صنعاء نيوز/إيهاب مقبل -
في السنوات الأخيرة، أصبح «زواج النساء بالنساء» من أبرز القضايا الاجتماعية الجدلية في دول الشمال الأوروبي، وعلى رأسها السويد.
بين من يراه حرية شخصية مكفولة، ومن يعتبره فوضى قيمية تهدد مفهوم الأسرة، تتباين الرؤى، وتتباين معها ملامح المجتمع.
فهل نحن أمام تطور حضاري حقيقي، أم ظاهرة تعكس اضطرابًا أعمق في بنية الإنسان الحديثة؟!
مجتمع يعيد تعريف الأسرة
أقرت السويد في العام 2009 قانونًا يساوي بين الزواج المثلي والزواج التقليدي، لتصبح واحدة من أولى الدول التي تشرّع هذا الشكل من العلاقات.
وبحسب إحصاءات وكالة الإحصاء السويدية لعام 2017، كان هناك 12158 شخصًا في زيجات مثلية في السويد، منهم 56% من النساء و44% من الرجال . تشير هذه النسبة إلى أن حوالي 6800 امرأة في زيجات مثلية، مما يشكل أكثر من نصف العدد الإجمالي [1].
في الظاهر، يبدو المجتمع السويدي أكثر «انفتاحًا» و«تحررًا». لكن في المقابل تسجل السويد واحدة من أعلى نسب الاكتئاب والانتحار في أوروبا [2][3]، بينما تراجع معدل الزواج التقليدي في السويد ليشمل حوالي 35-40٪ فقط من السكان في سن الزواج، مقابل ارتفاع نسب العزوبية والمعيشة المشتركة بدون زواج [4][5].
هذا التناقض يطرح تساؤلًا عميقًا: هل هذا التمدد في مفهوم «الحرية» أفاد الإنسان فعلًا؟ أم أوقعه في فراغ نفسي واجتماعي؟
تجارب فاشلة وعواقب الزواج بين النساء
على الرغم من أن الزواج المثلي في السويد يلقى دعمًا قانونيًا واعلاميًا في العديد من الحالات، إلا أن هناك العديد من التجارب الفاشلة التي تثير القلق حول هذا الشكل من الزواج على المدى الطويل:
1. الضغوط النفسية والعاطفية: أظهرت عدة دراسات غربية أن بعض النساء في الزواج المثلي يواجهن ضغوطًا نفسية أكبر بسبب التحديات العاطفية المرتبطة بكشف هويتهن أو بناء أسرة خارج الإطار التقليدي.
على سبيل المثال، تشير دراسة إلى أن الأفراد المثليين يعانون من مستويات أعلى من المشكلات النفسية الداخلية واستخدام المواد المخدرة مقارنة بالمراهقين المغايرين جنسيًا، مما يعكس تأثير ضغوط الأقلية على صحتهم النفسية [6].
2. تربية الأطفال داخل الأسرة المثلية: أظهرت دراسات مختلفة في السويد وأمريكا الشمالية أن الأطفال الذين نشأوا في أسر مثلية يواجهون تحديات اجتماعية ونفسية متعددة، خاصة عند دخولهم المدرسة، إذ يعانون من التحرش أو العزلة بسبب عائلاتهم غير التقليدية.
وبحسب تقرير صادر عن الهيئة السويدية للشباب والمجتمع المدني بعنوان «أمان الشباب من المجتمع المثلي والتعرض للانتهاكات» لعام 2022، فإن الشباب من المجتمع المثلي يتعرضون لمستويات أعلى من التنمر والاعتداءات مقارنةً بأقرانهم من المغايرين جنسيًا. على سبيل المثال، أفاد 22% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و20 عامًا من المجتمع المثلي بأنهم تعرضوا للتنمر خلال الأشهر الستة الماضية، مقارنةً بـ10% من المغايرين جنسيًا في نفس الفئة العمرية [7].
تشير هذه البيانات إلى أن الأطفال والشباب في الأسر غير التقليدية قدْ يواجهون تحديات إضافية في البيئة المدرسية والمجتمعية.
3. التأثير على العلاقات المستقبلية: قدْ تؤدي تجارب الحياة الزوجية المثليّة إلى عدم الاستقرار العاطفي، مما يسبب تكرار العلاقات الفاشلة.
أظهرت دراسة ديموغرافية نُشرت في مجلة ديموغرافي العام 2020 بعنوان «عقدان من زواج المثليين في السويد: دراسة ديموغرافية للتطورات في الزواج والإنجاب والطلاق» أن معدلات الطلاق في الزيجات المثلية بين النساء في السويد كانت أعلى مقارنةً بالزيجات التقليدية. وفقًا للبيانات التي تغطي الفترة من 1995 إلى 2012، انتهت حوالي 40% من هذه الزيجات بالطلاق خلال 15 عامًا، مقارنةً بنسبة 30% في كل من الزيجات المثلية بين الرجال والزيجات التقليدية بين الجنسين [8].
4. تفكك الأسرة بسبب الصراع على الأدوار: يواجه الزواج بين امرأتين تحديًا في تحديد الأدوار داخل الأسرة، فرغم أن البعض يعتقد أن الزوجين يمكن أن يكونا متساويين في كل شيء، إلا أن الخبرات تُظهر أن هناك صراعًا داخليًا حول من سيتولى أدوار القيادة داخل الأسرة أو من سيرتبط بالشريك بشكل عاطفي أكبر.
رأي شخصي
من وجهة نظري، المجتمع الذي يتخلّى عن ثوابته الأخلاقية والاجتماعية باسم الحرية المطلقة، يدخل تدريجيًا في حالة من الفوضى القيمية. نعم، الإنسان بحاجة للحرية، لكن الحرية بلا ضوابط تصبح عبئًا على النفس وفوضى اجتماعية.
قدّمت السويد نموذجًا مثيرًا للجدل يتمثل بـ«ظاهرة الإنسان المتحرر»، بينما باطنه يُعاني من عزلة نفسية، وتراجع في قيم الترابط الأسري.
الخلاصة
بين «حرية الاختيار» و«ثوابت القيم»، تعيش المجتمعات الحديثة حالة بـ«المقلوب». تلك الحالة التي تُعيد تعريف كل شيء، بما في ذلك الزواج والجنس والعائلة.
من ناحية بيولوجية واجتماعية، لا يمكن للعلاقة بين امرأتين أن تحقق استمرار النسل. وفي أي نظام اجتماعي قديم أو حديث، الأسرة الطبيعية قائمة على أب وأم، ولكل منهما دور محدد في هياكل الأسرة الواحدة.
في المجتمعات المقلوبة، هناك قوانين تسمح بزواج المثليين «نساء أو رجال». ومع ذلك، ما زالت هذه الزيجات محل جدل كبير اجتماعيًا وأخلاقيًا ونفسيًا ودينيًا.
وفي زمنٍ تتداخل فيه الحدود بين المقبول والمرفوض، يبقى السؤال الأهم: هل نحن نبحث عن حرية حقًا… أم نتهرب من مسؤولية الالتزام بعلاقة طويلة الأمد في مواجهة الذات والهوية؟!
المراجع
1. Samkönade äktenskap vanligast bland kvinnor
https://www.scb.se/hitta-statistik/artiklar/2018/samkonade-aktenskap-vanligast-bland-kvinnor/
2. World Population Review. (2024). Suicide Rates by Country 2024.
https://worldpopulationreview.com/country-rankings/suicide-rate-by-country
3. Suicide worldwide in 2019: global health estimates
https://www.who.int/publications/i/item/9789240026643
4. Statistics Sweden (SCB). (2023).
https://www.scb.se/en/finding-statistics/statistics-by-subject-area/population-and-living-conditions/population-composition-and-development/population-statistics#_TablesintheStatisticalDatabase
5. OECD. (2024). Society at a Glance 2024: Marriage and Divorce Rates.
https://www.oecd.org/en/publications/2024/06/society-at-a-glance-2024_08001b73/full-report/marriage-and-divorce_63dd0a7d.html#figure-d1e9123-8cd0a55a48
6. Explaining Health Disparities between Heterosexual and LGB Adolescents by Integrating the Minority Stress and Psychological Mediation Frameworks: Findings from the TRAILS Study
https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/32076922/
7. MUCF. (2022). Unga hbtqi-personers trygghet och utsatthet
https://www.mucf.se/sites/default/files/2023/09/Trygghet_webb.pdf
8. Demography. (2020). Two Decades of Same-Sex Marriage in Sweden: A Demographic Account of Developments in Marriage, Childbearing, and Divorce
https://link.springer.com/article/10.1007/s13524-019-00847-6
انتهى
|