدى ذلك إلى تراجع القدرة الإنتاجية في عديد من القطاعات الاقتصادية الأساسية مثل النفط والغاز، التي تعتمد عليها خزينة الدولة بشكل كبير، بالإضافة إلى ضعف البنية المصرفية نتيجة تعرض النظام المصرفي لانهيار جزئي في العديد من المناطق بسبب الوضع الأمني غير المستقر، مما أثر على قدرة البنك المركزي على تنفيذ سياساته النقدية، وعدم قدرة البنوك التجارية على تقديم الائتمان بشكل كاف للمواطنين والشركات ساهم ذلك في زيادة الركود الاقتصادي، كما أن التضخم وارتفاع الأسعار أبرز هذه التحديات؛ أدى ذلك إلى ضعف الريال اليمني وانعكاس ذلك على أسعار السلع الأساسية، ففي عام 2018، وصل معدل التضخم إلى أكثر من 40%، ما أدى إلى تآكل القوة الشرائية للمواطنين، خاصة في ظل الحرب، كذلك التهريب غير القانوني للعملات خاصة الدولار الأمريكي إحدى هذه التحديات التي تواجه السياسة النقدية في اليمن وتأثيره على سعر الصرف في السوق السوداء؛ دفع ذلك إلى تصاعد المشاكل الاقتصادية وتدهور قيمة الريال اليمني بشكل سريع، فضلًا عن نقص الموارد المالية الدولية جراء النزاع، وتراجع مساعدات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي؛ ما أثر سلبًا على قدرة الحكومة والبنك المركزي على التحكم في عرض النقود واستقرار الأسواق.
نتائج السياسة النقدية في اليمن
وأوضح أن هذه السياسة النقدية تؤدي إلى نتائج عديدة أبرزها التضخم المرتفع (كما ذُكر سابقًا)، حيث شهدت اليمن معدلات تضخم مرتفعة جدًا خلال السنوات الأخيرة، بسبب الفشل في إدارة العرض النقدي وتدهور سعر الريال اليمني أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، خاصة أسعار المواد الأساسية مثل الغذاء والوقود، كما أن ارتفاع قيمة الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية بشكل كبير؛ ما أثر على القدرة الشرائية للمواطنين وزاد من صعوبة الحياة اليومية، وكذلك نقص السيولة وارتفاع تكلفة الائتمان بسبب انخفاض الاحتياطيات النقدية أدت كذلك إلى انخفاض السيولة في البنوك التجارية، مما جعل الائتمان باهظ التكلفة أو شبه معدوم، وهو ما قلل من قدرة القطاع الخاص على الاستثمار والنمو، فضلًا عدم استقرار النظام المالي وتراجع قدرة البنوك على تقديم خدماتها الأساسية بسبب انهيار النظام المالي، ساهم ذلك في تفاقم المشاكل الاقتصادية في البلاد.
الحلول الممكنة لتحسين السياسة النقدية في اليمن
وكشف الدكتور/ علي ناصر الزامكي عن عدد من الحلول الممكنة للمساهمة في تحسين دعم الإصلاحات المصرفية والسياسات النقدية في اليمن من وجهة نظر علمية اقتصادية، أبرز هذه الحلول العمل بجدية على تحسين النظام المصرفي المحلي وتوفير خدمات مصرفية فعالة للمواطنين، ودعم الحكومة لاستعادة الثقة في النظام المصرفي فإن ذلك قد يساعد في تحسين استقرار العملة الوطنية، والعمل على تعزيز الاستقلالية المؤسسية للبنك المركزي، بعيداً عن التدخلات السياسية في اتخاذ القرارات النقدية، بما سيسهم في زيادة فاعلية السياسة النقدية، وكذا تطوير سياسات النقد المتوازنة، للتحكم في التضخم دون التأثير على النمو الاقتصادي، لتحسين كفاءة توزيع الموارد والحد من العجز المالي، فضلًا عن التشجيع على الاستثمارات الأجنبية المباشرة؛ يمكن أن يساعد ذلك في تحسين السيولة النقدية وتعزيز استقرار الاقتصاد اليمني، بالإضافة إلى بناء شراكات فعالية مع المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي؛ بما يسهم في توفير الدعم المالي والفني لمساعدة اليمن في استعادة الاستقرار النقدي والاقتصادي.
تعزيز الاستقلالية المؤسسية للبنك المركزي اليمني
وأكد أن الاستقلالية المؤسسية للبنك المركزي اليمني تعتبر من المقومات الأساسية لنجاح السياسة النقدية نحو تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي، وأهميتها في اتخاذ قرارات موضوعية، وكذا إجراء تعديلات قانونية تضمن الاستقلالية المؤسسية للبنك المركزي اليمني، وتحسين الشفافية والمساءلة، وتعزيز الرقابة على سياساته النقدية، بالإضافة إلى إمكانية قياس فعالية الممارسات التي تعزز استقلالية البنوك المركزية باستخدام مجموعة متنوعة من المؤشرات والمعايير القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك لتقييم مدى نجاح البنك المركزي في العمل بشكل مستقل وتحقيق أهداف السياسة النقدية.
إذ يعد البنك المركزي من أهم المؤسسات الاقتصادية في أي دولة، حيث يتولى مسؤوليات حيوية مثل تنظيم السياسة النقدية، السيطرة على التضخم، استقرار سعر الصرف، والإشراف على النظام المالي. وفي اليمن يعاني البنك المركزي من تدخلات سياسية متواصلة تؤثر بشكل مباشر على قراراته النقدية، مما يحد من فاعلية السياسة النقدية في مواجهة الأزمات الاقتصادية، والحد من هذه التدخلات يعد من الأولويات الأساسية لتحسين أداء السياسة النقدية وزيادة قدرتها على استقرار الاقتصاد اليمني. ومن هذا المنطلق يسلط الدكتور/ الزامكي الضوء على أهمية الاستقلالية المؤسسية للبنك المركزي اليمني، وكيف يمكن تعزيزها، وأثر ذلك في زيادة فعالية السياسة النقدية في اليمن، بالتركيز على دور البنك المركزي في السياسة النقدية من خلال التحكم في العرض، تحديد سعر الفائدة، والحفاظ على استقرار العملة الوطنية (الريال اليمني)، وبالإضافة إلى ذلك فإن البنك المركزي مسؤول عن حماية الاحتياطيات الأجنبية، وتحقيق استقرار الأسعار، وضمان نمو اقتصادي مستدام لتحقيق هذه الأهداف، فإن ذلك يحتاج إلى استقلالية البنك لضمان اتخاذ قرارات نقدية قائمة على التحليل الاقتصادي السليم بعيدًا عن الضغوط السياسية، وعندما يتعرض البنك المركزي للتدخلات السياسية في اتخاذ قراراته النقدية، فإن ذلك يؤدي إلى اتخاذ قرارات غير رشيدة تؤثر سلبًا على الاستقرار النقدي، كطباعة النقود لتمويل العجز المالي يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع التضخم، والضغط السياسي لتخفيض أسعار الفائدة أو إبقاءها منخفضة قد يؤدي كذلك إلى التوسع المفرط في الائتمان، مما يزيد من التضخم والمخاطر المالية، بالإضافة إلى ذلك يؤدي التدخل السياسي إلى تآكل ثقة الأسواق في قدرة البنك المركزي على اتخاذ قرارات منطقية وموضوعية، وهو ما قد يضر بقدرة الدولة على اجتذاب الاستثمارات والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي.
عرض النص المقتبس
|