صنعاء نيوز/ بقلم/ احمد الشاوش -


السبت, 26-إبريل-2025


جمهورية مدهش ، هي الجمهورية الوحيدة التي يتجسد فيها النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية وراحة البال ، فليست مجرد مقهى لاحتساء القهوة والثرثرة وضياع الوقت ، وانما نافذه ثقافية ومحطة فكرية وشارع سياسي واجتماعي تذوب فيه المناصب والاعراق ، والانساب والالقاب ، والنُخب والاحزاب ، لما لهذا المكان التاريخي من شهرة وجاذبية عجيبة في قلوب رواده البسطاء والظرفاء.

جمهورية مدهش عبادل ، وفي رواية "المقهى العدني" ، استراحة لطيفة لكل ألوان الطيف اليمني ، ورغم مساحته المحدودة الا انه ساحة يجتمع فيها المثقفين والمفكرين والادباء والعسكريين والتربويين والسياسيين والحزبيين ورجال الصحافة والاعلام والرياضيين للترويح عن النفس وتبادل الافكار والنقاش والنكته وتفريغ الشحنات السلبية بأسلوب ساخر وأكثر لطافة بعد ان تعطلت الحياة والمؤسسات وسُبل العيش..

مكان قديم ومعلم جميل يجتمع فيه البسطاء والفقراء ..والمجانين والعُقلاء .. والعمال والعاطلين في الصباح والظهيرة والمساء لتناول الافطار والعشاء أو كأس من الشاي والخبز وغير ذلك .

انه شارع المطاعم الذي تفوح منه رائحة أشهى الطبخات والمأكولات والخبز والرشوش والملوح والمشروبات التي يسيل لها اللعاب وبهارات الشاي العدني العجيبة التي يقدمها مدهش ووهيب ووليد ومستور وغيره من مدرسة مدهش عبادل التي يشار لها بالبنان.

مطعم البوري .. .. مطعم النمر .. مطعم احمد هاشم.. المقهى العدني وغيره من المقاهي معالم بارزة تعج بالحياة والحركة والاصوات العجيبة والضحكات الغريبة والابتسامات العريضة والتعليقات الساخرة والخلافات الطارئة التي سرعان ماتذوب.

والمشاهد يرى بأم عينيه ان شارع المطاعم وتلك القهاوي القديمة والجديدة أشبه باستديو للتحليل السياسي والرياضي والرأي والرأي الاخر ، إن لم يكن المكان أصبح أشبه بمصحة للعلاج النفسي في زمن الاضطراب والفقر والجوع والبطالة وانقطاع الرواتب ، لاسيما عند الالتقاء بالاصدقاء والاحباب والتعرف على شخصيات من الزمن الجميل وكافة الطيف السياسي والاجتماعي التي تخرجك من حالات الكبت والانطواء والصدمات النفسية وجحيم الازمات ، ويكفي رواد تلك الاماكن المتواضعة والساحرة الجلوس على كرسي وارتشاف كأس من الشاي وحالة تأمل ونظرة واستماع لحديث الناس.

يظل شارع المطاعم في منطقة التحرير بصنعاء من أجمل الاماكن الشعبية الساحرة ، تلك المطاعم والبوافي والكافتيريات والمحلات التي تُقدم ألذ الاكلات الشعبية من الكبده الى الفول والفاصوليا والبيض العدني والقلابة والعصيد والدجاج واللحم والمرق والسندوتشات وخبز الطاوه والخمير والروتي والكدم والقفوع والكيك ومختلف انواع الشاي والعصيرات..

بل ان هذه الاماكن أصبحت معالم بارزة يأتيها الناس من كل مكان من اجل شرب قلص شاي مع الحليب أو قلص بُن أو شاي احمر .. قرفه .. زنجبيل ..يانسون .. لراحة البال وتضييع الوقت بدلاً من النوم والفراغ القاتل.

جمهورية مدهش عبادل .. هي جمهورية العُقلاء والمجانين ، والحكماء والحمقى ، والاذكياء والاغبياء ، والعباقرة والمقفلين ، والفنانين والمثقفين، والشياطين والملائكة ، والمخبرين والامناء ، والشرفاء والمنافقين ، والموظفين والبطالة ، والاصحاء والمداليز في زمن العجائب والغرائب .

بوافي ومطاعم أشبه بالعيادات النفسية التي تحتضن كل ابناء اليمن وتقدم جرعة من المشروبات والمعنويات والنقاشات التي تُفكك العُقد وتميع التجلط .. انها محطة للانس والجن في زمن تعطيل مؤسسات الدولة وارتفاع معدلات البطالة وانين الجوعى .

وأغرب ما في تلك اللحظات والجلسات والحوارات الساخنة والباردة والجلفة والناعمة ان تسمع رأي من هنا وكلمة من هناك وصوت عالي وصوت واطي ووشوشه وتعصب وتحليل عجيب ورجل غريب ورأي سديد وعين ترقبك وتلفون يسجلك وكامير ترصدك والدنيا مسلمة مجرد تفريغ للمعاناة والضغوط .. واشبه بالجدل البيزنطي ينتهي بنهاية كأس الشاي أو الزنجبيل ومغادرة الاحباب..

مخبرين اشكال وألوان .. ووارد علوان .. الكل يستمع الى الكل ويستفيد من الكل .. ويتجسس على الكل.. ناس تطرح كلام عقلاني وآخر متطرف وثالث في قمة الجنون ورابع يسترق السمع كالشياطين وخامس يدخل شكح أو خارج اطار التغطية والتغذية ، منتظر لوما يجي رجل كريم لسد فاقة الجوع والعطش بكأس شاي وعندالله ماااااايضيع.

الكل يعيش اللحظة والهدوء والسكينة .. على طاولة الصديق والقريب والغريب .. يبتسم .. يضحك .. يسخط .. يصيح.. ينتقد .. يعلق .. يسخر.. يشك .. يسجر بشراهه، ..يرتشف كأس شاي .. وبمجرد الجلوس على الطاولة تذوب الوحشه ويزول حاجز الخوف ويتحول الغريب الى صديق جديد في عالم العلاقات العجيبة.

وبكل سعادة تستمع الى كلمات عجيبة وفريدة باللهجة الدارجة.. واحى شاي حليب .. وعندك واحى دبل .. شاي بدون سكر .. زيادة سكر .. جيب قلصات .. قوطي .. سريع .. اقطُب .. الزباين منتظرين.. واحد خبز ملوح مع زيت الزيتون .. خبز مع العسل .. كدم .. قفوع .. أحُرك.. زحمة يادنيا زحمة .. ناس تسير وناس تجي وناس تتفرج في ملامح الآخرين وناس تائهه وآخرين منتظرين الامل والفرج أو الموت.

تسمع في شارع المطاعم المطلحات المعتادة .. واحا فول .. نفر فاصوليا ساااادة .. بيض عدني .. ملوح دبل .. واحد سنقل .. سحاوق مع الجبن يابرطي .. نفر كبده .. حاسب ياليد .. باقي عنده قرصين روتي ..نفر قلابة من حق زمان مع الثوم والبصل " اسبُكُه ياليد.

جمهورية مدهش لها زعيم هو مدهش عبادل ورئيس حكومة هو وهيب ووزير ماليه ، امين يصب المقبوض في مغل واحد ووزير مياه لتسديد الفاتورة ووزير كهرباء لتسديد الاستهلاك وحقوق انسان يعطي بعض الفقراء كأس مجاني ووزير عدل يعاير نسبة السكر والحليب والشاي والماء المقطر ..حتى صار له اسم وعنوان وخبرة وكفاءة وسمعة طيبة وشهره وجمهور كبير .. ورغم كل ذلك تسأل وهيب بن مدهش ..ماشاء الله ايش الحركة والزحمة ياوهيب يرد عليك بكل ادب واحترام وثقة .. رززززق ..الدنيا ارزاااااق..

والعجيب في الامر ان جمهورية مدهش ، أفضل من اذاعة صنعاء في خارطة برامجها اليومية حيث تفتتح فجراً بتلاوة القرآن الكريم ومن ثم اغاني فيروز وايوب طارش والسنيدار والحارثي وفيصل علوي وابو بكر والسمة والانسي وآخرين بينما اذاعة صنعاء غارقة في وادي آخررررر.

وانت في حضرة مدهش وسلطان الفن وهيب ..تستمع الى فيروز واغنية "سألتك حبيبي" ويرتد لك الروح .. وتستمع الى أغنية أحبك في الصيف .. فتذوب صبابة ..

وتستمع الى ما اجمل الصبح في ريف اليمن ، واغنية مال بال الحب يعذبني وياجانيات العناقيد للسنيدار ، واغاني الحارثي خلي جفاني بلاسبب ، والسمة امشي دلا ، وايوب طارش دق القاع دقه..ولمن كل هذا القناديل تضوي لمن ، وياورد ياكاثي وبساتين الحسيني لفيصل علوي ..

أخيراً .. جمهورية مدهش عبادل ، جمهورية مستقلة شعارها خدمة الشعب .. الزبائن .. تلتقي فيها كافة التيارات السياسية والثقافية والاجتماعية ، وتصرف مرتبات عمالها وشقاتها بانتظام ، ليس فيها انقلابات ولا ثورات ولا خطابات ولا نياشين ولا حسد ولا لف ولا دوران ولا كسل ولا خجل ، وانما كتالي وجزوات وشاي وبُن وسكر وغاز ونار وسمعة طيبة وامانة وخبره ونظافة ولطافة وحُب مع روادها وزبائنها من ابناء الشعب ،ورزقها على الله ياتيها من كل مكان .
[email protected]