صنعاء نيوز/رسل جمال -
شهدت في المرحلة الجامعية انموذج مصغر لأمريكا وهي بنت كانت معنا لطالما توصينا ان لا نقرأ المحاضرات او نتهيأ لاعداد الواجبات بحجة انها سهلة، لكن وصل بهاا الامر ان تحلفنا ان لا نقرأ !! رغم انها كانت تقرا الكتب المنهجية بطريقة هستيرية، والهدف من هذا الاستقتال هو الحصول على لقب( الاولى )على الدفعة، والمفاجأة عندما جاءت النتيجة لم تكن هي الاولى لذلك قطعت علاقتها بنا جميعا!
وقد يسأل سأل ماهي اوجه التشابه ؟
والجواب ان امريكا كذلك تعمل على احتكار المعرفة والعلم لانها على يقين تام ان العلم هو داينمو التقدم والتحضر.
ففي خضم الحرب الدائرة بين إيران وإسرائيل، بعيدًا عن الانحياز السياسي أو التفضيلات الأيديولوجية، هناك حقيقة كبرى تفرض نفسها على كل من يراقب المشهد، الحرب ليست فقط مواجهة بالسلاح، بل اختبار حضاري، تقني، وشعبي وقد كشفت هذه المواجهة عن فوارق مرعبة بيننا كدول تغوص في مشاكلها الداخلية، وبين دول باتت تمتلك مفاتيح المستقبل في كل المجالات، لا سيما المجال العسكري.
إيران... رقم صعب في معادلة معقدة
خلال الأسابيع الماضية، أظهرت إيران مستوى من الانضباط العسكري والدقة في الهجمات لم يكن كثيرون يتوقعونه، ليس لأن إيران ضعيفة، بل لأن البعض لا يريد أن يصدّق أن دولة في المنطقة استطاعت أن تبني منظومة ردع وتكنولوجيا محلية متطورة دون أن تستسلم للعقوبات أو العزلة السياسية، ورغم الحصار الاقتصادي ، واذا بايران تبهر العالم بعمل بحثي علمي متقدم ومتطور يناقض من يدعي ان الشيعة لا تفقه الا اللطم والتطبير!
لم يفلح الاحتكار العلمي مع ايران، فالمفاجأة لم تكن فقط في قدرة إيران على الوصول لأهدافها داخل العمق الإسرائيلي، بل في أنها فعلت ذلك ضمن استراتيجية واضحة، محسوبة بعيدة عن الانفعال، وبأدوات محلية الصنع.
رباعية النجاح الإيراني: وعي الشعب، ودهاء الدبلوماسية، وتطور العسكر، اظهار التشيع بصورة بطولية للعالم.
اولا؛ الوعي الشعبي لم يعد خافيًا أن الشعب الإيراني، رغم التحديات الاقتصادية والاجتماعية، يملك قدرًا من الوعي يجعله يتماسك عند الأزمات بدل أن ينجر إلى الفوضى, فلم نشهد انهيارًا داخليًا رغم الضغوط، بل رأينا انضباطًا إعلاميًا واجتماعيًا، خصوصا وان الشعب الايراني اصبح على يقين ان الضغط الاسرائيلي والهجوم لم يكن عسكريا فقط، بل هي هجمة ثقافية الغرض منها هو اثارة استياء الشعب وتذمرهم من سياسية الجمهورية ليعمل على ثورة الشعب واسقاط النظام داخليا، وهذه الاساليب كانت واضحة للشعب الايراني، وهذا هو السلاح الأول في الحروب المعاصرة، لكنه لم يجدي نفعا لاسرائيل، ان الشعب الايراني يثبت في كل مرة انه اكثر تباتا وولاءا لارضه حتى لو لم يكن راض عن حكوماته، وهو يعي تماما ان النظام هو صمام الامان والضامن الوحيد لمصالحهم .
ثانيا؛ الدبلوماسية الإيرانية إيران لم تدخل الحرب بشكل أعمى، بل سبقتها سنوات من بناء تحالفات، وإعادة تموضع سياسي في ملفات كثيرة، بدءًا من الصين وروسيا، مرورًا ببعض دول الجوار، وصولًا إلى أدواتها الإعلامية التي تعرف كيف توصل رسائلها بذكاء، ان المتابع والمراقب للاجتماع الاخير لوزير الخارجية الايراني عرقجي، يظهر اريحية وهدوء غير مسبوق ظهرت من خلال لغة الجسد، على خلاف وزراء الخارجية الاخرين!
وهذا ان دل على شيء يدل ان ايران تثبت للعالم انها دولة تسير بخطى دبلوماسية ثابتة بعيدة عن الانفعالات، ولها ستراتيجية مدروسة وقد اعدت سيناريوهات متعددة وقد اعدت العدة لاي سيناريو قد يحدث.
ثالثا؛ القوة العسكرية الصواريخ الدقيقة، والطائرات المسيّرة ذات القدرات العالية، وأنظمة دفاعية هجومية مبتكرة، كلها عرض عسكريا اجادت ايران بابهار العالم بقدراتها دون استعراض، او اطلاق شعارات بلطجية، تستقوي بها على دول المنطقة، بل اثبتت انها قوة قائمة بذاتها، هذا ليس عرضًا في معرض عسكري، بل تطبيق واقعي أثبتته الهجمات على إسرائيل، وأجبر الكثير من المراكز البحثية الغربية على إعادة حساباتها بشأن ما يمكن أن تفعله إيران إن تعرضت لهجوم واسع،
في الجانب الاخر وعند التأمل للحظة في واقع العراق نجده يغوص في مستنقع التخلف، رغم مظاهر البهرجة الا انها لا يمكن لها ان تصمد امام صاروخ واحد!
بينما العالم يتحدث عن الذكاء الاصطناعي في المعارك، وعن صواريخ خارقة للصوت، وعن سلاح الجو المسيّر المتكامل، ما زال العراق يتخبط في نقاشات داخلية لا تمت للعصر بصلة, اما ملف التسليح العراقي يعاني من البيروقراطية والفساد، اضف لذلك سيطرة امريكا على هذا الملف الحساس بالخصوص، جعلت العراق فقير عسكريا، ومغيب عن التطور الذي وصلت له الصناعة العسكرية، مما جعله يفقد الاستراتيجية طويلة الأمد، وكأننا بلد لا يتوقع الحرب، أو لا يعرف أن السلم يُحمى بالقوة.
لا توجد رؤية عسكرية واضحة، ولا استثمار جدي في الصناعات الدفاعية المحلية، ولا اهتمام ببناء قاعدة علمية تسند هذا القطاع، والأخطر من ذلك، أن بعض النخب ما زالت تروّج لفكرة أن العراق يجب أن يبقى بلا أنياب، بلا (جيش حقيقي قادر على الردع)
رابعا؛ اظهار التشيع بصورة بطولية، ان العالم يراقب مايحدث بدقة واصبح يميز ويستقرأ مايحدث بعيدا عن الادلجة الاعلامية الصفراء، فاصبح الفرد العربي يتسأل هل هذا الشيعي الذي كنتم تحذرونا منه؟ هل هذه الموجة الصفوية التي اثارت خوف علماء السنة والجماعة الذين لطالما البوا الناس وعبئوهم كرها وحقدا على هذا الخط، واذا بايران ولاول مرة تثار للعرب وللفلسطينين وللعالم اجمع من جرائم اسرائيل بطريقة عسكرية مدروسة تثير الاعجاب.
الحرب مرآة حضارية
فد تبدو العبارة اننا نناصر الحروب وندعو لها على العكس تمام، لكن الحرب ليست فقط دمارًا، بل مرآة تكشف حقيقة المجتمعات، ما كشفته هذه الحرب هو أن التقدم ليس ترفًا، بل ضرورة وجود، وأن الأمة التي لا تمتلك أدوات العصر، هي أمة خارج التاريخ، وقد تتغير جغرافيتها
وأن المعركة القادمة لن تكون فقط بين جيوش، بل بين وعي وتخلف، بين نظم تحترف التحديث، وأنظمة غارقة في اللغو والشعارات، بين ثقافة الولاء للوطن والتعية لغيره، بين الوطنية والعملاة
المشهد أمامنا واضح، إيران بنت قوتها رغم الحصار، و إسرائيل رغم كل تفوقها، ومساعدة امريكا لها الا انها باتت تخشى القادم، أما العراق فهو مشغول بتصوير ترندات واختيار اغاني حماسية ويصمم مقاطع فديوية لما يجري، اي إما أن يصحو من غفوته، ويبدأ ببناء دولة قادرة علميًا وعسكريًا، أو سيبقى مجرد مساحة جغرافية، يتقاذفها الكبار وقت الأزمات.
بغداد / 22 . 06 . 2025
|