صنعاء نيوز/بقلم/ احمد الشاوش -
الأحد, 15-يونيو-2025
من طرائف اليمنيين انه في عام 1328هجرية الموافق 1911م تقريباً ، جهز الامام يحي حميد الدين رحمة الله عليه، حملة من القبائل بقيادة السيد محمد بن يوسف ، والسيد عبدالله بن ابراهيم ، لمحاربة الاتراك ، وتمكنت الحملة من دخول مدينة " يريم" بعد خروج الاتراك منها ، ونهبت بعض بيوت الوجاهات والاغنياء.
وكان بيت محمد علوان الشاوش - أحد أعيان تجار مدينة يريم - من نصيب منصور بن سعدان ، وهو من مدينة برط .. فقام بأخراج بيت الشاوش من منزلهم وأخذه بالقوة دون وجه حق لنفسه واولاده الذين سندوه ورافقوه في غزوة مدينة يريم بعد فرار الاتراك.
والطريف في الامر أن منصور بن سعدان ، جاء إليه أحد أبناء الشاوش ، يطلب منه شيئاً من حقهم وممتلكاتهم لسد الفاقة ، ويدفع عن عائلة الشاوش الجوع والعطش ، فقال السيد منصور لابنه :
" ادِله ياولدي .. ماشي عند الله مايضيع " ، وصار ذلك الكلام مثلاً ، كما ورد في كتاب الامثال للقاضي الاكوع.
ومن الصدف العجيبة والظريفة والصادمة ان اليمن تعرضت في العام 1362ه لمجاعة شديدة ، فمات الالاف من اليمنيين ونزح الكثير منهم الى المدن لطلب الاستغاثة من الجوع والبقاء على قيد الحياة .. فقال الامام يحي حميد الدين رحمة الله عليه ، للقاضي محمد بن أحمد الحجري ، شاكياً له كثرة الفقراء الذين ضاقت بهم العاصمة .. "إن منااااظرهم لا تحتمل " ، فرد عليه القاضي الحجري بالمِثَل وقصته .. أي أعطوهم من اموالهم " بيت مال المسلمين" ، وسوف تزووول أسباب الشكووووى .. ويكتب الله لكم اجررررر المحسنين ..
وقال الحجري في حالة تهكم للامام يحي " لايكون منصور بن سعدان أحسن منكم" ياسيدي .. فرد عليه الامام يحي وهو منفعل ومشتاط غضباً بالمثل المشهور " مايكفي الخلق إلا الخالق" ، وكأن الامام يحي فقير ولا طاقة له بكفاية آلاف الفقراء ، بينما مدافن الحبوب من قمح وذرة وشعير وغيره ملان المادفن.
وتتواصل مسيرة اللطافة والظرافة والطرافة ،والغرابة وثقافة الاستغلال والرشوة كحل لكل مشكلة او انتقام أو التحايل على الشرع والقانون ، حيث يردد اهل عتمه المثل القائل :
" أدلُو حَق ابن هَادي يكرُضْ غَرٍيمَكْ الحَبس " ، أي يدخله الحبس دون أي وجه حق قانوني اوشرعي في حالة اراد أي شخص جرجرت وتعذيب غريمه أو خصمه بحق وبدون وجه حق ، وهي الثقافة المتوارثة الى اليوم في دوائر السلطة وخارج السلطة وفي الذاكرة الشعبية كأقرب الطرق للحصول على مايريده الانسان بطريقه عوجاء خارج اطار الشرع والقانون والعادات والتقاليد والاعراف والاسلاف.
والجدير بالذكر ان ابن هادي له قصة عجيبة بأعتباره رمز للفساد ويروى أنه.. كان خادماً عند السيد عبدالله بن احمد الوزير ، أثناء بقائه في ذمار حاكماً عاماً ، قبل أن يكون اماماً لليمن في العام 1955 عندما انقلب على الامام يحي حميد الدين ، بعد اغتيال الامام سنة 1367هجرية ، حيث كان الكثير من الناس يستعينون بأبن هااااادي في قضاء حوائجهم عند ابن الوزير ، فأصبح أسم بن هاااادي من ذلك الوقت عنواناً للرشوة و كناية للفساد بتحقيق رغبة وامنية كل فاااااسد أو مستضعف يريد الحصول على توجيهات لا نصافه بعد ان يعجز عن انصافه في أي مظلمة .
لذلك فأن القصص والحكايات والامثال اليمنية كثيرة ولطيفة وغريبة وعجيبة وتحمل أكثر من مغزى وعلامة تعجب واستفهام سواء في النظام الملكي او الجمهوري ، الوطني او القومي وبين أوساط الشعب ، لانها تُمثل وتعكس تجارب الشعوب بسلبياتها وإيجابياتها ، بشدتها وخفتها ،وافراحها ومآسيها ، وظرافتها وقساوتها ، وكما يقول أجدادنا الاوائل "من تولى على بيضة أكل منها" ، فمابالك بمراكز القوى العابثة.
لذلك فأن حق بن هادي قد تجدها عند الرئيس ورئيس الحكومة ومجلس النواب والشورى والوزراء والقادة والقاضي ووكيل النيابه والحراس والمرافقين والنُخب السياسية والخدم ورجل الدين واقسام الشرطة والمشايخ والتجار ورجال الامن ، لان المال له سحر عجيب وجاذبية شديدة والمثل يقول " اطعم الفم يستحي الوجه.. ومن هنا يرق طبع باهوت المصالح وشياطين بن هادي ومن بيده مصير ورقاب وحوائج الناس .
الفساد ثقافة ..
وأخطر مايدمر الدول والمؤسسات والمجتمعات اليمنية والعربية ان يكون " حاميها حراميها" ، وأن من يتحدث عن الفساد هم اكبر الفاسدين ، بأستغلال السلطة ومسؤوليتهم ، لذلك نسمع عن شخصيات في أكثر من مراكز القوى العابثة هي من توقف ، أو تعطل اختصاصات بعض المسؤولين ، وتوقف البحث في قضايا فساد ورشاوي ونهب وعبث كبيرة وتوجه بتجميد أواغلاق قضايا وملفات الفساد ونقل قضاة ووكلاء نيابات ومحققين برنة تلفون ، وتهديد محامين وشهود وكشف اسماء المبلغين عن جرائم الاختلاس وغيره مما يسبب خللاً كبيراً في الدولة ومؤسساتها ودمار اكبر وصدمة لدى الشعب الذي يتوق الى محاسبة الفاسدين حتى لوكانوا في أعلى هرم السلطة ، ومع ذلك فأن الفساد ليس وليد اليوم بل ضارب في جذور تاريخ اليمن ، إلا ان المراحل الاخيرة وصل الى مرحلة التعرررري والفضيحة ، بعد ان تكشفت الكثير من الاقنعة وصار الكثير من الشخصيات خلال العقود الاخيرة وفي رواية العشر السنوات الاخيرة رجال اعمال على نخس وااااحد بينما تراجع عمالقة الاقتصاد و البيوت التجارية في اليمن الى الحضيض في زمن صار الفاسد والمرتشي من كبار القوم في كافة مدن ومحافظات الجمهورية اليمنية بعد ان أمِن الحِساب والعقاب واصبح هو القاضي والجلاد ، بينما مازلنا نراهن على بعض الشرفاء هنا وهناك الذين لم يتلوثوا بالبلطجة السياسية والنغمة الثورية والوطنية والقومية والمال الحرام رغم المغريات المتنوعة .
أخيراً .. ما أحوجنا الى ثورة على الفساد والفاسدين والمفسدين ، وتنظيف مؤسسات الدولة وأجتثاث مراكز القوى العابثة وتطبيق الشرع والقانون .. وما أحوجنا الى صفاء العقل ونقاء الحكمة والقيم الفاضلة وصحوة الضمير لتعميم الشفافية و ثقافة النزاهة في المسؤول قبل المواطن والمؤسسات والوزارات والهيئات والمساجد والمدارس والمنتديات والمؤتمرات وبين رجال الاعمال وبائعي الجملة والتجزئة ، ورجال القضاء والقانون ووكلاء النيابات واقسام الشرطة وغيرها من المؤسسات الحكومية والاهلية ، وقبل ذلك الرؤساء وقادة المجتمع ، بدلاً من تدمير الاخلاق واستنزاف القيم والاموال وتحطيم الطاقات وشراء الذمم لخدمة مشاريع وهمية وأساطير ما انزل الله بها الله من قرآن ,, فهل من مُجيب .. أملنا كبير.
[email protected]