صنعاء نيوز/فاهم الفضلي -
يحل علينا شهر رمضان المبارك مزداناً بروحانيته ومقاصده التعبدية التي تتجلى بأنصع صورها في فريضة الصوم، والتي تتطهر بها النفوس من الشوائب والأدران، وتسمو فوق الملذات في اختبار حقيقي يستشعر معه كل مسلم واجباته نحو نفسه والوطن الذي استخلف فيه ليعمره ويبنيه ويحميه من الشرور والفتن والأزمات الماحقة وينشر من خلاله ثقافة المحبة والتسامح حيث أن التسامح هو أجمل الخصال الحميدة التي دعت إليها كل الأديان وشدد عليه الإسلام لما يخلفه من آثار عميقة في النفوس من الغل والحقد، ويزرع محلها المحبة والوئام والصفاء فثقافة التسامح والمحبة تزرع الأمن والأمان في الأوطان، وتقوي الأواصر والعلاقات.. وأما ثقافة الكراهية فتزرع الخوف، والقلق والتأزم والاضطراب وتفتت الأواصر والعلاقات.. ولكي ننشر ثقافة التسامح الصادقة يجب أن ننشر في حياتنا ثقافة الصدق والطهر والنقاء والصفاء وليس ثقافة الكذب والدجل والنفاق بل إننا إذا أردنا الخير لهذا الوطن ولأبناء هذا الوطن فيجب أن ننشر خطاب التسامح والمحبة لا خطاب الكراهية والانتقام.
فعند المنعطفات الصعبة بكل تعقيداتها وانفعالاتها وتداعياتها تختلط الرؤى وتتأزم المواقف وتتشنج الخطابات السياسية هنا تتأكد الحاجة إلى ضبط لغة الخطاب، ومضمون الخطاب ولهجة الخطاب يقول الله سبحانه وتعالى "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تعرض الأعمال كل يوم اثنين وخميس، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يُشرك بالله شيئاً، إلا أمرئ كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: "اتركوا هذين حتى يصطلحا" فالمؤمن سليم الصدر لا يحسد ولا يحقد وهو قادر على الانتقام ويتسامح وهو صاحب الحق، لا يشغل نفسه بالخصام والعداوات فالعمر لا يتسع لمثل هذا العداء، والدنيا لا تستحق عنده هذا العناء، فكيف يسلم قلبه للعداوة والأحقاد فتنهشه أفاعيها السامة وبالأخص في شهر رمضان؟.
مما يؤكد أن الخطابات على الساحة الوطنية اليوم وفي أول أيام الشهر الكريم في حاجة إلى مراجعة والقناعات في حاجة إلى محاسبة، ولن يتم ذلك إلا إذا سادت ثقافة المحبة والتسامح، أما إذا تحكمت ثقافة الكراهية والانتقام فلن تتوفر فرص المراجعة والمحاسبة فشهر رمضان قد جمع المسلمين في وقت إمساكهم وإفطارهم وضيق مجاري الشيطان في عروقهم فصار للصائمين فيه إقبال على الخير والإحسان، ومشاهد ذلك ظاهرة للعيان في موائد الإفطار، وكثرة البر والصدقات، ومساعدة الناس فلماذا لا يمتد هذا الإحسان اليوم إلى مواطن النزاع، ومواضع الخلاف، فتزال أسبابها، ويستعلي على حظوظ النفس أصحابها مع ادراكنا في هذه المرحلة الصعبة أنه لا يخدم الوطن أن تعلو أصوات المزايدة حيث من النافع أن يتنافس المخلصون في خدمة قضايا الوطن، وفي إصلاح أوضاع الوطن، وفي الدفاع عن هموم أبناء الوطن، أما المزايدات الرخيصة القائمة على تدمير الوطن بحجة إسقاط النظام فهي خطيرة وضارة ومدمرة جداً ولن نجني منها سوى خسارة ما أنجزناه.
فلنجعل من ليالي شهر رمضان المبارك عبادة وتأملاً وهدوءاً وسكينة وتسامحاً تسمو بنا عن الأحقاد والضغائن والكراهية والغلو والتطرف، والعمل معاً لتمتين جسور الحوار والتلاقي على قاعدة أن الوطن ملك كل أبنائه وعلى القوى السياسية موالاة ومعارضة حل ومعالجة خلافاتهم وتبايناتهم بالتفاهم المستوعب لضرورة تقديم المصلحة الوطنية العليا على المصالح الشخصية والحزبية الأنانية الضيقة الدنيا التي بسببها اليوم يعاني وطننا الأمرين فالحوار الجاد والمسؤول بين الأطراف السياسية هو المسار الحضاري لمعالجة كافة القضايا التي تهم وطننا وتمكننا من مجابهة التحديات والأخطار والانتصار عليها، إذ لا بديل عن الحوار لإعادة صلة الأخوة والتماسك والتلاحم الذي يقوي ويعزز قدرة مجتمعنا على مواجهة الاستحقاقات السياسية والاقتصادية والديمقراطية والتنموية التي بها تغلق أبواب الشر والفتن المفتوحة.
فثمة كثيرون اليوم ينتظرون من قيادات الأحزاب والتنظيمات السياسية في الساحة الوطنية أن تستفيد من شهر الصيام وروحانيته لبدء مرحلة جديدة يتكاتف فيها الجميع بعيداً عن المكابرة ولغة الأنا من أجل بناء اليمن الجديد والناهض وصنع المستقبل الأفضل والأرغد وإخراج الوطن من محنته التي دخلت شهرها السابع ورمضان كريم وكل عام والجميع بخير.