صنعاء نيوز/ الناشط الحقوقي أسعد أبو الخطاب -
طفلان صغيران في غزة يبكيان على أمّهما التي استشهدت تحت ركام البيت، لا بفعل زلزال، ولا كارثة طبيعية، بل بفعل فاعلٍ يعرف تمامًا أين يضع قنبلته.
أحدهما يصرخ، والثاني يحتضنه محاولًا أن يكون “الرجل” في مشهد لا يحتمل الرجال أصلًا.. يتألم بصمت، يحبس دمعته كي يبدو قويًا لأخيه، لكنه أكثر انكسارًا منه.
أي فلسفة يمكن أن تبرّر هذه الصورة؟
أي منطق يجيز أن تُنتزع الأم من حضن الطفل ثم يُطلب منه أن "يتأقلم"؟
لاحول ولاقوة إلا بالله:
عبارة تبدو اليوم أعمق من معناها المعتاد.. إنها إعلان عجز.. إعلان أن البشر، رغم كل علومهم وجيوشهم وأقمارهم الصناعية، لا يملكون شرف الوقوف إلى جانب طفل يدفن أمّه بيديه الصغيرتين.
ما الذي يمكن أن يُقال أمام هذا المشهد؟
أن غزة محاصرة؟
نعم..أنها تُقصف بلا رحمة؟
بالتأكيد.. أن الوطن الاسلامي والعربي، يتفرج؟
كالعادة.. لكن الأصعب من ذلك:
أن كل تلك الحقائق أصبحت مملة، مكرّرة.. فقدت قدرتها على إحداث الصدمة.. حتى صرخة الطفل أصبحت صوتًا مألوفًا لا يوقظ ضميرًا.
هل هذه هي العدالة التي يتغنّى بها الغرب؟
هل هذه هي الحضارة التي تفاخر بها الأمم؟
أن يُقتل المدنيون وتُغتال الأمهات ويُترك الأطفال ليتعلموا الحزن قبل الكلام؟
لسنا بحاجة إلى مزيد من التحليل، بل إلى قليل من الإنسانية.. لسنا بحاجة إلى لجان تحقيق، بل إلى وقفة ضمير.. إلى من يقول إن هذا الطفل ليس رقمًا، وإن دموعه لا تذرف عبثًا.
في الفلسفة، يقولون إن “الإنسان هو كائن يبحث عن المعنى”.
لكن ماذا لو صار الموت هو المعنى الوحيد المتاح؟
وماذا لو أصبحت الحياة نفسها فعل مقاومة؟
في غزة، كل طفل يولد، هو فعل مقاومة.. وكل أم تحضن أبناءها، هي ثورة ضد المنفى، والمنفى هنا ليس مكانًا.. بل قدرًا يُفرض عليك داخل بيتك.
"أنا لله وإنا إليه راجعون" لكننا نعود إليه لا لأننا اخترنا، بل لأن أخواننا المسلمين والعرب في كل بقاع الارض خذلونا، وقرروا أن يكونوا بلا قلب.
ورغم ذلك، سيبقى طفل غزّة يبكي ويقاوم.. لأن من بكى أمّه اليوم، قد يكتب قصيدة عنها غدًا، أو يبني بيتًا من ذكراها، أو يشعل من صورتها ثورة جديدة.
ثورة لا تزرع الموت، بل تعيد تعريف الحياة. |