صنعاء نيوز/ بقلم/ محمد الصالحي - عمل الغرب على تعزيز التنافس الإقليمي بين وكلائه في المنطقة العربية، فأتاح لقطر أن تلعب دوراً يُوازي ويُنازع النفوذ السعودي. ويعود هذا التوجه إلى سعي الغرب للحفاظ على توازن القوى بين حلفائه، منعاً لاحتكار النفوذ من قِبل طرف واحد، وبما يضمن بقاءه طرفاً محورياً في إدارة الصراعات. وقد اختيرت قطر تحديداً نظراً لصغر حجمها وسهولة توجيهها، إلى جانب ثروتها الضخمة ومرونتها السياسية، فضلاً عن كونها لا تستند إلى مرجعية دينية تُقيد تحالفاتها أو خياراتها الخارجية.
ومن هذا المنطلق، لم يكن تقارب قطر مع جماعة الإخوان المسلمين خروجاً عن الخط الغربي، بل جاء منسجماً مع شبكة تحالفات قديمة كانت الجماعة جزءاً منها. فتحالف "الإخوان المسلمين" مع الغرب، وخصوصاً مع ما يُعرف بـ"الدولة العميقة" في الولايات المتحدة وأوروبا، ليس وليد اللحظة، بل تعود جذوره إلى ما قبل نشوء دولة قطر نفسها، حين استُخدمت الجماعة كأداة سياسية لمواجهة المد الشيوعي والناصري في المنطقة. وفي هذا السياق، جاءت قطر كواجهة مناسبة لإعادة تشغيل هذا التحالف بصورة أكثر نعومة وفعالية إعلامية، عبر دعم الجماعة وتقديمها كتيار إسلامي معتدل قادر على احتواء الغضب الشعبي دون تهديد مصالح الغرب.
تعتمد السعودية في قوتها الإقليمية على ثقلها الاقتصادي ومكانتها الدينية، حيث تقوم شرعيتها على الفكر الـوهابي الذي ارتبط بهويتها السياسية والدينية منذ تأسيسها. ومن هذا المنطلق، حرص الغرب على تقديم قطر بوصفها دولة تملك أدوات بديلة للنفوذ، فإلى جانب ما تمتلكه من ثروة اقتصادية مستندة إلى الغاز، مُنحت قطر فرصة بناء إمبراطورية إعلامية كان أبرزها قناة الجزيرة، التي ظهرت كقوة إعلامية مؤثرة خلال حرب احتلال العراق عام 2003، حين تصدرت تغطية مجريات الحرب لحظة بلحظة، حتى وُصفت تلك الحرب بأنها أول حرب تُنقل على الهواء مباشرة.
ومن خلال هذه القناة، حصلت قطر على امتيازات إعلامية حصرية، مثل بث مقابلات مع قادة تنظيم القاعدة في أفغانستان، مما أضفى عليها صبغة إعلامية دولية وأتاح لها التواصل مع قضايا كانت حكراً على شبكات إعلامية غربية كبرى. كما مُنحت أدوار سياسية في ملفات إقليمية متداخلة، مثل وساطتها في حرب صعدة الـرابعة في اليمن، وتقاربها مع حركة حماس في فلسطين، وهي علاقات أزعجت الرياض التي تعتبر حماس فرعاً من فروع جماعة الإخوان المسلمين التي تصنّفها المملكة تنظيماً معادياً.
وفي الوقت الذي تستند فيه السعودية إلى الفكر الـوهابي كمصدر للنفوذ الديني، سعت قطر إلى بناء نفوذها العقائدي من خلال دعم جماعة الإخوان المسلمين، كاستراتيجية بديلة تخاطب بها شرائح واسعة من المجتمعات العربية، لا سيما التيارات الإسلامية ذات الطابع الشعبي، رغم أن قطر كدولة لا تستند إلى مرجعية دينية في نظامها السياسي. هذا التباين في البنية العقائدية بين البلدين جعل من قطر منصة لخطاب سياسي مختلف، يستخدم أدوات ناعمة مثل الإعلام والدعم السياسي لحركات المعارضة، مقابل اعتماد السعودية على أدوات أكثر تقليدية مثل الشرعية الدينية والعلاقات الرسمية.
وقد تجلى هذا التنافس بوضوح خلال ثورات الـربيع العربي، حيث لعبت قطر دوراً مركزياً في دعم الحركات الاحتجاجية إعلامياً وسياسياً، بينما اتخذت السعودية موقفاً حذراً وداعماً للأنظمة القائمة. ومن خلال هذا الدور، استطاعت قطر أن تعزز حضورها وتأثيرها في المجتمعات العربية، في لحظة إقليمية كانت تبحث فيها الشعوب عن بدائل للأنظمة التقليدية، ما منح الدوحة فرصة استثنائية لإعادة رسم تموضعها في الخارطة السياسية العربية. |