صنعاء نيوز/بقلم: مهدي علي أكبر -
من يراقب زيارات السيد عمار الحكيم إلى المحافظات العراقية، يلاحظ أنها كثيرًا ما تتعرض للنقد بعد كل جولة ناجحة، لا لخلل في مضمونها أو أهدافها، بل لحجم التأثير الذي تحققه. فثمة من يتمنى امتلاك الكاريزما التي يتحلى بها الحكيم، ويغبطه على مقبوليته الواسعة بين مختلف شرائح المجتمع العراقي، وهي مقبولية لا تنبع من الخطاب فقط، بل من إرث عائلي ووطني عميق.
استقبال السيد الحكيم في المحافظات لا يخلو من رمزية قوية، حيث يستحضر المستقبلون ذكرى زعيم الطائفة، المرجع السيد محسن الحكيم (قدّس)، ودوره التاريخي في الدفاع عن حقوق العراقيين جميعًا، بلا تمييز طائفي أو قومي، وهو ما يشهد له القاصي والداني.
في زيارته الأخيرة إلى محافظة صلاح الدين، وهي التي كانت في عهد النظام البائد مركز السلطة الحديدية لعائلة صدام، حمل السيد الحكيم رسالته الثابتة: "نحن شعب واحد، رغم تنوع قومياته ومذاهبه"، مؤكدًا أن الوحدة الوطنية هي الحصن الحقيقي ضد محاولات التفتيت والانقسام.
أما محطته التالية فكانت محافظة الأنبار، التي أثارت زيارته إليها حفيظة بعض الخصوم والمنافسين، معتبرين أنها دعاية انتخابية. لكن هذا الرأي يتجاهل أن الحكيم لم يتوقف عن جولاته طوال السنوات الماضية، متنقلاً بين المحافظات من دون تمييز، مؤمنًا بأن العراق كله "مضيف واحد"، كما يصفه دومًا، وهو من وصف زيارته بأنها اجتماعية لا سياسية، فهو لا يمتلك قائمة أو حتى مرشح واحد للانتخابات.
البعض يذهب إلى تعميم مرفوض، يحمّل بعض المحافظات مسؤولية الإرهاب، متناسياً أن الإرهاب لم يكن حكراً على منطقة دون أخرى. فحتى المحافظات الجنوبية عانت من تفجيرات نفذها أبناء تلك المحافظات أنفسهم، ما يدل على أن التطرف لا دين له ولا هوية.
إن التعميم لغة العاجز، بينما الحكمة تقتضي التمييز بين الغث والسمين. فكل محافظات العراق فيها الصالح والطالح، والمتعلم والجاهل، ومن يعمل لمصلحة الوطن ومن يبحث عن مصلحته الخاصة فقط.
بناء الوطن لا يتحقق بالكراهية، بل بالاحتواء وبعث رسائل اطمئنان ونبذ موروثات الحقبة البعثية، التي كرّست الطائفية كأداة للحكم. ولعل أوضح مظاهر الوحدة هي مباراة كرة القدم، حين ترى العراقيين جميعًا، بمختلف أطيافهم، يتوحدون خلف المنتخب الوطني، في مشهد يختصر حلم الدولة الوطنية الجامعة.
الزيارات التي يجريها السيد الحكيم ليست مجرد نشاط بروتوكولي، بل فعل سياسي يحمل رسالة تصالح وطمأنينة. وما لم تكن هناك مقبولية حقيقية، لما تجرأ على دخول مناطق لطالما كانت مغلقة سياسيًا. والدليل الأوضح على الترحاب الذي يلقاه، هو إهداؤه بندقية تم الاستيلاء عليها من الإرهابيين، كانت في الماضي موجهة إلى صدور العراقيين، واليوم تُهدى له كرمز للثقة والانتماء.
إن العراق اليوم بحاجة ماسة لمثل هذه المبادرات، التي تعزز لُحمة النسيج الوطني، خصوصًا في ظل ظروف إقليمية حساسة، لا سيما ما تشهده الساحة السورية من اضطرابات. وبينما يستثمر البعض في الانقسام، يراهن السيد الحكيم على الوحدة، وهي الرهان الوحيد الرابح، والقادر على تجاوز كل العقبات...
|