صنعاء نيوزجميل مفرِّح - < "مصائبُ شعبٍ عند قومٍ فوائدُ" هذا أول ما تبادر إلى منطوقي المنفعل, أمام أحد التجار الجدد أو بالأصح أحد من أصبحوا تجاراً في ليلةٍ وضحاها, في خضم الأزمة الراهنة.. وقد جاء ذلك التعليق الصادر مني رداً على مثلٍ آخر هو "ربَّ ضارةٍ نافعة" والذي شهره في وجهي هذا التاجر من أجل تبرير سلوكه وتجارته المربحة إلى حدٍ غير معقولٍ والنافرة والمنفلتة تماماً من كل ما يمكن أن يندرج في أطر التحليل والتحريم أو التقييم والتقويم الأخلاقي, أو يتعامل مع أي وازعٍ أو رادعٍ..
< الحقيقة أن الشخص المذكور هو ممن صنعت منهم أحداث الساحة تجاراً, وذلك في مجال بيع وشراء المشتقات النفطية وعلى رأسها مادتا البنزين والديزل, وقد عرفت منه, لا من غيره, أنه تحصَّل على ما يمكن تسميته ثروة لم يكن يتوقَّع يوماً الحصول عليها لولا حدوث هذه الأزمة, التي تسببت في اختفاء وانعدام هذه المواد من مصادرها الطبيعية من جانبٍ, و من جانبٍ آخر لم يكن لهذه الثروة أن تتحقَّق من مصدر عيشه ورزقه الطبيعي كسائق باص أجرة "غير مالك بالطبع"..
< الجدير بالإشارة والذكر أن هذا الشخص سرد لي _ وهو ينتظر سيارته الجديدة الفارهة على باب مغسلة سيارات_ قصة نجاحه حسب تعبيره ومسيرة نضاله في هذا الجانب باعتزازٍ وفخر كبيرين, وكأنه يسرد قصة عمرٍ من الشقاء والكدِّ والتعب, كما يفعل رجال الأعمال الكبار الذين أفنوا أعمارهم من أجل تحقيق ما وصلوا إليه.. دقائق قليلة مع هذا الشخص كشف لي خلالها عن مجاهل وأسرار وأرقام مهولة في هذه التجارة التي اعتمدت وتعتمد أرباحها على ضرورات وحسرات أو أصدق تعبيراً على دماء عشرات بل مئات الآلاف من أبناء الوطن, بشكل مباشر وغير مباشر.. والغريب أن هذا الشخص كما أشار لي ومثله مئات أصبحوا من الشخصيات الوجاهية والمعروفة خلال فترة وجيزة بسبب هذه التجارة..
< واستمعت منه إلى بعض الحكايات التي كان يسردها وهو يرفع رأسه بشيء من الفخر والاعتزاز, منها كيف أن المسئول الفلاني والشخصية الفلانية وغيرهما كانوا يتصلون به بشكل مباشر لتوفير الوقود لهم وبأي سعر مشيراً إلى أنه في واحدةٍ من إحدى عمليات آخر ليلة من لياليه الأسطورية باع عشرين دبة لتاجرٍ مقابل خمسة عشر ألف ريال للدبة الواحدة.. مؤكداً بأنها فرصة عمر وقد أحسن هو استغلالها, من أجل رزق "الجهال" حسب تعبيره..
< حكايات ونوادر وعجائب سردها لي ذلك الشخص بأسلوب حكائي عجيب للغاية, إلى أن قاطعته للمرة الأولى ناقداً ومعاتباً وموضحاً سلبية مثل هذه السلوكيات والتصرفات والتشكيك في شرعيتها وسلامة نهجها.. لينبري في وجهي بسلاح من لا سلاح له بمثله المذكور أعلاه "رب ضارة نافعة", والذي لا أدري كيف امتشقه وكيف ركَّبه على حاله البعيد كل البعد عن مثل هذا المثل.. ثم ليردف أن أزمة الوقود ستتجسَّد وتتفاقم من جديد, حسب مصادره التي لا يمكن إلا أن تكون موثوقة, وأنها لن تتوارى عن الساحة بسهولة وأن العمل الحقيقي, أي "لِقَّاط الرزق" بالنسبة له, سيأتي في الفترة القادمة مؤكداً وموصياً لي وهو يدون رقم هاتفه بأن أتصل به حين يلزم الأمر..
< الذي أحزنني بالفعل أنَّ صديقي أو من اعتقدَ أنه أصبح صديقي, التاجر المذكور, بعد أن تبين موقفي من القضية برمتها عجَّل مصافحتي وتوديعي بشكل مربك, ولم يترك لي فرصة لأزيده من وصاياي ونصائحي ولأؤكِّد له موقفي بإخباره أنني منذ اندلاع أزمة الوقود لم أحرك بقايا سيارتي المناضلة, معلناً عدم الانصياع له ولأمثاله ولأية ضغوط يتقنونها لابتزاز البشر.. ولكن حسبي أن أوضح ذلك للقارئ الكريم وأزيد عليه بأنني على ثقة بأنه لو تصرَّف الآخرون بهذه الطريقة في وجوه هؤلاء لنجونا من الأزمات وعمليات الابتزاز البشعة التي تعاملوا بها مع عامة الشعب..
والله من وراء المبتغى والمقصود |