صنعاء نيوز/د.سعاد سالم السبع - على الرغم من اختناق الناس بما وصل إليه الحال من تدهور الوضع الاقتصادي جراء الأزمة اليمنية؛ إلا أن هذه الأزمة قد أعادت أشياء جميلة كانت قد سُلبت من حياتنا بفعل وسائل التكنولوجيا الحديثة، حتى صارت علاقاتنا الإنسانية آلية مثلها مثل تلك الوسائل التي تتحكم فينا..
إن من أهم مميزات الأزمة التي يعيشها الشعب اليمني أنها أعادت التواصل الإنساني إلى مقدمة اهتماماتنا، وقرّبت بين الناس في آلامهم وآمالهم؛ فنجد مثلاً أن انطفاء الكهرباء أعاد الدفء العاطفي للأسرة، فقد نشط الحوار الأسري بين الآباء والأمهات مع الأبناء والبنات وبين الأزواج والزوجات بعد أن جفّت المشاعر بسبب التخشُّب الجسدي والعقلي والروحي أمام التلفاز حتى أثناء تناول الطعام..
كما قرب بين الجيران؛ حيث يضطر الناس إلى الخروج من البيت للتحدث مع الآخرين في محيطهم القريب منهم، أو لحل مشكلات الأطفال وشجاراتهم في الشوارع.. كما إن انطفاء الكهرباء قد أعاد لليل والنهار طبيعتهما التي خلقهما الله عليها، فجعل النهار معاشاً والليل سباتاً، وأصبح الجميع يحرص كل الحرص على إنجاز مهامه نهاراً، ويسارع إلى فراشه ليلاً، محققاً توصيات الدراسات العلمية التي أثبتت أن النوم ليلاً والعمل نهاراً فيه صحة جسدية وعقلية وروحية للإنسان، بعد أن كان كثير من الناس ينامون النهار ويستيقظون ليلاً.
كما أن انطفاء الكهرباء قد قلّل من انصراف الأطفال إلى مقاهي الإنترنت، وبالتالي عادت الصحة إلى عيونهم، وسلمت أخلاقهم من التأثيرات السلبية في ظل غياب الوعي بأهمية الرقابة على المواقع الإلكترونية.
كذلك فإن انطفاء الكهرباء أعاد إلى ربات البيوت حيويتهن الجسدية؛ حيث صارت ربة المنزل مضطرة إلى مضاعفة المجهود الجسدي في القيام بأعمال البيت كالكنس وغسل الملابس بيديها بعد أن صمتت الغسالات والمكانس الكهربائية.. كما تسبب انطفاء الكهرباء في عودة (المساحق) الحجرية، وصارت الأسرة تستمتع بـ(زحاوق) يدوية طازجة، رائحتها اللذيذة تستدعي أفراد الأسرة والجيران إلى الاجتماع حول طبقها!!.
جانب آخر مفيد لانقطاع الكهرباء، تمثل في ترشيد استخدام المياه، فلم تعد آلات رفع المياه إلى أسطح المنازل قادرة على العمل، وبالتالي يضطر أفراد الأسرة للحصول على حاجتهم من الماء بالغرف من خزانات المياه يدوياً، وهو عمل مجهد يرغم الغارف على ترشيد استخدام الماء حتى يتجنب متاعب نقل الماء من مكان إلى آخر.
فائدة أخرى لانقطاع الكهرباء تمثّلت في وقف التلفونات بسبب انقطاع الشحن، فارتاحت النفس والأذن والدماغ من اتصالات المتطفلين، والمزعجين، وبالتالي يتم استثمار الوقت في التواصل المباشر بين أفراد الأسرة، وقضاء المهام في أماكنها المخصصة لها.
أما اختفاء الديزل؛ فقد أقفل كثير من أفران الخبز؛ فاضطرت النساء إلى صناعة الخبز المنزلي، فعاد أفراد الأسرة اليمنية إلى الاستمتاع بالرغيف المنزلي المحترم النظيف الطازج الخالي من الشوائب والملوثات المرئية وغير المرئية!!.
وأهم ميزة قدّمها اختفاء البترول تمثّلت في اقتراب الأغنياء من الفقراء، فقد جعلت أزمة البترول مالكي السيارات الخاصة يستخدمون وسائل النقل العامة ويحتكّون بالطبقة الشعبية - لا أقول الفقيرة - بل المعدمة ليعرفوا كم اقترفوا من الآثام بسبب ابتعادهم عن هؤلاء المعدمين، فشاء الله أن يجمعهم بهم في الدنيا بمكان واحد رغماً عنهم، وصاروا معاً يتسابقون إلى ارتقاء الباصات المتهالكة بعد أن كانوا لا يطيقون حتى المرور جوارها، وأصبحوا يلتصقون بأجساد المعدمين بعد أن كانوا لا يأبهون بهذه الأجساد حتى وإن كانت تحت عجلات سياراتهم الفارهة، ووجدوا أنفسهم مضطّرين إلى سماع مشكلات الفقراء مع لقمة العيش بعد أن كانوا لا يعرفون من المشكلات سوى أمراض التخمة، وفُرضت عليهم روائح أجساد المعدمين بعد أن كانت العطور الفاخرة تسبقهم في جميع الأماكن.
كما إن اختفاء البترول قدّم خدمة لهؤلاء المترفين حين فرض عليهم السير على أقدامهم للبحث عن وسيلة مواصلات بعد أن كانت السيارات الفارهة توصلهم من غرف نومهم إلى كراسي مكاتبهم دون بذل أدنى مجهود جسدي، فاضطروا لاستخدام أقدامهم وتلقوا حرارة الشمس وأحسّوا بتباعد الطرقات التي عليهم اجتيازها سيراً على الأقدام فجرت الدماء في عروقهم وبدأت الحيوية تعود إلى أجسادهم.
لقد حققت الأزمة كثيراً من أوجه التواصل الاجتماعي، وأعادت الناس إلى التفكير بالنعم التي كانوا يتمتعون بها بلا إحساس بقيمتها، وقد وعى الشعب الدرس، وعرف قيمة الوطن، لكنه صار غير قادر على مزيد من الصبر، ولذلك فإن استمرار الأزمة لا ينبغي أن يطول، فلا يستبعد أن يخرج ملايين الصامتين عن صمتهم، وتكون خطوتهم القادمة هي الزحف نحو المتسببين في الأزمة مهما كانت قوتهم إن لم يفرجوا عن الناس، ولايزال الأمل معقوداً على خواتم رمضان أن تكون عتقاً للصائمين من النار، وعتقاً للشعب اليمني من الأزمة والأشرار...!!. |