صنعاء نيوز/عبد الواحد البحري -
في الثاني والعشرين من مايو من كل عام، يعود إلينا "عيد الأعياد" اليمنية، يومٌ ليس كبقية الأيام، وعيدٌ ليس ككل الأعياد. هو الذكرى الخامسة والثلاثون للوحدة اليمنية المباركة، ذلك الحدث الخالد الذي سُطّر بأحرف من نور في سجل التاريخ، حين قرر أبناء الجنوب والشمال طيّ صفحة الفرقة والانقسام، وفتح كتاب الوطن الواحد، والهوية الواحدة، والمصير المشترك.
في مثل هذا اليوم من عام 1990، أعلن الأحرار من شطري اليمن ميلاد الجمهورية اليمنية، ليُعلنوا نهاية الشتات، وبداية عهد جديد كان يأمل فيه اليمنيون أن يكون مفتاحًا لعصر من التنمية والتقدم والسلام. كان ذلك الحلم الكبير الذي تحقق بعد عقود من التشظي، والانقسامات، والحروب الحدودية، التي ما إن كانت تهدأ حتى تشتعل من جديد، لتلتهم من عمر الوطن وطاقته سنوات طويلة.
لكن، ويا للأسى، لم تترك قوى الشر والحقد لهذا المنجز التاريخي أن يزدهر. منذ اللحظة الأولى، تكالبت المؤامرات من الداخل والخارج، وبدأت السهام تُرمى في خاصرة الوحدة، تارة باسم الديمقراطية، وتارة باسم الحرية، حتى تمكن أعداء الوطن، وبمساعدة بعض الأبواق المأجورة والعقول المغرر بها، من تمزيق خارطة الجمهورية التي سُقيت بدماء الأحرار.
ها هو الوطن اليوم، الذي كان بمساحة 555 ألف كيلومتر مربع، يتفتت أمام أعين أبنائه، ويتحول إلى جزر من الدويلات والجماعات المسلحة، تتناحر على السلطة، وتقتات من دماء الشعب، متناسية أن الوحدة لم تكن مجرد قرار سياسي، بل كانت قدرًا وطنيًا صنعته نضالات طويلة وآمال عريضة لشعب لا يستحق سوى الحياة الكريمة.
لقد تجرع اليمنيون مرارة الانقسام مرة أخرى، وها هم اليوم يعضّون أصابع الندم، حين صار اليمن بلا دولة، وبلا راية جامعة، سوى رايات متناحرة تتحدث بلغات المصالح، وتتنفس بروائح الدم والبارود.
عيد الوحدة اليوم ليس فقط مناسبة للاحتفال، بل وقفة عميقة مع الذات، ومراجعة لما جرى، وتذكير بما يجب أن يكون. فهو ليس مجرد ذكرى سنوية، بل صرخة من أعماق التاريخ تنادي: عودوا إلى أصل الحكاية، إلى حلم الوحدة، إلى وطن كان لنا جميعًا، وتحت سمائه عشنا بأمن وسلام.
فهل من مستجيب؟ وهل لا تزال في قلوبنا بقية من حلم؟ أم أن الوحدة ستظل قصيدة حنين في دفاتر منفى طويل؟
الوحدة كانت النعمة الكبرى، فهل نرتقي لنستحقها من جديد؟
|