صنعاء نيوز/بقلم: طلعت الخطيب - غزة -
في تصعيدٍ غير مسبوق في تاريخ الصراع في الشرق الأوسط، استطاعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن توجه ضربات مركّزة لإسرائيل، وأن تهزّ صورة الولايات المتحدة كقوة رادعة في المنطقة.
لم تكن الردود الإيرانية مجرد استعراضٍ ناري، بل كانت بيانًا استراتيجيًا تحمل رسائل دقيقة بثلاث لغات: الردع، السيادة، والتوازن.
*إيران تغيّر المعادلة*
ما جرى مؤخرًا أثبت أن إيران تجاوزت مرحلة الردّ بالوكالة كما يتصور البعض، إلى مرحلة الاشتباك المباشر والمعلن.
فالهجوم بالصواريخ المتنوعة والمسيّرات، الذي انطلق من أراضيها نحو العمق الإسرائيلي، كشف عن جرأة غير مسبوقة، وقدرة متنامية على خوض مواجهة مباشرة، دون أن تخشى العواقب السياسية أو العسكرية.
إسرائيل، التي طالما تباهت بالتفوق العسكري والاستخباراتي، وجدت نفسها مكشوفة.
ورغم مشاركة أمريكا والأردن وغيرهم في عمليات التصدي، لم تستطع المنظومات الدفاعية منع اختراق الأجواء بالكامل، مما أظهر هشاشة منظومات الدفاع الصهيونية أمام كثافة النار الإيرانية.
*واشنطن... من الوعد إلى العجز*
الأكثر لفتًا، هو الموقف الأمريكي. إدارة ترمب، التي وعدت بحماية إسرائيل بالحماية، وجدت نفسها عاجزة عن احتواء الضربات الإيرانية أو ردعها مسبقًا.
الموقف الأمريكي الهشّ كشف عن تآكل الردع الأمريكي، ليس فقط في عيون خصومها، بل أيضًا في نظر حلفائها. الرسالة التي وصلت إلى المنطقة واضحة: الولايات المتحدة لم تعد قادرة – أو راغبة – في خوض حروب الآخرين.
*دلالات ما بعد التصعيد*
إن هذا التطور يحمل دلالات خطيرة:
الهيبة العسكرية الإسرائيلية تلقّت ضربة قاسية، ما قد يترك أثرًا على تماسك الجبهة الداخلية وثقة الشارع.
إيران باتت رقماً صعبًا في المعادلة الإقليمية، لا يمكن تجاهله أو احتواؤه بسهولة.
وبالانتقال على وجه الخصوص إلى قصف إيران لقاعدة العديد الجوية في قطر – وهي واحدة من أهم القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط – يُعد ذلك تطورًا بالغ الخطورة *ويحمل دلالات استراتيجية عميقة، تتجاوز مجرد الرسالة العسكرية، وأبرز هذه الدلالات:*
1. نقل المواجهة إلى عمق النفوذ الأمريكي
استهداف قاعدة العديد يعني أن إيران قررت كسر الطوق المفروض عليها، وبدل أن تكتفي بالرد على إسرائيل، وجهت ضربة مباشرة للوجود الأمريكي. هذه رسالة بأن كل منطقة يتمركز فيها الجيش الأمريكي أصبحت ضمن بنك الأهداف الإيراني.
2. الرد على الدعم الأمريكي لإسرائيل
من خلال قصف العديد، أرادت إيران أن تقول:
> "أنتم لستم وسطاء، أنتم طرف في الحرب."
العديد ليست مجرد قاعدة عسكرية، بل مركز قيادة إقليمي للعمليات الأمريكية في الشرق الأوسط، بما في ذلك دعم العمليات الإسرائيلية. وبالتالي، قصفها يُعد بمثابة تحميل واشنطن المسؤولية المباشرة.
3. إيران تكسر حاجز الرهبة
طهران أثبتت أنها لم تعد تخشى استهداف قواعد أمريكية محصّنة داخل دول "حليفة لأمريكا"، كقطر. هذا تطور نوعي في السلوك الإيراني، ويعني أنها باتت ترى في التصعيد خيارًا مشروعًا إذا لزم الأمر، حتى لو كانت العواقب جسيمة.
4. إحراج الحلفاء العرب لأمريكا
ضرب قاعدة العديد يضع قطر ودول الخليج في موقف محرج:
*هل يمكنهم بعد الآن ضمان أن الحماية الأمريكية كافية؟*
*هل ستستمر هذه الدول في السماح للولايات المتحدة باستخدام أراضيها لمهاجمة الآخرين دون أن تُستهدف هي بالمقابل؟*
إنها محاولة إيرانية لخلق شرخ في العلاقة بين أمريكا وحلفائها الإقليميين.
5. إيران تختبر الخطوط الحمراء الأمريكية
حتى الآن، يبدو أن إيران نجحت في إيصال الرسالة دون أن تُجَرّ إلى مواجهة شاملة.
*قصف قاعدة العديد ليس مجرد حادث عابر، بل هو إعادة رسم لقواعد الاشتباك في المنطقة. إيران تقول بوضوح:*
> إذا استُهدِفنا من قواعد أمريكية، فلن تكون محمية...
الردع الأمريكي يتآكل، ما يشجع القوى الصاعدة على تحدّي النفوذ الغربي دون خوف.
إيران لم تكن تسعى لحرب مفتوحة، بل أرادت أن تقول: نحن هنا، ونستطيع الرد، ولسنا عاجزين كما يظن البعض. وقد قالتها بالفعل، وبصوت صاروخي، سُمع صداه في تل أبيب وواشنطن معًا.
ما بعد هذا التصعيد، لن يشبه ما قبله. فالشرق الأوسط يدخل مرحلة جديدة، تتعدد فيها مراكز القوة، وتقل فيها مساحة الهيمنة المطلقة.
فهل تغيّر هذه الرسائل سلوك أمريكا؟ وهل تُعيد دول الخليج حساباتها؟
الإجابة في الأيام القادمة. |