صنعاء نيوزبقلم / محمد إبراهيم الغرباني * -
صدقوني .. المشاهد لواقع اليمن اليوم ( وأقصد هنا من يشاهد بكلتي عينيه ) وليس أهل العين الواحدة ,فسيرى بأننا نعيش اليوم مشكلة حقيقية .. مشكلة تعصف باليمن أغرقتنا بين فريقين أحدهما يريد فرض مايراه على الجميع دون استثناء والآخر لا يقبل بتاتاً بالإعتراف بأن هناك مشكلة أصلاً , وبدون أي تحيز أو تعصب كنت أأمل من المثقفين والمفكرين ومن انضم إلى الأغلبية الصامتة المتابعة للواقع لأن يقوموا بدورهم الحقيقي في طرح الصورة على المجتمع اليمني بالكامل والعمل على خطة حقيقية وتنفيذها للمحاولة بالخروج من هذه الأزمة .. بحيث نقف على المشكلة مع اسبابها وماهية المعالجة لها بشكل لا يؤثر بطريقة سلبية على الوطن والمواطنين خصوصاً وأن كلا الفريقين لا يقبل بالمرونة إطلاقاً ولأجل ذلك فإنهما سيغرقان اليمن في مشاكل جمة أكثر مما نحن فيها الآن وقد نصل إلى مرحلة الحرب.
ولستُ من أهل الحل والعقد ولكنني كـ مواطن يمني - وبالطبع المواطن هو الوحيد المتضرر من كل ما يجري - فإنني أرى أن نقف على المشكلة بحيادية تامة ونناقش أسبابها ثم نقف على الحلول التي يمكن أن تخرجنا والقبول بها وأقول : أن المشكلة القائمة في اليمن تعود أسبابها إلى أننا ابتعدنا تماماً عن الله والرسول ومخالفتنا للتعاليم الدينية الوسطية التي كفل الله لنا بها لو قمنا بها على أكمل وجه لكان تحققت لنا الأشياء التي نعمل من أجلها مادامت بناءة وسليمة وليست مخالفة للشريعة وكل من يقول بأن الدين هو سبب للمشكلة فإنه بذلك يتهرب من ضعفه وعجزه وفشله في القيام بما يجب عليه القيام به ويلقي به على الدين ومنطلقاً في قولي في هذا الجانب من قول الله تعالى ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ) فهذا هو السبب الرئيسي والذي تفرعتُ منه الأسباب الأخرى وسبب هذا السبب هو عدم قيام العلماء بما عليهم فأضJاعونا وضيعوا .
السبب الثاني : هو الخلل في المنظومة السياسية بالكامل ولا أقول شخص الرئيس مع أنه يتحمل جزء كبير من المسؤولية بصفته ولي الامر ولا علم لنا بما يصل إليه من الذي لا يصل وأخشى أن يكون واقعنا كما في فيلم طباخ الرئيس (!) ، الجزء الذي أعنيه في المنظومة السياسية هو دور النظام في العمل بما يرتقي بالوطن ويساعد على تحقيق المطالب الكاملة للناس والمجالات التي أهملها النظام كثيرة جداً وبشكل أساسي جزئية العلم , حيث أن التعليم في بلادنا أصبح للأسف من أجل أن نتعلم القراءة والكتابة فقط ولا يحقق لنا القدرة على الإنتاجية مطلقاً , ويجب أن نكتفي بالتغني , فحتى القراءة والكتابة لم تكن بتلك الدرجة التي يستحق المرء أن يتحدث عنها إلا من رحم ربي .. لم تُعطي الدولة الاهتمام الكافي للعلم و البحث العلمي بما يساعد على خلق جيل واعي بوطنه ومسؤولياته تجاهه وأعود للتأكيد على أنني حين أتحدث عن منظومة سياسية فإنني أتحدث عن كافة تكوينات هذه المنظومة سواءً الحزبية والسياسية أو حتى منظمات المجتمع المدني وهذه مشكلة بحد ذاتها لو قامت بدورها ايضاً على أكمل وجه لما وصلنا إلى ما وصلنا له اليوم ولذلك لا يُعذر أحد منهم أبداً .
السبب الثالث : للمشكلة تكمن في المجتمع وتربيته على سلوكيات وعادات معينة مع رفضه الشديد لجملة من التطورات والنقلات النوعية التي كانت ستسهم في تقوية البنية الاجتماعية وتطويرها وأقف هنا مع التركيبة القبلية للمجتمع ولا أقول هنا بأن عادات القبيلة سيئة لدرجة أطالب بإلغائها وإنما أطالب بتحديث وتطوير المنظومة القبلية بما يتوافق مع متطلبات العصر وازالة السلبيات وتعزيز الإيجابيات لها ... تزعجني كثيراً إنتقادات الآخرين لمجتمعنا اليمني وعاداته القبلية , صدقوني القبيلة في اليمن لها ثقلها ودورها وإيجابياتها المتعددة ولكنها اختفت بمجرد ظهور مشائخ" النيدو" مع احترامي للنيدو طبعاً .. المشائخ الذين قتلوا كل شيء جميل في القبيلة مع أنهم قادرين على أن يكونوا مثل مشائخ الخليج .. لكن العقلية التي جاءؤوا بها هي من أوصلتنا أيضاً إلى ما نحن فيه وساعدت بقدر كبير في عدم بناء الدولة المدنية الحديثة .. ولا نغفل التيارات الدينية المتطرفة الداعية للعنف والقتل والمخالفة بذلك لكل تعاليم الدين وإعطائها الفرصة في الإنتشار في المجتمع لتزرع أفكار الإنتحار وقتل الآخرين وعندما اتحدت هذه التيارات مع سلبيات القبيلة ( غيّبت الأمن والأمان في الوطن وأثر ذلك على السياحة والاستثمارات ) ولو عُولجت هذه القضية لكان هناك شركات كثيرة في اليمن ولوفرت العديد من فرص العمل للشباب ولوصلنا إلى مرحلة تعرض فيها الدولة وظائفها في الحراج .
السبب الرابع : وهو المكون الأساسي للنظام والمجتمع وهو الأسرة والتي أغفلناها جميعاً ولم تعد كما درسنا في كتاب التربية الوطنية على أنها الخلية الأساسية للمجتمع وبها يقوم المجتمع حقاً إذا كانت مترابطة ومتماسكة , ولذلك فما يحصل في المجتمع هو نتيجة لفساد هذه الثلاثة الأشياء وبعدنا عن السبب الأول .. وبكل بساطة وبدون اعتصامات ومظاهرات وقتال وحرب بيننا كيمينيين فإن الحل يكمن في معالجتها ولكن كيف ؟.
صدقوني قبل الإجابة سأتحدث عن رؤيتي للمستقبل لليمن التي أريد أن أعيشها في ظل النظام الحالي او النظام القادم وسأختصرها ولا داعي لأن أطيل فيها لأنها بكل بساطة هي ما نريد كـ شعب , وليست هذه الرؤية قائمة على السيناريوهات المتوقعة للأزمة , على العكس تماماً هي رؤيتي ورؤية كثير من الشباب نطمح بأن تتحقق وتتمثل في التالي : ( عِلم راقي وقوي - عمل - حرية - عدالة - مساواة - ديمقراطية وتعددية سياسية - دولة مدنية حديثة - مؤسسة عسكرية محايدة - زواج ) هذه الأشياء اختزلت كل الصرخات التي ينادي بها الجميع .
أعلم أنه حُلم جميل ورائع وسيسألني الكثير عن كيفية تحقيقه , وأؤؤكد هنا على عدم إلقاء السبب على الآخر فكلنا نتحمل ما نعيشه اليوم من إهمالنا في السابق في القراءة والتوعية والمشاركة المجتمعية الفاعلة ولذلك فعند وضع الحلول يجب أن يعمل الجميع على تنفيذها وليس البحث عن الأشخاص المتسببين في فشل البناء والتنمية , وإلا فلن نبني أبداً ولذلك فيجب أن نقف مع جملة من النقاط أهمها البحث عن نقاط القوة لليمن وللشباب وسنكتشف ويكتشف أهل الشيبِ أن لدينا شباب يمتلك طاقة كبيرة جداً للعمل والبناء وقابلية كبيرة للوعي والمشاركة بفعالية في المجتمع والقابلية للتخطيط والتنفيذ بروح جبارة وقوية إذا قمنا باحتوائه والإنصات له وتوجيهه .
الشيء الثاني الذي يجب الانتباه له هي نقاط الضعف لدى هذه الفئة والتي قد تؤثر سلباً وسنجد أنه يعاني من وجود حماس كبير جداً لديه ( الشباب ) وهذا الحماس غير موجه وغياب القدرة على التخطيط الحقيقي وتُحركهم العاطفة بشكل أساسي ماجعلهم في كل الساحات ( ولا أعمم ) يرفضون أي مبادرات للحل تجنبنا فتنة الدم وأدى ذلك لعدم إدراكهم لقواعد اللعبة السياسية فلم يصبحوا سوى أدوات بيد شيخ القبيلة وشيخ العلم والجنرال والمكونات السياسية .
إذاً ماذا بقي لدينا .. فقط يجب معرفة المخاطر التي قد نواجهها في سبيل تحقيق الرؤية وسنراها متمثلة في القبيلة بجانبها السلبي بالإضافة إلى بقايا الفساد التي يمكن أن تنصهر في المجتمع وتعيد تكوين نفسها من جديد و وجود التيارات الدينية المتطرفة التي قد تنسف كل ما سبق , ومن خلال معرفة الفرص المتاحة سنجد أن قوة الرؤية التي نريد تحقيقها لليمن ستمكن الجميع من خلق تحالفات قوية داخلية وخارجية للبناء بما يحقق المصلحة العامة وبما يساعد على حماية الوطن .
اختصرت كثيراً في طرحي وحاولت عدم الوقوف على الجزئيات التي ستعيق عن التنفيذ لأنها تلهينا وتبعدنا تماماً عن العمل من أجل الحل وتجعلنا نغرق في صراع لا طائل منه وسيوصلنا إلى مربع العنف ولذلك أأمل أن نقف مع المشكلة بقدر كافي من المرونة والعمل كـ ( مثقفين وشباب ورجالات الفكر والدين ) المعتدلين .. العمل على إيجاد الحل وليس الاكتفاء بالتنظير فقط.
هناك مبادرة الرئيس في المؤتمر الوطني - خارطة الطريق المقدمة من الاستاذ نبيل الفقيه - مبادرات المشترك والعلماء - المبادرة الخليجية ... مبادرة الامم المتحدة وهات لك يا مبادرات والله لو جلسوا كلهم عليها لخرجوا بحلول ( لكن ليُخرجوا من عقولهم أن اليمن كعكة ويجب تقسيمها ) و صدقوني سيكون بإمكاننا عمل خارطة طريق على ضوء كل هذه الأشياء والبدء في تنفيذها لنجنب اليمن ما لايجب أن يقع , خصوصاً في ظل التصعيد من كل الأطراف وهذا ما لا نقبله من الجميع مالم فليرحل الجميع عن هذا الوطن مثلما فعل اجدادنا عندما تهدم السد , فهـــذا ديدُن اليمنيين منــذ الأزل ( الرحيل ) وسيأتي الله بقومِ غيرنا ثم لا يكونوا أمثالنا .