صنعاء نيوز/إبراهيم محمد الهمداني -
لم يكن هدف استعادة الأسرى الصهاينة، من أيدي مجاهدي الفصائل الفلسطينية، ضمن قائمة دوافع الحرب الإسرائيلية على غزة، لأن قانون (هنيبعل) المعتمد لدى حكومة الكيان الغاصب، يرسم مصيراً آخر لأسرى جيشه، حيث يُفضل الأسير المقتول، على الأسير الحي، وبذلك يحق لإسرائيل أن تقتل أسراها بيدها، لكي لا يكونوا ورقة ضغط عليها، بيد أعدائها، وهو ما نفذته عصابات الإجرام الصهيونية، حيث أقدمت على قتل كثير من أسراها، رغم محاولات المقاومة الحفاظ على حياتهم، ولولا تعذر الوصول إليهم، لما أبقى الجيش الإسرائيلي منهم أحدا، لذلك لم يكن طلب إسرائيل الهدنة، إلا ترجمة فعلية لهزيمتها العسكرية، واستسلاماً لمعادلات الميدان، التي فرضتها الفصائل الفلسطينية ومحور الإسناد، وهو ما أثبته الواقع، وترجمته بنود الاتفاقية، ومشاهد تنفيذها، التي أكدت أن يد المقاومة كانت هي العليا، على كافة المستويات والأصعدة.
لذلك لم تكن الهدنة بأي حال من الأحوال صناعة ترامبية، كون أمريكا شريكا أساسا في العدوان على غزة، كما أنها لم تكن نتاج جهود الوسطاء القطري والمصري، لأنهم يفتقرون إلى أدنى مؤهلات وشروط ذلك الدور؛ إذ لا يمكن القول إنهم يتمتعون بدرجة ما من الحياد، لأنهم – في الواقع – منحازون علنا، إلى الكيان الصهيوني قلباً وقالباً، ولا يتحركون إلَّا بموجب التوجيهات الأمريكية، كما لا يمكن القول إنهم يتمتعون بوجاهة ومكانة، تمنحهم ثقة المجتمع الدولي، في عدل قراراتهم وإنصاف أحكامهم، إضافة إلى أنهم لا يملكون سلطة تنفيذية خاصة، يستطيعون من خلالها إلزام الطرفين، بالمضي في تنفيذ الاتفاق، كما أنهم لا يحظون بدعم وإسناد أممي، بحيث تكون "منظمة الأمم المتحدة" – بمرجعيتها السياسية والسلطوية الأممية – سندا تنفيذيا مرجعيا، داعماً لجهود الوسطاء، ومشرفاً على التزام طرفي النزاع، بتنفيذ بنود الهدنة الشاملة، في صيغتها الإنسانية والأخلاقية أولاً، دون محاباة أو مجاملة، وفي حال تخلف أحد الطرفين عن ذلك، فإن للوسطاء الحق في اتخاذ الإجراء المناسب ضده، بدعم وإسناد دولي وأممي، وفي حال عجز الوسطاء، يجب على "منظمة الأمم المتحدة"، مباشرة ذلك الدور بنفسها.
كان ذلك الحلم المثالي، هو الطُعم الذي اغتيل بواسطته الوعي الجمعي، ومازالت معظم الشعوب النامية عامة، والشعوب العربية خاصة، تعلق عليه الكثير من الآمال، رغم مجانبته لمعطيات ونتائج الواقع؛ فسلطة "منظمة الأمم المتحدة"، ومركزيتها الأبوية والمرجعية، غابت في المجهول، حين كانت قضية فلسطين ومأساة غزة، هي مركز الحدث وموضوع الطرح والمناقشة، ولم تُظهر حتى بصيصا من قلقها المعتاد، لتقف على عتبات احتضان مداولات الفرقاء، متوسطة بين مع وضد، ملوحة ضد القاتل بقرار عقوبات غير ملزم، ومصدقة بكل شرعيتها وهيمنتها، على شرعية "الفيتو" الأمريكي، الرافض لقرار الهدنة والسلام، الأمر الذي يجعل مقولة "الإجماع الدولي"، مجرد شعار فارغ المحتوى، وقرارات السلام المزعومة، لا تساوي الحبر الذي كتبت به، وللوقوف على حقيقة تلك المنظمة وأعضائها دائمي العضوية، يكفي أن نعرف أنها منحت الكيان الإسرائيلي الغاصب، العضوية الكاملة فيها، بينما حجبت تلك العضوية عن دولة فلسطين المحتلة، ولعل في ذلك الكفاية لتفسير سلبيتها المفرطة، وتواطؤها الفاضح والواضح مع الكيان الإسرائيلي، وجعل "الإجماع الدولي" تحت أقدام "الفيتو" الأمريكي، ما دامت مصلحة "آباء الإمبريالية" المؤسسون، تقتضي ذلك.
ذلك هو الإطار المرجعي العام، الذي تحرك الوسطاء ضمن حدوده، مجسدين أقبح وأخزى صور التبعية والانبطاح، والارتهان الكامل، لمنظمة الأمم المتحدة الاستعمارية، وأحط وأحقر مظاهر التسليم المطلق، لرغبات المجرم المستكبر الأمريكي، شريك القاتل المتغطرس الإسرائيلي الغاصب، في حرب الإبادة والتدمير وجرائم القتل؛ لذلك لم يمتلك الوسطاء أدنى معايير الوساطة؛ لا من حيث شروط الحياد والنزاهة والاستقلال، ولا من حيث مؤهلات القوة والقدرة والإلزام، ورغم ذلك لم يستح الوسطاء، من ممارسة مختلف الضغوط، على مجاهدي حركة حماس وأهالي غزة المكلومين، بهدف تحقيق أهداف الكيان الإسرائيلي الغاصب، التي عجز عن تحقيقها هو وحلفائه، من أكابر مجرمي الإمبريالية، بكل ما يمتلكون من ترسانة عسكرية هائلة، وبكل ما في جعبتهم من الإجرام والتوحش، في المقابل يقف أولئك الوسطاء فاقدي الحيلة، أمام الطرف الإسرائيلي المعتدي المحتل، لا يملكون أي ضمانات أو أوراق ضغط عليه، لإلزامه بتنفيذ الاتفاق، وضمان عدم خرقه للهدنة، ولذلك منذ اللحظات الأولى في فجر 27 يناير 2025م، من دخول اتفاق الهدنة حيز التنفيذ، كانت الخروقات الإسرائيلية حاضرة بقوة واستمرار، على مرأى ومسمع من الوسطاء والعالم أجمع، ولم يصدر عن أولئك الوسطاء، حتى بيان إدانة أو اعتراض أو استنكار، تجاه الصهيوني الذي طلب وساطتهم، ثم تعمد إحراق صورتهم، وكشف عجزهم أمام العالم، رغم أنهم قد تماهوا مع مشروعه، وبدأوا بممارسة ضغوطات على حماس، في سياق تحقيق أهداف نتنياهو، التي عجز عن بلوغها سلفا.
|