صنعاء نيوز/ عمر عبد الواحد البحري -
في احيا العاصمة صنعاء حيث تتقاطع الأرصفة بأنفاس المارة، وتتنفس الشوارع زحامها اليومي، برز مشهدٌ أقلّ ما يوصف به أنه مرعب. عدسة (صنعاء نيوز) لم تخطئ، والواقعة أبعد من أن تكون مزحة أو استعراضاً عابراً: ستة مراهقين يتزاحمون على دراجة نارية واحدة، ينطلقون بها كسهام طائشة، تخترق الطرقات السريعة دون وعي أو قانون.. وتبين الكاميرا ان المراهقين طلاب بحقائبهم المدرسية وكانها تخبرنا انهم تلاميذ مدرسة خرجوا للتو من المراكز الصيفية .
في وضح النهار، وفي طريق يُفترض أن يُحترم فيه النظام، ظهرت الدراجة وكأنها شبحٌ مجنح، يحمل على ظهره مغامرين صغار، لا يفقهون من الحياة سوى نشوة الصخب والمجازفة. صرخات الفرامل المذعورة من حولهم، وصفارات السيارات المتوقفة فجأة، لم تُثنِهم عن التهور، بل زادتهم حماسةً للركض نحو الخطر.
عابرو السبيل وقفوا مشدوهين، وعيون المارّة تلاحق هذا الجنون العابر كما تلاحق الكارثة قبل وقوعها.
كيف يمكن لدراجة نارية، خُصصت لفرد أو اثنين، أن تتحول إلى وسيلة لنقل ستة أرواح يافعة؟! سؤالٌ يقفز في ذهن كل من شاهد هذا المشهد الذي أصبح حديث الناس.
الظاهرة لم تعد وليدة اللحظة، بل تتفاقم يوماً بعد يوم. الدراجات النارية باتت ملاذًا للمراهقين الباحثين عن الحرية، أو بالأحرى عن الفوضى، يهربون بها من سلطة البيت والمدرسة، ويجوبون بها الأزقة والشوارع دون لوحاتٍ أو أوراق، كأنهم أشباح لا هوية لهم.
شكاوى الأهالي تتوالى، والصور تنتشر، والمقاطع المصورة توثق ما لا يقبله منطق. لا يكاد يمر أسبوع إلا وتُسجل حادثة دامية،في حينا ببني حوات على الاقل نتيجة تهور مراهق بدراجة نارية، تزهق فيها الأرواح وتسيل فيها الدماء على الإسفلت الساخن.
وتحدث أحد سكان الحي قائلاً: نشهد يومياً سباقات في الشوارع بين هؤلاء الصبية، وكأن المدينة أصبحت مضماراً مفتوحاً. لا شرطة توقفهم، ولا عقوبات تردعهم. أصبحنا نخاف على أطفالنا من مجرد عبور الطريق.
الأدهى من ذلك أن كثيرًا من هذه الدراجات تُدار دون رخص قيادة، وتُمنح لمراهقين دون أي وعي مروري. فالبعض يقتنيها كهواية، وآخرون يتخذونها وسيلة للتمرد على النظام، حتى بات صوت دراجاتها العالية يوقظ الليل، ويزعج الحي، ويكسر سكينة الأحياء السكنية.
وفي تعليقٍ لأحد عقال حارة البطان ببيت عاطف الشيخ غالب القرش بالشأن المروري، قال: نحن نواجه تحدياً حقيقياً، فغياب الضبط القانوني، وسهولة اقتناء الدراجات، إضافة إلى قلة الوعي الأسري، كلها أسباب تقف خلف هذه الفوضى المتزايدة.
الصور التي وثقتها العدسات لا تترك مجالًا للشك. دراجة صغيرة، تعلوها أجساد ستة مراهقين، دون خوذات، دون احتياطات أمان، دون إحساس بالمسؤولية. لو انزلقت الدراجة للحظة، لحدث ما لا تُحمد عقباه. لكنها مضت، واختفت بين الزحام، تاركة وراءها غصة في قلوب من شاهدوها.
هل ننتظر الكارثة التالية؟ أم نحرك ساكنًا؟
النداء اليوم ليس للسلطات المتمثلة بشرطة المرور فقط، بل لكل بيت، لكل أب وأم، لكل مدرسة، لكل مسؤول. الظاهرة بحاجة إلى وقفة جادة، وخطة عاجلة، تبدأ بالتوعية ولا تنتهي إلا بفرض القانون.
الطرقات ليست حلبة سباق، والدراجات ليست ألعابًا في أيدي المراهقين، بل قنابل موقوتة قد تنفجر في أي لحظة. لنحمي أرواح أبنائنا، قبل أن نفقدهم على قارعة الطريق
|