صنعاء نيوز/ بقلم/ عبدالفتاح الحكيمي -
1 مايو 2025م.
هذه صفحة مجهولة ومغيبة التفاصيل من التعاون السري المشترك خلال سبعينيات القرن العشرين بين قيادة مركز الإخوان المصري وقيادة فرع اليمن لتقويض نظامي البلدين بشتى الوسائل المتاحة بعد أن ربط إخوان اليمن مصير بلدهم بصراعات الإخوان القطبيين بصورة مريضة لا تنم عن بقية عقل أو ضمير أو حق مشروع ولا مروءة.
منذ أواخر 1979م في عهد الرئيس أنور السادات وبعد إطلاق قيادات إخوان مصر المحكوم عليهم بالمؤبد تحولت بعض مناطق اليمن إلى قواعد سرية جديدة لانطلاق وتدريبات وإعداد إخوان مصر لمعاركهم وعملياتهم العسكرية القادمة ضد النظام الحاكم ألذي أخطأ الحسابات في الأفراج المجاني عن العناصر الخطرة من المعتقلات لاستمالة الجماعة ضد خصومه الناصريين و الشيوعيين.
كانوا يصلون تباعاً إلى معسكرات سرية خاصة في مناطق حجة(جبل المحابشة) و الحديدة(زبيد) وغيرها بترتيب خاص من قيادة إخوان اليمن التي تكفلت بتوفير الغطاء والحماية لهم إما ضمن بعثات التدريس والتوجيه في المعاهد الدينية(ألعلمية) والمدارس الحكومية الريفية والكليات, أو ممارسة الطب والصيدلة والتجارة والمهن الأخرى.
بعد خروج شكري مصطفى زعيم تنظيم التكفير والهجرة من السجن, وقبيل إعدامه لاحقاً عام 1978م في جريمة قتل وزير الأوقاف الشيخ الذهبي أوصى من يسميهم ب(ألمحمدان) بالهجرة إلى اليمن .. وهما محمد ومحمود أللذان وصلا إلى صنعاء بعد إعدامه بحسب وصيته إلى أتباعه : إذا قضى الله أمراً وقتلني أهل الكفر فسافرا إلى اليمن, فمن هناك سينطلق نور الإسلام.م.سر المعبد..ص255.
وفعلاً سافر المحمدان إلى اليمن كما يقول ثروت الخرباوي دون تحديد من هم بالضبط, وظلت هويتهما مجهولة لغير قيادات الإخوان إلى أن تم كشفها في هذا المقال ربما بوضوح لأول مرة.
ولا نعرف ما علاقة إخوان اليمن بإعدام شكري مصطفى ألذي دشن قرار الإفراج عنه بتوجيه أحد أتباعه بإطلاق رصاصة قاتلة على رأس وزير أوقاف السادات.
*ياسين يستقبل المهدي المنتظر*
إحتفت قيادة تنظيم اليمن بحذر شديد ب(ألمحمدان) ألمكلفان بإعادة الإسلام والخلافة من اليمن بحسب وصية المهدي المنتظر ألقتيل(شكري) وللتمويه أرسلوا لاستقبالهما في مطار صنعاء شخصين من مكتب التربية والتعليم.
ولماذا تم استقبالهم دون قيد أو شرط. ?.
والإجابة من أدبيات حسن البنا نفسه : أليمن هي الإسلام.م=256.
وفرع اليمن لا ينفذ بموجب البيعة التي أعطاها الزنداني وياسين عبدالعزيز واليدومي لمرشد الإخوان فقط, ولكن لإنها القناعة الراسخة بالفكرة ومشروعها أيضاً.
وتوالى استقبال قيادات وأعضاء جماعة التكفير والهجرة وغيرهم من الإخوان الآخرين من أواخر السبعينيات وحتى 2002م عند تطبيق قانون التعليم الموحد وشطب معاهد الإخوان الدينية(ألعلمية) من موازنة الدولة.
وحتى عام 1994م كان في اليمن نحو 2000 كادر إخواني مقيم, بعضهم مع عائلاتهم, عدا عدة آلاف سابقة منهم تنقلوا في دورات ورحلات بين مصر واليمن أكثر من عقدين.
ويصعب على الباحث فهم النشاط السري العابر للحدود وتكفل قيادة إخوان اليمن بتوفير أرضية الإنطلاق والحماية لعناصر الإخوان المصريين إلا إذا كان ذلك ضمن الإتفاق مع سلطة الدولة الأم وهو المستحيل أو أنهم كانوا جزءاً مؤثراً داخل الدولة واستغلوا سلطاتهم لصالح أجندة تخريبية خاصة للإضرار بمصالح دولة عربية شقيقة وتقويض الأمن والإستقرار فيها وهذا هو الصحيح ومنبع الخطر.
*من هما محمد ومحمود*
ويصعب الربط كذلك بين كثير من التفاصيل والأسماء والرموز التي تشكل صلب مخطط إخوان اليمن ومصر حول هذه المرحلة لتقويض النظامين في مصر وصنعاء على حد سواء على الرغم أن إخوان اليمن جزء من نظام الرئيس صالح أظهر ولاءه المخادع له كثيراً في تلك الفترة وتحالف معه حتى العظم في حرب المناطق الوسطى 1979م وهم يطعنونه في الظهر بتشكيل معسكرات سرية بطرق ملتوية لا تترك ضد المخططين والمنفذين أي دليل قوي إستناداً إلى إمكانية تضليل الطرف الآخر(السلطة) عبر الثقة العمياء التي أولتها إخوان اليمن واستحواذهم على قطاعات أمنية وعسكرية مهمة داخل مؤسسات الدولة سهلت وتغاضت عن أي نشاط واشتباه.
لا توجد تفاصيل جاهزة مرتبة لما حدث لكنها معلومات متناثرة هنا وهناك أمكن فك شفرتها والربط بين وقائعها وفهم دلالاتها وأبعادها بعد جهد, بعضها متفرقات مفككة من مذكرات واعترافات بعض قيادات الإخوان المنشقين أمكن ترتيبها منطقيا, وبعضها الآخر استقصائي تحليلي من مقارنة عشرات ومئات المصادر والأدلة المرجعية المتناثرة والبحث عن حامل يجمعها.
حتى تسمية (ألمحمدان) التي وردت في كتاب ثروت الخرباوي لم يقدم الرجل أكثر منها, وبالبحث والتقصي والمقارنات والصبر والإستنتاجات نكتشف إنهما من أخطر عناصر المرحلة القطبية ألذين عملوا تنظيمياً وعسكرياً بطريقة سرية ومتخفية في اليمن ولغير المهمات الظاهرة في كشوفات وزارة التربية والتعليم وجامعة صنعاء أو أوراق ووثائق السفر والجوازات.
أما اسم محمد الأول بعد الإمعان في مذكرات أخرى للقيادي الإخواني المنشق سامح عيد(تجربتي في سراديب الإخوان) فهو المهندس الكيميائي محمد أحمد البحيري فني صناعة المتفجرات والعبوات ورفيق سيد قطب في قضية التنظيم السري المسلح, تولى قيادة فرع إخوان مصر في اليمن بعد إفراج الرئيس أنور السادات عنه في إطار ترتيبات جديدة لجأ إليها تنظيم الإخوان بعد خروج رموزهم المهمة من المعتقلات, وبحسب خطة قديمة أعد لها شكري مصطفى ومحمد البحيري ومحمود عزت في السجن أيام محكوميتهم بحسب فحوى سياقات مذكرات ثروت الخرباوي.
وقد أشرف البحيري على معسكرات التدريب والتمويل في حجة والحديدة ألتي تلقى فيها سامح عيد نفسه أكثر من عامين بعض الدورات الثقافية التأهيلية والتدريبات العسكرية البدنية الشاقة(دون سلاح) بين الأعوام 93- 1995م.
ومهمة البحيري الحقيقية هي شغل منصب مراقب الإخوان المصريين فرع/أليمن.
وقد مارس الرجل مهامه التنظيمية والعسكرية بغطاء ألمشرف المسؤول عن شئؤن المدرسين والعاملين المصريين في اليمن وبتواطؤ مراقب إخوان اليمن ياسين عبدالعزيز والتنسيق مع المسؤول العسكري الأول في التنظيم محمد اليدومي مسؤول غرفة التحقيقات في الجهاز المركزي للأمن الوطني الرسمي للدولة أيضاً ألذي وفر مع آخرين في التربية والداخلية وسائل تمويه البيانات والأوراق الشخصية وتكييفها مع المهمات والصفات الإحتيالية مثل, مدرس, موجه تربوي, موجهة,طبيب,صيدلي, دكتور-مدرس جامعي وغيرها.
أما محمد الثاني فهو محمود عزت ألمشرف المباشر عن إخوان فرع اليمن وأدخله اليدومي بصفة مدرس مختبرات بجامعة صنعاء 1981م , وأشرف على تأسيس اتحاد طلاب الجامعة الإخواني الهوية, وأصبح لاحقاً المرشد العام في مصر, وهرب إلى اليمن مجدداً عام 2013م بعد سقوط حكم محمد مرسي, ليهرب من صنعاء مجدداً في سبتمبر 2014م بعد استيلاء الحوثيين عليها, وبعد القبض عليه في مصر 2020 م يقضي الآن عدة عقوبات سجن مؤبد وأحكام إعدام في قضايا جسيمة آخرها تجهيز وتفجير السيارات المفخخة في القاهرة بعد الإطاحة بمحمد مرسي.
*أهداف معسكرات الإخوان السرية*
كان الهدف الرئيسي من إقامة الدورات العسكرية والثقافية تأهيل كوادر الوسط المرشحين للقيادة وإجبارهم على الخضوع والطاعة العمياء والولاء غير المشروط دون نقاش للقيادات الأعلى وفق برنامج صارم يتلقون فيه الحصص والمحاضرات والتطبيقات العملية في بيئة جغرافية وعرة التضاريس لا تتوفر لها مقومات الحياة بسهولة واعتياد هؤلاء على الخشونة والصبر والقدرة على تحمل المشاق في تنفيذ المهام.
ومن جهة أخرى تولي هؤلاء بعد عودتهم إلى مصر تدريب خلايا وعناصر جديدة لتقوم لاحقاً بما يطلب منها.
ويصف سامح عيد مؤلف كتاب(تجربتي في سراديب الإخوان) مشاهد بعض الدروس العملية التي كانوا يتلقونها بعد نزولهم من جبل المحابشة إلى معسكر زبيد بالحديدة وكيف طلب منهم المدرب الدخول في كهف جبل طوله كيلو متر مغمور بمياه الأمطار ومسكون بالثعابين والحيات والعقارب ومظلم لا يستطيع الشخص الرؤية بداخله, وكيف يأمرونهم بالشرب من المستنقعات والأوحال وماء البحر المالح بعد أداء تمارين جسدية شاقة مرهقة.
وعندما سأل المؤلف عن جدوى هذه التمارين الشاقة مع تبني جماعة الإخوان للتغيير والحل السلمي حكى له مراقب الفرع محمد البحيري قصة الأخ الذي فجر القطار بالإنجليز ثم( يقفز المنفذ من القطار من غير ما يصاب بفضل التدريبات, فقلت له معنى كده تبقوا الصاعقة).تجربتي في سراديب الإخوان) سامح عيد ص 72.. وهي قصة خرافية يضحكون بها على السذج.
*مقاولات وإتجار بالبشر*
وتولت معسكرات البحيري في اليمن(حجة والحديدة) لاحقاً إستقبال وتسجيل وتدريب شبان الإخوان من جماعة عبدالله عزام وغيرهم من الراغبين بالقتال ضد السوفييت في أفغانستان, وجنت قيادات إخوان مصر واليمن جراء ذلك أموالاً طائلة بمليارات الدولارات, ومارسوا ما يشبه عملية الإتجار بالبشر وتجارة الحروب.
وقد شكا عدد من ضحايا تلك الصفقات اليمنيين العائدين من أفغانستان أنهم كانوا يتقاضون مقابل التحاقهم في صفوف المقاتلين أقل بكثير مما هو مقرر لهم في العقود التي وقعتها قيادات إخوان اليمن مع الممولين السعوديين والمشرفين الأمريكان.
وفوق ذلك حين كان مستوى المعيشة في اليمن يضاهي بلدان الخليج العربي والريال في قمة المجد كان فرع الإخوان المصري في صنعاء أيضاً يضخ ملايين الدولارات سنوياً إلى خزينة المركز الأم في مصر, تستقطع من مرتبات المصريين العاملين في اليمن طوال 22 عاماً بمن فيهم غير المنتمين للإخوان وهم بالآلاف.
أما المنتمون للإخوان والتحقوا بمعسكرات ودورات التدريب فكان عدد المقيمين الثابتين منهم حتى عام 1994م 2000 شخص, بعضهم مع عائلاتهم, ومئات آخرين من القادمين المؤقتين سنوياً في دورات عسكرية وتنظيمية خاصة, بلغوا بالآلاف طوال عقدين ونيف.
*بعيداً عن الشبهات*
وأبقى إخوان اليمن علاقتهم الرئيسية بمؤامرة إخوان مصر بعيداً عن الشبهات, وأداروا كل شيء تحت الغطاء الرسمي للدولة ووزارة التربية والتعليم اليمنية الخاضعة لهم, ونفوذهم داخل الجهاز المركزي للأمن الوطني, وأشرفوا من موقعهم الحكومي على إبرام وتوقيع عقود العمل في إطار(بعثات التعليم المصرية الأخوية الشقيقة).
كان المنظوون في معسكرات الإخوان المصريين باليمن يتعرضون لغسيل دماغ تربوي عنيف ضمن اختبارات بيعة وولاء الأعضاء المعقودة لطواغيت التنظيم, يجردون الأفراد من حق الإختيار وتدبير أمور حياتهم الشخصية لصالح الطاعة المطلقة والعمياء للقيادة بالإكراه وخارج قسم بيعة الإخوان المراوغ.
وتلجأ القيادات إلى أساليب قهر وضغط شيطانيه على من لا تثق بولائه أو مخالفته تصل إلى التفريق بين المرء وزوجه بدون عمل سحر كما يفعل السحرة.
وقد طلبوا من أحد قيادات الوسط في مصر تطليق زوجته مراعاة لقدسية وحرمة رموز القيادة, لإنها انتقدت بعض آراء المرشد مصطفى مشهور في جلسة نسوية لإخوانيات.م.( ثروت ألخرباوي).
وعندما عرفوا بمعارضة القيادي الإداري الشهير بمكتب الجماعة ألمهندس أحمد العطار استدعوه وذكروه (بأنه بتخليك عن دعوة ربنا ونصرة الإسلام وغاية رسالة النبي محمد بعودة الخلافة سيعاقبك الله في الآخرة) وأضافوا وسنعاقبك نحن في الدنيا وذكروه : خللي بالك زوجتك وأولادك عندنا..(يقصد بأن زوجته تنتمي للجماعة وتأتمر بأوامرها) سامح عيد.
وبدأوا مع الرجل مرحلة العزل الإجتماعي وتشويه السمعة بالدعاية والإتهامات بين الأعضاء وتحجيم الصلاحيات.
سأل سامح عيد ألمشرفين على دورته في اليمن : هل صحيح علشان الواحد يسافر أو يفتح مشروع أو يتجوز ضروري يستأذن, قالوا طبعاً.. فقلت الكلام هل هذا موجود في اللائحة, قالوا نعم) وطلب منهم تقديم طلب باسمه إلى المرشد حينها مصطفى مشهور بتعديل بند الاستئذان).. ثم وجد ملاحظته تلك في تقرير سري موجه ضمن معلومات استخبارية أخرى ضمنها أنه لا يصلي الظهر في جماعة وأنه انتقد اخطاء حسن البنا السابقة في لقاءآت مع زملائه وغيرها.
ولإن كتابة التقارير عن الآخرين عبادة في عرف الإخوان طاردتهم العادة نفسها إلى اليمن.
عندما اعترض سامح عيد مرة أخرى في صنعاء بمواجهة مراقب عام فرع اليمن محمد أحمد البحيري على بند استئذان القيادة في الزواج والسفر قابله الرجل بفتور : قال لي ما هو أنت لو بتشور إخوانك في الزواج كنا عملنا حسابك).ص 60
وكلما أصبح العضو المبايع والعامل كالميت بين يدي من يغسله حظي بالمزايا والفرص المالية والتجارية وتراخيص الاستثمارات وحتى تذاكر شعيرة الحج والعمرة المجانية التي توزعها القيادة للأكثر قرباً وولاء شخصي لها.
قال سامح عيد إن إخوان مصر فرع اليمن حاولوا الإندماج مع فرع اليمن ألذي تذرع باختلاف الثقافتين, لكنها من وجهة نظري وما لم يخطر على باب هذا الرجل, فوراء ذلك دوافع الحسابات الإستخبارية لإبعاد الشبهات عن طبيعة المخطط والدور التآمري الذي تقوم به قيادات إخوان اليمن ممثلة بياسين عبدالعزيز ومحمد اليدومي والآنسي والقميري ضد مصر ومصالح اليمن العليا.. وتمكين جماعات عنف إرهابية متمرسة من مواصلة مشاريعها التدميرية والإنتقامية المجنونة, مصحوبة بهذاءآت عقلية واضحة صدقوها لزعيم جماعة التكفير والهجرة شكري مصطفى ألذي عانى من مرض أوهام جنون العظمة بعد خروجه من السجن وإعلانه أنه هو المهدي المنتظر..
وعندما قاطعه أحدهم حول عدم مطابقة صفاته للمهدي إسترسل شكري : سأكون أنا ولا أحد غيري, وسنذهب إلى اليمن, فعنها تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم/ ولن يتم إعلان ظهور المهدي إلا من اليمن).م.ألخرباوي.
كان ينبغي نقل شكري مصطفى إلى أقرب مصحة أمراض عقلية للعلاج لكنه وجد من التف حوله وانتقلت حالته النفسية والعقلية بالعدوى إلى قيادات إخوان اليمن ألذين نفذوا وصيته بعد موته في انسياق ذهني ونفسي غريب يعكس مدى تأثير حالة الهوس الديني على الساذجين والحمقى.
**
لعل أكبر خطر على المدى المنظور والبعيد على اليمن والمنطقة هو الدلالة الرمزية الدينية المقدسة في ثقافة ومعتقدات الإخوان المصريين التي يساوون فيها اليمن بأرض الميعاد في الفكر الصهيوني واستتباع ذلك بإقامة مشروع دولتهم فيها بأي وسيلة طال الزمن أو قصر.
ويلاحظ بالوقائع والأدلة ترسخ القناعات والتوجهات أكثر حول ذلك بعد تأسيس جماعة التكفير والهجرة التي اعتبر مؤسسها شكري مصطفى نفسه(ألمهدي المنتظر) وطالب الآخرين مبايعته على ذلك ومنهم محمد أحمد البحيري ومحمود عزت الذين هاجروا إلى اليمن بعد وفاته حسب وصيته واستقبلهم بحفاوة كبيرة ياسين عبدالعزيز ومحمد اليدومي وعبدالوهاب الآنسي وأحمد القميري وغيرهم ووفروا لهم الملاذات الآمنة والأرض والمعسكرات وكل وإمكانيات نجاح المشروع.
*هكذا اخترقوا اليمن*
شكلت اليمن لأسباب عديدة مركز رهان الإخوان التاريخي لإقامة أوهام الخلافة على منهج الدم والخرافة منذ عهد حسن البنا وعلاقته برجال الإمام يحي حميد الدين ألذي خدعه الإخوان وتآمروا عليه ضمن انقلاب 1948م واعتبروه أول محاولة تمكين للبناء عليها لاحقاً.
لم تكن علاقة إخوان اليمن بمركز الإخوان المصري الأم فكرية عقائدية وحسب بل عضوية وعملية في الميدان نفسه لا تصمد مع أدلتها ووقائعها محاولة الإنكار كلما تعرض التنظيم لمأزق هنا أو هناك .. والإنكار نفسه دليل وعي بجسامة وخطورة ما يقومون به على الأرض, وعدم مشروعيته الأخلاقية والدينية.
يقول أحد قيادات الإخوان التائبين الذين سجنوا مع شكري مصطفى إن اليمن عند حسن البنا هي الإسلام.م.سر المعبد -ص 256
ولطالما داعبت اليمن مخيلة المؤسس نفسه حسن البنا منذ بداية علاقته ب( محمد زبارة) أمير قصر الإمام 1936م الذي استضافه الإخوان بدارهم في الإسماعيلية وأخذت تجربتهم بتلابيبه, ثم علاقة البنا بسيف الإسلام أحمد نفسه الذي أخذ اسم ابنه منه( أحمد سيف الإسلام حسن البنا) إمعاناً في مداهنة عائلة إمام اليمن والتقرب منها بشتى الحيل الماكرة, عدا العلاقات التجارية عبر شركة تصدير سيارات أشرف عليها الفضيل الورتلاني, حتى أن الإمام يحي اعتمد على حسن البنا في انتداب مترجم إلى فعالية دولية عن اليمن, وطلب منه زبارة الإشراف على التعليم في اليمن لولا اعتراض وزارة التعليم المصرية.
كان حسن البنا يقول لأتباعه من الإخوان : " إن نجاح الإخوان المسلمين سيكون من هذا الصقع المبارك لإن أهلها مشهود لهم بالإيمان والحكمة)) م.سر المعبد - ص 225.
كان لليمن مكانة كبيرة ورمزية خاصة مقدسة عند قيادات الإخوان المسلمين ففيها غرسوا تجربتهم الإنقلابية الأولى في فبراير 1948م بالتخطيط والمشاركة في اغتيال الإمام يحي وتنصيب إمام شوروي جديد لمدة شهرين هو عبدالله الوزير, واندفع رموز المعارضة اليمنية الأوائل في طلب عون الإخوان.
يقول الخرباوي نقلا عن أحمد عادل كمال أحد كبار رجال النظام الخاص أيام حسن البنا? : بل إن مصطفى مشهور بنفسه أحب اليمن من حب شكري مصطفى لها وسافر إليها كثيراً, وهل أزيدك من الشعر بيتاً ?
كانت اليمن حلما لكل من فكر في إقامة دولة الإسلام, ولحسن البنا قصة حب وعشق مع اليمن.
قلت له( أحمد عادل) وهل كان الحاج مصطفى مشهور متاثراً بشكري مصطفى, وما علاقة الشهيد البنا بهذا الأمر.
قال : أليمن عندهم هي الإسلام.م.سر المعبد - ط 1 - ص 256.
*تكفير الصحابة*
** بعد خروج شكري مصطفى من السجن أكد أنه هو المهدي المنتظر وسوف يذهب إلى اليمن لإقامة العدل ودولة الخلافة, وعندما قاطعه أحدهم حول عدم مطابقة صفاته للمهدي إسترسل شكري: سأكون أنا ولا أحد غيري, وسنذهب إلى اليمن, فعنها تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال إن أهلها ألين قلوباً وأرق أفئدة والإيمان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان, ولن يتم إعلان ظهور المهدي إلا من اليمن.))
وعندما سأله محدثة هل تظن أن المهدي المنتظر سيكون إما"محمد" أو محمود" قال شكري مصطفى : أنا المهدي ولا مهدي غيري, أنا المنتظر, وقد عاهدت كل أحبابي على السفر إلى اليمن.
أضاف شكري : أما أحبابي فهم في السجون لم يعف عنهم السادات بعد, وسيسافرون بعد خروجهم من السجن إلى اليمن وفاء للعهود التي أخذتها عليهم).م.نفسه ص- 317.
ويلخص شكري مصطفى في الفقرة التالية منهجه التكفيري المأخوذ من فكر سيد قطب نفسه في كتاب معالم في الطريق, في تكفير العالم وحتى صحابة رسول الله بالإجمال بعد موته, وسوف يستعيد الإسلام وحكم الخلافة من اليمن كما ورد في كتاب(سر المعبد - ألأسرار الخفية للإخوان المسلمين) لثروت الخرباوي القيادي السابق في التنظيم.
يسأله محاوره(خالد الزعفراني) الذي انسحب من المجموعة بعد ما رأى من شذوذ أمير الجماعة .. ثم ماذا ?
يقول شكري مصطفى عن عودة الإسلام من اليمن : سيعود الإسلام إلى الدنيا بأسرها, سيعود بعد أن غاب عن البشرية بعد انتهاء الخلافة الراشدة, كل الدنيا كانت تسير في طريق الكفر, حتى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كفروا بعد انتهاء الخلافة وارتدوا عن الإسلام, وأنا الذي سأعلن عودة الإسلام من اليمن وسأملأ الدنيا عدلا, أنا شكري مصطفى ولا مهدي غيري.م.نفسه - ص - 318. ط1 2012 م.
ثم يقول شكري (ألمهدي المنتظر) لشخصين سريين من أتباعه إسمهما محمد, ومحمود : إذا قضى الله أمراً وقتلني أهل الكفر فسافرا إلى اليمن, فمن هناك سينطلق نور الإسلام) م. نفسه ص - 255.
وفي منتصف عام 1977م مع هجرته لحماية دعوته السرية من المجتمع الجاهلي الكافر أوصى شكري أصحابه أن يخفوا إسلامهم كما فعل الصحابة بداية دعوة النبوة, وقال لهم : إذا ضيق علينا فهاجروا إلى اليمن, فإن لم تستطيعوا فإلى السعودية أو إلى أي دولة تصلح لإقامة دولة الإسلام, لا يقوم الإسلام إلا بالهجرة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم, ثم أضمر شكري في نفسه شراً, فرأى أن يضع بصمة لدولته.).م.سر المعبد- ط1 - ص 291.
فكان تدشين هجرة شكري مصطفى استباحة دم وزير الأوقاف الشيخ الذهبي بإطلاق أحد أتباعه رصاصة على رأسه.. حوكم شكري وابن أخيه والقاتل وآخرون بالإعدام.
تضمن قسم البيعة لزعيم التكفير والهجرة شكري مصطفى التأكيد على الهجرة إلى اليمن لما مثله هذا البلد من رمزية مقدسة لتنظيم الإخوان من أيام حسن البنا نفسه.. ونص قسم البيعة هو( إن الله ربنا ومحمد نبينا والقرآن إمامنا, ومن كان معنا كنا معه ومن كان علينا كنا عليه..إلى أن يقول : وأعاهد الله أن أهاجر إلى اليمن إذا طلب الأمير مني ذلك أو إلى أي أرض أخرى أو إذا حيل بيني وبين الأميرعلى أن أظل على جهادي في سبيل إقامة الإسلام, وأنا في أرض اليمن وأقسم بالله العظيم على ذلك وأبايع عليه)"سر المعبد ص332-333.
*تحريف السنة النبوية*
فاليمن إذن طوال 97 عاماً هي محور مشروع خلافة الإخوان وليس أي بلد أو قطر آخر بما فيها مصر, وهي تسري مجرى الدم في شرايين قيادات إخوان مصر إلى درجة الهستيريا, تستمد أهميتها من تفسيرهم الخاص للنص الديني في غير سياقه الخاص ببيعة أهل اليمن للرسول الكريم على الولاء والطاعة, وتحويل حديث(جاءكم أهل اليمن) إلى وسيلة ابتزاز سياسي من إخوان مصر وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى ياسين عبدالعزيز ومحمد اليدومي وعبدالوهاب الآنسي بتسليم اليمن للفارين من مصر في قضايا تخريب جنائية جسيمة.
وعندما يتحرش حسن البنا بالقول : أليمن هي الإسلام) يصعب بعدها تفريطهم بهذا البلد أو التنازل عن رهان الإخوان عليها.
ولابد من التيقظ والإتعاض من ما حدث في معسكرات حجة والحديدة أواخر السبعينيات, وحتى فتح ملفات جنائية لتلك المرحلة الخفية القاتمة بما أفضت إليه لاحقاً من مخاطر على أمن اليمن والمنطقة والتمادي بتكرار السيناريو السابق نفسه عام 2013م بالتورط في إيواء قيادات إخوان مصر من جديد مع مجاميع من أتباعهم بعد ارتكابهم جرائم مروعة في مصر لا يزالون يحاكمون عليها إلى اليوم.
*إخوان اليمن والمهدي*
نستغرب كيف أعطت قيادات إخوان اليمن بيعة ولاء وطاعة طوال 60 عاماً للذين ثبت إصابتهم بلوثات عقلية حقيقية جسيمة جراء تجارب السجون والمعتقلات التي بنوا على أساسها مشاريعهم الإنتقامية وأوغلوا في استحلال الدماء والخراب.
وحتى قبل إقامة دولة الخلافة يظهر من بينهم أكثر من مهدي وخليفة الله في الأرض كتعبير عن حالة هوس ديني إرتبط بالطموح الشخصي للإستيلاء على السلطة وليس الدعوة إلى الله.
ذلك دليل على خلل التربية والتنشئة الفردية داخل تنظيم الإخوان وليس بسبب مزاعم ما تعرضوا له في السجون.
قد يكون بعضهم تعرض لانتزاع اعترافات بطريقة قاسية في البداية بحسب دوره الجنائي, لكننا لا نفهم كيف تم تشكيل تنظيم التكفير والهجرة وغيره داخل السجن نفسه وتحديد أهدافه وخططه العسكرية القادمة مع ما يقال عن زنازن انفرادية موحشة..
وكيف أعطى محمد البحيري ومحمود عزت وغيرهم ألعهد لشكري مصطفى على الهجرة إلى اليمن داخل السجن قبل سبع سنوات وظلوا على القسم دون مراجعة صوابية ومشروعية الفعل الإجرامي اللاحق.
بعض الإجابات فقط تقول يتم حشو أدمغة الشبان والمنتسبين الجدد من أول لحظة في المحاضرات بأن جماعة الإخوان المسلمين هي التي إختارها الله دون غيرها لمهام إقامة دين الأمة وإكمال رسالة النبوة التي بدأها النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأكملها حسن البنا لإقامة الخلافة.
إن المجتمع الإسلامي كله جاهلي بما فيهم الصحابة والتابعين بعد زوال دولة الخلافة الراشدة حتى عهد علي بن أبي طالب.
ولعل أي جماعة تمييز عنصري تقوم على تزكية نفسها وأعمالها من البداية لا ولن تقبل النصح أو التصحيح والتقويم في النهاية.. ولذلك أصرت قيادات الجماعة أكثر على شرعية نهجها وعنفها أكثر ومواصلته حتى وهي في السجون بدلاً من المراجعة.
عندما يقال بأن تنظيم الإخوان يدعوا إلى الله وأن المتطرفين بداخله على عدد الأصابع نتساءل لماذا هؤلاء الذين على عدد أصابع اليد هم الذين يديرون شئون التنظيم ويحددون أهدافه القريبة والبعيدة ويخضع الدعاة لهم بكامل الولاء والطاعة..?
والمسألة تبادل أدوار وتواطؤ الجميع على الإثم والعدوان لتنفيذ سياسات وأفكار شاذة لا تستقيم مع ميزان الحق والمشروعية.
قيادات إخوان اليمن ملكيون أكثر من ملك.. يتمتعون بسذاجة يعتقدون إنها ترفع قدرهم, ويمكن الضحك عليهم بحديث(أهل اليمن هم أرق قلوبا وألين أفئدة) ألذي لا ينطبق عليهم فيسلمون لجماعة شكري مصطفى ومحمود عزت و البحيري الجمل بما حمل ما دام الرسول إمتدح أهل اليمن.!!
عندما تساءل البعض في اليمن عن سر بقاء قيادات الإخوان الديناصورية التي تطالب بتغيير غيرها من القادة والرؤساء والحكومات كل هذه العقود لم يخطر على الذهن طبيعة تربية الأعضاء على الطاعة العمياء التي حولت هؤلاء إلى أصنام وأنهم مقدسون في وعيهم, ويقصدون بالتغيير غير الذين زكاهم الله لإقامة الدين والخلافة.
أما تغيير طبيعة النهج وسلوك القيادات الفردي فهو أصعب ومستحيل بكثير لإن الله لم يزكيهم بحمل الرسالة وحدها فقط بل الطامة الكبرى أنهم في كل ما فعلوه يعرفون مصلحة الأمة والمجتمع والفرد أكثر منهم.. وهذه صفة لا تتوفر إلا في أرحم الراحمين فقط.
والسبب المشترك والظاهر في تجربتي إخوان مصر واليمن وعدم زحزحة الإنحرافات الفكرية والعملية أو تصحيحها هو خضوعهما لقيادة تيار بوليسي عسكري قمعي واحد متحكم بإرادة شئون الأفراد وسياسات التنظيم مثل أي ديكتاتورية حكم مستبدة وجدت ضالتها في بشر مسلوبي الإرادة يستخدمونهم كأدوات بليدة فقط في تحقيق مآربهم ومواجهة الآخر. |