صنعاء نيوز/إيهاب مقبل -



قراءة نقدية متعددة الأبعاد في المجتمعات المقلوبة!

في عصر تسوده مفاهيم جديدة عن الجسد والعلاقات، يبرز موضوع «الجنس الجماعي» كواحد من أكثر المظاهر إثارة للجدل، خصوصًا في المجتمعات الغربية مثل السويد، والتي تتبنى سياسات ليبرالية فيما يتعلق بالحريات الشخصية والميول الجنسية. فهل هذا النوع من «التحرر» هو تعبير عن كسر القيود التقليدية؟ أم أنه يعكس أزمة أعمق في فهم العلاقة الإنسانية؟

من التابو إلى التيار: كيف تحوّل الجنس الجماعي إلى ثقافة سويدية؟

شهدت السويد خلال العقدين الماضيين اتساعًا في الأنشطة المرتبطة بما يُعرف بـ«ثقافة المتعة المفتوحة»، والتي تشمل الجنس الجماعي كأحد تعبيراتها. تتزايد اللقاءات الجماعية الخاصة، والمهرجانات المغلقة، وحتى المنتديات الرقمية التي تروّج لهذا النوع من العلاقات. يتم تسويق هذه الأنشطة أحيانًا كـ«تحرر جنسي»، إلا أنها في الواقع غالبًا ما تأخذ أشكالًا مختلة من الهيمنة أو الاستهلاك الجنسي، مثل «مجموعة رجال ومجموعة نساء في آن واحد» أو «رجل مع عدة نساء في آن واحد» أو الأكثر شيوعًا وضررًا «امرأة مع عدة رجال في آن واحد» في سيناريوهات غير متكافئة بيولوجيًا [1].

وتُظهر بيانات جزئية صادرة عن هيئة الصحة العامة السويدية أن هناك تزايدًا في سلوكيات المخاطرة الجنسية لدى فئة الشباب، وهو ما يرتبط بنمو ثقافة التجريب الجسدي والانفصال عن العلاقات طويلة الأمد [2].

البعد النفسي: البحث عن المتعة أم الهروب من الذات؟

يرى علماء النفس أن الجنس الجماعي، في كثير من الأحيان، لا يرتبط فقط بالرغبة، بل قد يكون مظهرًا من مظاهر الهروب من الالتزام والعلاقات العاطفية العميقة. ويؤكد الدكتور لارش إيكبيرغ أخصائي علم النفس في جامعة ستوكهولم، أن هذا النوع من السلوك «غالبًا ما يُخفي هشاشة عاطفية، وقلقًا داخليًا من الارتباط».

كما تشير دراسات غربية إلى أن التحفيز المفرط للدماغ جنسيًا عبر تجارب جماعية قد يؤدي إلى نوع من الخدر العاطفي، ما يجعل من الصعب لاحقًا بناء علاقات رومانسية مستقرّة.

وقد أوردت إحدى المشاركات في وثائقي من إنتاج التلفزيون السويدي تجربتها قائلة: «في البداية ظننت أنني أعيش شيئًا ممتعًا ومختلفًا، لكن بعد فترة بدأت أشعر بالفراغ. لم أعد أستمتع بأي علاقة، وصارت جسديّة بحتة. في كل مرة كنت أخرج منها أكثر تعبًا، أكثر وحدة، وأقل ثقة بالنفس» [3].

وفي مقابلة أخرى نُشرت في صحيفة أفتونبلادت السويدية في العام 2023، عبّرت فتاة سويدية في العشرينات من عمرها بالقول: «اعتقدت أن هذا هو قمة الحرية، لكني الآن أراجع جلساتي مع المعالج النفسي لأفهم لماذا لم أعد أستطيع الشعور بالحب».

هذا النمط من التجارب يُظهر أن معاشرة المرأة لأكثر من رجل، وإن كانت «قانونية» أو «ثقافية»، إلا أنها في كثير من الأحيان تؤدي إلى هشاشة داخلية، وفقدان لهوية الأنثى ككيان متكامل.

يُظهر علم النفس التطوري أن الرجال والنساء يختلفون في الارتباط الجنسي والعاطفي. توضح دراسات نفسية، مثل دراسة هيلين فيشير في العام 2005 أن النساء يتأثرن عاطفيًا بشكل أعمق بعد العلاقة الجنسية، مما يجعل العلاقات المتعددة أكثر ضررًا نفسيًا عليهن من الرجال [4].

وبينما الرجل يمكنه الفصل نسبيًا بين الجنس والعاطفة، تجد المرأة نفسها في ارتباط نفسي عميق قد يتحول إلى اضطراب أو صدمة عند التنقل بين شركاء.

البُعد الاجتماعي: تفكك الروابط أم ولادة نمط جديد من العلاقات؟

السويد من أكثر الدول التي شرّعت الحريات الجنسية بشكل شبه مطلق. وتشهد العاصمة ستوكهولم نمطًا متزايدًا من العلاقات المفتوحة أو «المتعددة الأطراف»، سواء بين رجال أو نساء. لكن المفارقة أن هذا الانفتاح لم يأتِ بالاستقرار!

يدّعي بعض المدافعين عن الحريات الجنسية أن العلاقات المفتوحة، بما فيها الجنس الجماعي، تعبّر عن أشكال جديدة من التواصل والصدق. لكن في الواقع السويدي، تترافق هذه الظواهر مع تراجع معدل الزواج، وارتفاع نسبة العزوبية، وانخفاض معدلات الولادة.

بحسب إحصاءات وكالة الإحصاء السويدية لعام 2023 فإن أكثر من 2 مليون شخص بالغ يعيش بمفرده من أصل 10 مليون نسمة [5]، ونسبة الأطفال المولودين خارج إطار الزواج تجاوزت 55٪ [6]، ومعدلات الاكتئاب والعزلة النفسية بين الشباب في ارتفاع مستمر [7]. هذه الأرقام تثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه التجارب تبني الإنسان أم تفككه.

الصحة العامة: اللذة بثمن جسدي؟

رغم التقدّم في التوعية والوقاية، تبقى الأنشطة الجنسية الجماعية بيئة خصبة لانتشار الأمراض المنقولة جنسيًا، خصوصًا في حال غياب الضوابط أو الاستخدام غير المنتظم لوسائل الوقاية.

سجلت السويد في العام 2022 ارتفاعًا بنسبة 22٪ في حالات الإصابة بالسيلان والزهري، بحسب المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض، وهو ما ارتبط بزيادة الأنشطة الجنسية الجماعية بين الفئات النشطة جنسيًا [8].

وتنتقل هذه الأمراض عبر الاتصال المهبلي أو الفموي أو الشرجي، وغالبًا ما تكون التجمعات الجنسية بيئة خصبة لانتشار العدوى في حال غياب الضوابط الوقائية [9].

الخلاصة: الحرية لا تعني غياب الحدود

المجتمعات التي جرّبت «الحرية الجنسية المطلقة»، مثل السويد، تواجه اليوم موجة تساؤل داخلي حول النتائج: هل هذه الأنماط خلقت إنسانًا أكثر سعادة؟ أم فقط أكثر عزلة؟

قد تكون حرية المرأة في اختيار شريكها حقًا أصيلًا، لكن الحرية في المعاشرة دون وعي بالعواقب هي فوضى أخلاقية مغلفة باللذة المؤقتة.

المراجع

1. SVT Dokumentär, "Swingers i Sverige".
https://www.svtplay.se/video/KZm72a9/swingersklubben?utm_source=chatgpt.com

https://www.svtplay.se/video/KDLPL9q/sextemplet

2. FSexuality and health among young people in Sweden, 2017.
https://www.folkhalsomyndigheten.se/publikationer-och-material/publikationsarkiv/s/sexuality-and-health-among-young-people-in-sweden/?utm_source=chatgpt.com

3. SVT Dokumentär, samma källa som [1].

4. Fisher, H. (2005). Why We Love: The Nature and Chemistry of Romantic Love. Henry Holt and Co.
https://www.amazon.com/Why-We-Love-Chemistry-Romantic/dp/0805077960

5. Statistiska centralbyrån (SCB), Demografisk statistik 2023.
https://www.statistikdatabasen.scb.se/pxweb/en/ssd/START__BE__BE0101__BE0101S/HushallT06/table/tableViewLayout1/

6. Out-of-Wedlock Births Rise Worldwide
https://archive-yaleglobal.yale.edu/content/out-wedlock-births-rise-worldwide

7. Leisure time physical activity and depressive symptoms among adolescents in Sweden
https://bmcpublichealth.biomedcentral.com/articles/10.1186/s12889-020-09022-8

8. European Centre for Disease Prevention and Control (ECDC), "Annual epidemiological report for 2022".
https://www.ecdc.europa.eu/en/publications-data/gonorrhoea-annual-epidemiological-report-2022?utm_source=chatgpt.com

9. Sexually transmitted infections (STIs), 2024.
https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/sexually-transmitted-infections-(stis)

انتهى