صنعاء نيوز/إيهاب مقبل -
تُقدَّم السويد دائمًا كنموذج للدولة المثالية: رفاهية، تعليم مجاني، نظام صحي عام، مساواة بين الجنسين، ودولة تراقب كل ما يخص الطفل وتحمي حقوقه.
لكن إذا عشت هناك بما يكفي من الوقت، تبدأ في إدراك مفارقة مؤلمة: ما يبدو لك ضمانة هو في بعض الأحيان طريق مباشر إلى الفقد.
وهنا تأتي المفارقة الصادمة: في السويد، أخطر ما يمكن أن تفقده ليس الأمان... بل المال والأطفال. ولذلك أقدم دائمًا نصيحة للناس: (لا تحمل معك إلى السويد ما لا تتحمّل أن تفقده: مالك وأطفالك).
المال: الدولة تأخذ أكثر مما تترك
تمتلك السويد أحد أعلى الأنظمة الضريبية في العالم. ربما لا يبدو هذا غريبًا في دولة تقدم تعليمًا وصحة مجانيتين، لكن ما لا يُقال كثيرًا هو كيف يتآكل دخل الفرد في صمت.
🔹نسبة الضرائب:
في السويد، تصل ضرائب الدخل المحلية إلى نحو 30–35 %، بالإضافة إلى ضريبة الدولة الإضافية بنسبة 20 % عند تجاوز الدخل حدًا معينًا، أي أن معدل الضريبة بالنسبة للموظف قد يتجاوز 55 % صافيًا!
🔹ارتفاع تكاليف المعيشة:
تُعتبر السويد من أكثر الدول الأوروبية تكلفة، خاصة في الإسكان والطاقة. في ستوكهولم مثلًا، قد يصل إيجار شقة صغيرة إلى 13 ألف كرون شهريًا، وهو ما يعادل أكثر من 33% دخل المواطن المتوسط. ومع التضخم الذي شهدته البلاد في العام 2023، ارتفعت أسعار السلع الأساسية بنحو 12%.
🔹الديون الشخصية:
رغم صرامة النظام المالي، فإن كثيرًا من المواطنين يلجؤون إلى القروض لسد تكاليف الحياة. ويبلغ متوسط الدين الشخصي للفرد في السويد أكثر من 180% من دخله السنوي، وهو الأعلى في أوروبا.
النتيجة؟
رغم أنك تعمل بدوام كامل، قد تجد نفسك دائمًا على الحافة: لا قدرة على الادخار، ولا ضمان للاستقرار المالي. في بلد مثل السويد، المال يُفقد بالتدريج، لا بسبب الفساد أو الحروب، بل لأن النظام يأكله بطريقة "قانونية" تمامًا.
الأطفال: بين الحماية والاختطاف الإداري
إذا كان فقد المال تدريجيًا، فإن فقد الأطفال في السويد قد يحدث في لحظة.
الأمر ليس مجازيًا، بل واقعيًا. يمتلك نظام حماية الطفل السويدي صلاحيات واسعة تتيح له سحب الأطفال من ذويهم في حالات يُشتبه فيها بوجود "خطر" عليهم، وهو ما يبدو نبيلًا في ظاهره، لكن الواقع أكثر تعقيدًا.
🔹حالات التبني الدولي المشبوهة:
في يونيو حزيران 2025، نشرت الحكومة السويدية تحقيقًا صادمًا كشف أن آلاف الأطفال جرى تبنيهم من دول مثل كوريا الجنوبية، سريلانكا، كولومبيا، ونيبال في السبعينات والثمانينات، بطرق شابها التزوير، وانعدام الموافقة الأبوية. التقرير دعا لوقف التبني الدولي والاعتذار للضحايا.
🔹سحب الأطفال من أسرهم داخل السويد:
القانون السويدي يمنح المؤسسات الاجتماعية حق التدخل في الأسرة متى ما شُكّ بوجود إهمال أو عنف، لكن هذا التقدير أحيانًا يكون فضفاضًا. بعض الأسر المهاجرة، خصوصًا من خلفيات عربية أو إسلامية، واجهت قرارات فصل الأطفال بسبب "اختلاف في أساليب التربية"، أو سوء فهم ثقافي حول مفهوم "الضرب التأديبي" مثلًا.
🔹ردود فعل دولية:
العديد من المنظمات الحقوقية أعربت عن قلقها من حالات تُسحب فيها حضانة الأطفال دون محاكمة عادلة أو تمثيل قانوني كافٍ للأهل. بينما تؤكد الحكومة أن القانون يحمي الطفل أولًا، يشعر بعض الآباء أنهم مستهدفون ثقافيًا أكثر من كونهم مذنبين.
النتيجة؟
عائلة قد تستيقظ يومًا لتجد أن طفلها لم يعد في المنزل، بسبب بلاغ من مدرسة أو جار، وتدخل فوري من السوسيال. حتى لو أُعيد الطفل لاحقًا، يكون الضرر قد حصل، والثقة انهارت.
مفارقة دولة الرفاه: الحماية التي تؤذي
السويد دولة قانون، هذا لا شك فيه. لكن ما لا يقال غالبًا هو أن النوايا الحسنة لا تمنع النتائج السلبية.
عندما يُصبح النظام صارمًا لدرجة أنه يفرض ضريبة على كل ما تكسبه، ويتدخل في طريقة تربيتك لأطفالك، تبدأ الأسئلة الصعبة في الظهور:
من يحمي المواطن من النظام نفسه؟
هل يُمكن أن تتحول الحماية إلى رقابة؟
ومتى تتحول دولة الرفاه إلى سجن لا يشعر به إلا من بداخله؟
السويد ليست جحيمًا... لكنها ليست فردوسًا أيضًا
لا يمكن إنكار أن السويد تُوفر مستوى معيشة جيد، وأن كثيرًا من أنظمتها تقدم نموذجًا حضاريًا للعالم. لكن الإنصاف يقتضي أن نقول: (هناك ثمن يُدفع بصمت).
ثمن مالي: يتجلى في الاستنزاف اليومي لمدخول الفرد.
وثمن اجتماعي: يظهر في مشاعر الخوف من فقدان أطفالك لأسباب غير واضحة أو قابلة للتأويل.
في النهاية، من يعيش في السويد يتعلم درسًا قاسيًا لكنه واقعي: (في دولة الرفاه، قد لا تخاف الجريمة... لكنك تخاف أن يختفي راتبك فجأة، أو طفلك إلى الأبد).
الخلاصة
الخطر: (المال)، والأسباب: (ضرائب فائقة وتضخم وتكاليف معيشة مرتفعة وديون متراكمة). والتأثير: (ضغوط اقتصادية مستمرة وميزانيات الأسر المضغوطة).
الخطر: (الأطفال)، والأسباب: (عمليات تبنٍ مشكوك فيها وتدخل مبكر من الدولة وخلافات ثقافية). والتأثير: (شعور بفقدان الأبناء وثقة مهتزة بالنظام الاجتماعي).
انتهى
|