صنعاء نيوز/بقلم/ فيصل مكرم -
▪︎عائدون من أرضنا إلى أرضنا، كان المشهد عظيمًا بألوان الصمود وقوة العلاقة بين الإنسان وأرضه، كانت مواكب العودة في قطاع غزة الأسبوع الماضي أشبه بلوحة سريالية وحدهم الفلسطينيون يجسدونها كهوية شعب وأرض، وكلاهما لا ينفصلان ولا يمكن التفريق بينهما، وحدهم الفلسطينيون يرسمون دروبهم، ووحدها فلسطين عشقهم وحاضرهم ومستقبلهم ومصيرهم، هذا هو شعب الجبارين يموتون ولا يستسلمون، يكاسرون الموت والمحن ولا ينكسرون، وحدهم الفلسطينيون علّمتهم الأرض دروس البقاء والثبات والمقاومة وكيف تكون دونها الأثمان زهيدة رغم فداحتها وقسوة دفعها من دم ودموع ومآس، علمتهم كيف ينسجون من الدمار لوحات صمود بكل الأبعاد، ومن التضحيات أملًا يُمسِكون بخيوطه وإن وهنت يومًا، مواكب العودة من غزة إلى غزة ستبقى خالدة خلود قضيتهم وعدالة مطالبهم، وقوة عزيمتهم على البقاء في بيوت من تراب أو في العراء بلا غطاء ولا ماء ولا دواء، ولا عدالة تنصفهم ولا إنسانية تدفع عنهم وحشية المحتل وبطشه ودمويته، مواكب العودة مشهد للتاريخ لن يتكرر ولم يسبقه مثله فقد جعلت من غزة عنوانًا لصمود شعب لن يسمح بنكبة أخرى، ولن يرضخ لمخططات المحتل مهما كانت التضحيات ومها بلغ الدمار والقتل، ومنذ النكبة الكبرى لم يحظ الفلسطينيون يومًا بسلام مع إسرائيل، فالاحتلال الإسرائيلي ذهب بعيدًا في رفض أي سلام مع الشعب الفلسطيني مرتكزًا على مفهوم متطرف بأن بقاء إسرائيل مرهون بفناء الفلسطينيين، فكان العدوان على قطاع غزة تأكيدًا لبشاعة هذا المفهوم الفاشي الذي يناهض حق الإنسان في الحياة على تراب أرضه، ولهذا نقول بأن الشعب الفلسطيني انتصر في معركة غزة من أجل البقاء، انتصر على مشروع التهجير، وجرائم الإبادة العنصرية التي يرتكبها المحتل بحماية أمريكية، وتمرُد على القوانين الدولية ومواثيق العدالة الإنسانية دون عقاب ولا رادع، كانت مواكب العودة للشعب الفلسطيني في غزة ردًا قويًا ومزلزلًا على مخططات التهجير أدهش العالم، وفي كل معركة يخوضها الفلسطينيون هي من أجل البقاء، وهم دائمًا ينتصرون فيها منذ ثمانين عامًا على النكبة، إن هذا الشعب العظيم بصموده وتضحياته سيبقى بقاؤه وثباته وصموده فوق تراب فلسطين أكبر من مخططات فنائه ومشاريع تشريده وتهجيره، هذا الشعب لا يطلب سوى حقه الأصيل في الحياة الكريمة والعيش بسلام على أرضه وقيام دولته، وأن تصريحات الرئيس ترامب حول تهجير سكان قطاع غزة هو بمثابة صك على بياض لإسرائيل لارتكاب المجازر والقتل الجماعي لأطفال ونساء وسكان القطاع ويتوجب على الرئيس الأمريكي إعادة النظر والتراجع عن تلك التصريحات الموجعة للإنسانية كلها وليس للشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية فحسب.
ومن هنا أتوجه إلى الرئيس المناضل محمود عباس أبومازن وقيادات السلطة ومنظمة التحرير وقادة حركة حماس والفصائل المتحالفة معها في قطاع غزة إلى وقف المناكفات والتصريحات التي تفرق الصف الفلسطيني، والتي لا تعبر عن إرادته وصموده في مواجهة التحديات الراهنة، والترفع على الجراح وتجاوز الخلافات التي لا تخدم سوى العدو والمشروع الإسرائيلي، فالرئيس أبو مازن بتجربته النضالية وحنكته السياسية قادر على توحيد الصف الفلسطيني وإنهاء الفرقة بين قادته وفصائله، وعلى قادة حماس والفصائل في غزة التخلي عن الشعور بالإقصاء ويساهموا في فتح أبواب الحوار الفلسطيني-الفلسطيني التي إن بقيت مغلقة فإن الشعب الفلسطيني سيكون هو الخاسر، فيما المحتل هو الكاسب، وهذا ما لا نريده ولا يريده الفلسطينيون، ولا بد من القول بأن هذا الشعب العظيم الصامد والصابر يستحق أن يكون قادته عند مستوى المسؤولية الوطنية التاريخية لجهة توحيد الصف ومواجهة التحديات وخوض معركة التحرير على كل الأصعدة الوطنية والدولية والهادفة إلى تحقيق الدولة الفلسطينية بروح الصمود والإباء الفلسطيني وتضحيات شعبه وثباته على الأرض والمقدسات وإفشال كل مشاريع التهجير والاستيطان، وكبح جماح المحتل وتعطشه لسفك المزيد من الدم الفلسطيني الطاهر.
صحفي وكاتب يمني
[email protected]