shopify site analytics
بوتين يوجه بتطوير الطيران المسيّر في روسيا - استهداف محطة الغاز "سودجا"... - شركات طيران عالمية تتخذ أول خطوة بعد تحذيرات صنعاء لمطار غوريون - السيرة الذاتية لفقيد الإعلام اليمني الأستاذ لطف حمود محمد يحيى الخميسي رحمه الله - مصر لن تحارب اليمنيين - خلافات العليمي وبن مبارك المادية تتصدر عناوين الصحف العربية - محافظ الحديدة يطلع على سير منافسات مسابقة الشهيد القائد القرآنية الرمضانية - إعلام إسرائيلي يكشف مواقع عسكرية إيرانية قد تكون أهدافًا لهجوم - أهارون باراك: إسرائيل تنزلق نحو حرب أهلية - ليفربول يستقر على بديل محمد صلاح من ريال مدريد -
ابحث عن:



صنعاء نيوز - لم يكن "محمود موعد" مجرد أديب أو أكاديمي، بل كان مثقفًا قلقًا يحمل هواجس أمته على كتفيه، يقرأ الواقع بعيون نافذة، ويرى المستقبل

الثلاثاء, 11-مارس-2025
صنعاء نيوز/ -

لم يكن "محمود موعد" مجرد أديب أو أكاديمي، بل كان مثقفًا قلقًا يحمل هواجس أمته على كتفيه، يقرأ الواقع بعيون نافذة، ويرى المستقبل بحدس مؤلم. عاش حياة قاسية منذ طفولته، بعد أن لجأت عائلته إلى سورية إثر نكبة فلسطين عام 1948، واستقر في “مخيم اليرموك”، حيث خبر اللجوء بكل قسوته ومرارته.

رغم ذلك، واصل دراسته بتحدٍّ وإصرار، فحصل على الإجازة الجامعية من جامعة دمشق، ثم دبلوم الدراسات العليا من القاهرة، وأكمل مشواره الأكاديمي في فرنسا، حيث نال الدكتوراه من جامعة "السوربون" عن أطروحته حول دور الدين في أدب "نجيب محفوظ".



عاد إلى سورية ليعمل محاضرًا في جامعة دمشق والمعهد العالي للفنون المسرحية، تاركًا بصمته الأكاديمية والأدبية. لم تكن دمشق مجرد محطة في حياته، بل كانت وطنًا ثانيًا احتضنه واحتضنها، ونسج فيها صداقات ممتدة عبر المدن السورية والعربية.


التقيت "محمود" في مناسبات ثقافية واجتماعية وإنسانية عديدة، وتبادلنا الزيارات والنقاشات، كما شارك متطوعا في عدد من الندوات الصحية والاجتماعية والحقوقية التي قمت بتنظيمها في سورية والبلاد العربية، وللحق كنا نختلف في وجهات النظر في عدد من القضايا دون أن يعكر ذلك صفو المودة التي جمعتنا. فقد كان يؤمن ويمارس أدب الاختلاف، وهو أمر نادر بين كثيرين اليوم.


إبداع يعكس القلق والتوجس

ترك "محمود موعد" إرثًا أدبيًا غنيًا، عبّر فيه عن قلقه المزمن تجاه المستقبل. من أبرز أعماله:

• “رباعية الموت والجنون” – دمشق، 1978.

• “قصص من فلسطين” – باريس، بالفرنسية، 1979.

• “برقوق من فلسطين” – شعر بالفرنسية، جنيف، 1985.

• “أنديرا الطيبة” – ترجمة عن الفرنسية.

• “فحيح المرايا” – مجموعة قصصية، 1990.

• “حديث الصباح” – زاوية أسبوعية أدبية اجتماعية في الصحافة السورية.

• سلسلة “كان ما كان” – كتيبات للأطفال تحكي قصصًا من بلاد الشام، إيماناً منه بأهمية تمكين الأطفال من الثقافة الجادة.

• “سخريات الظلال” – قصص وحكايات، اتحاد الكتاب العرب (نُشرت بعد وفاته).

هذا بالاضافة إلى بعض المشاركات والمذكرات عن ثقافة الأشخاص الصم العرب وفي العالم.



كان إنتاجه الأدبي مشبعًا برؤية سوداوية وقلق مستمر، تأثر فيه بأجواء "كافكا" و"إدغار آلن بو"، حيث امتزج الواقع بالخيال في عالم مثقل بالغموض والتناقضات. لم تكن أعماله مجرد سرد قصصي، بل كانت مرآة لقلق المثقف العربي الذي يرى أزمات مجتمعه تتفاقم دون حلول. انتاج "محمود موعد" الأدبي السوداوي القلق متنوع يمكن فهمه من قبل الإنسان العادي، يرتبط مع الواقع والمجتمع والوطن بشكل أو بآخر بينما نجد أن أدب "كافكا" الكابوسي الجدلي المعقد هو تصوير حاد للقلق الوجودي، والاغتراب، في عالم يشبه الكوابيس، حيث تبدو محاولات الإنسان للفهم والنجاة محكومة بالفشل، وفي حين حاول "كافكا" التخلص من كل إنتاجه الفكري المنشور، وسعى إلى منع وصول الجمهور إليه، كان "محمود موعد" يجتهد في نشر أعماله والتعريف بها والحديث عنها بكل الوسائل الممكنة، لا يتوقف عن المشاركة في الجمعيات والندوات الأدبية والثقافية في جميع أنحاء سورية وبعض البلاد العربية وغيرها، وحسنا فعلت مديرية ثقافة دمشق بتسمية قاعة ثقافية للمحاضرات باسمه بعد رحيله.



حدس المثقف ونبوءة الانهيارات

في حوار أجراه معه الكاتب تيسير خلف، تحدث محمود عن مجموعته القصصية الأولى “رباعية الموت والجنون” (السبعينيات)، التي حملت رؤية قاتمة للمستقبل العربي، فقال:

“الكاتب الصادق يستطيع أن يتنبأ دون أن يكون متنبئًا. حين كتبت المجموعة، لم أكن أفكر بالمستقبل، بل باللحظة التي أعيشها والإرهاصات التي أصابت القضية العربية. كنت أشعر أن الانهيار بدأ يغزو الداخل والعلاقات الإنسانية والاجتماعية.”



لم تكن نظرته المتشائمة وليدة اللحظة، بل صاحبته منذ ثمانينيات القرن العشرين، قبل حرب الخليج، حيث سيطر عليه الشعور بالقلق والاكتئاب. وبعد الحرب، تحدث عن تأثيرها العميق عليه، فقال:

“وقعت في حالة اكتئاب، ولا سيما بعد حرب الخليج، لمدة عام ونصف. تعطلت فيها كل وظائف جسمي، لا أكل، لا نوم، لا شرب، لا كلام. كنت أنتظر الموت.”

ويتابع:

“عندما يحصل ما كنت تتوقعه يبدو ذلك أرهب من الشيء الذي لا تتوقعه. لم تكن حرب الخليج مفاجئة بالنسبة لي، فقد كان لدي إحساس بالانهيارات قبل حدوثها.”

هذا كان إحساسه في الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين، أي قبل أن يشهد غزو العراق للكويت، وغزو أمريكا للعراق 2003 والحروب الضارية على لبنان، وحرب غزة التي دمرت الحجر والبشر، وأحداث الثورة السورية المريرة بعد عام 2011 في كل مراحلها، وما عُرف بالربيع العربي في عدد من البلاد العربية. لقد استشرف هذه التداعيات المؤلمة الكارثية وتألم قلبه قبل أن تصبح واقعًا ملموسًا، وكأنه كان يرى مآلات الأمور قبل أن تتجسد في المشهد العربي بكل قسوته.

هل آثر قلبه الرحيل؟

كما كتبت من قبل، لم يكن "محمود موعد" مجرد كاتب يراقب الأحداث، بل كان جزءًا منها، يتألم بصمت، ويشعر أن الكارثة قادمة لا محالة. لم يحتمل قلبه رؤية ما هو قادم، فتوقف عن الخفقان في 27 آب/أغسطس 1997، تاركًا أسرته الصغيرة، وأسرته الكبيرة من أصدقائه ومحبيه في سورية وفلسطين والعالم العربي.



واليوم، عندما أتذكر "محمود" وأرى ما يحدث وحدث في بلادنا العربية، وما أصاب سورية التي أحبها وأحبته، وما حل بأهلها وحاضرها ومستقبلها، أقول في نفسي: إذا كان هذا ما استشعره، فلا ألوم قلبه إن آثر الرحيل.

عرض النص المقتبس
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد

ملخصات تغذية الموقع
جميع حقوق النشر محفوظة 2009 - (صنعاء نيوز)