صنعاء نيوز/ - اعلاميون_اردنيون
جميل عازر: صوت الأردن الذي سمعه العرب من عمّان إلى لندن والدوحة
يُعد الإعلامي الأردني جميل عازر أحد روّاد الإعلام العربي في العصر الحديث، بصوته الهادئ وأسلوبه الرصين، وشخصيته التي جمعت بين المهنية العالية والالتزام الأخلاقي في نقل الحقيقة.
من الإذاعة الأردنية إلى هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، ومن هناك إلى قناة الجزيرة، ظل جميل عازر اسماً مرادفاً للرصانة والدقة والاحترام، وقدّم نموذجاً ملهماً لأجيال الإعلاميين العرب.
وُلد جميل عازر عام 1937 في بلدة الحصن بمحافظة إربد، شمال الأردن. بدأ مشواره الإعلامي في الإذاعة الأردنية خلال الستينيات، وكان من أوائل الأصوات التي تميّزت بالاحترافية والقبول الجماهيري.
لم تكن مشاركته في الإذاعة محصورة بتقديم الأخبار فقط، بل كان له دور كبير في إعداد وتقديم برامج ثقافية، اجتماعية، وسياسية، ساهمت في رفع وعي الجمهور الأردني وترسيخ مفهوم الإعلام المهني.
تميز أسلوب عازر بالإقناع والوضوح والهدوء، وهو ما جعله صوتاً موثوقاً لدى المستمع الأردني. كما كان من الإعلاميين القلائل الذين ساهموا في تدريب وتطوير مهارات الإعلاميين الشباب، مما كان له أثر كبير في النهوض بالإعلام الأردني وتأسيس جيل جديد من الإعلاميين القادرين على مواكبة المتغيرات.
شكل انتقال جميل عازر إلى هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) محطة مفصلية في مسيرته، حيث وسّع نطاق تأثيره وأصبح صوتاً عربياً مؤثراً في الإعلام الدولي. في BBC قدّم برامج سياسية وثقافية موجهة إلى جمهور عربي واسع، وتمكن من تقديم النموذج المثالي للإعلامي العربي الذي يجمع بين الحرفية العالية والانفتاح الثقافي.
مع انطلاق قناة الجزيرة في 30 يوليو 1996، كان جميل عازر أحد أبرز مؤسسي النواة الصلبة للقناة، حيث ساهم في بناء هويتها المهنية والإخبارية. تميز حضوره على الشاشة بالثبات والموضوعية، وسرعان ما أصبح أحد الوجوه المألوفة للمشاهد العربي في فترة كانت القناة تحدث فيها تحولاً جذرياً في المشهد الإعلامي العربي.
خلال مسيرته الطويلة، قدم عازر مجموعة من البرامج التي تركت أثرًا واسعًا في المشاهدين:
الملف الأسبوعي: برنامج تحليلي سلط الضوء على أهم القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتميز بأسلوب معمق وطرح متزن.
ما وراء الخبر: أحد أبرز البرامج الحوارية في قناة الجزيرة، ركز على تحليل خلفيات الأخبار بمشاركة ضيوف من مختلف الاتجاهات، وأدار عازر النقاشات بحرفية عالية.
نشرات الأخبار: كان أحد المذيعين الرئيسيين في نشرات الأخبار، وتميز بتقديم الأخبار بلغة فصيحة دقيقة وأسلوب يخلو من الإثارة، مما زاد من مصداقيته.
إلى جانب ذلك، كان له دور مهم في التدقيق اللغوي والإخباري، وعضوية في هيئة التحرير داخل الجزيرة، وهو ما ساهم في ضبط مستوى جودة المحتوى المقدم.
يمتاز جميل عازر بصفات جعلت منه قدوة لكثير من الإعلاميين، أبرزها:
الهدوء والثقة بالنفس أمام الكاميرا وفي إدارة الحوار.
اللغة العربية السليمة والصوت الواضح الذي يجمع بين الوقار والجاذبية.
الالتزام بالمهنية والبعد عن التحيّز أو الإثارة في التغطية.
القدرة على التفاعل مع القضايا المعقدة وتقديمها بأسلوب مبسط.
كما كانت له مساهمات في إعداد وتدريب الكوادر الإعلامية، داخل الأردن وخارجه، لا سيما في مجال تحرير الأخبار والإلقاء الإذاعي والتلفزيوني.
في عام 2016، أعلن جميل عازر تقاعده من قناة الجزيرة بعد أكثر من عشرين عامًا من العمل، تاركًا وراءه إرثًا غنيًا من التجربة والخبرة، وذكرى طيبة في قلوب المشاهدين الذين اعتادوا على حضوره الأنيق وصوته المتزن.
وبتقاعده، فقد الإعلام العربي أحد أبرز رموزه الذين ساهموا في ترسيخ معايير جديدة للمهنية والموضوعية، لكن صوته وأثره لا يزالان حاضرين في ذاكرة الإعلام وفي الأرشيف العربي المرئي والمسموع.
كان جميل عازر مدرسة إعلامية قائمة بذاتها. في زمن التحديات التي تواجه الإعلام العربي، تبقى مسيرته مثالًا يُحتذى، لما جمعه من مهنية، ثقافة، وطنية، وتجربة دولية عابرة للحدود. لقد رفع اسم الأردن عاليًا، وكتب سطورًا مضيئة في سجل الإعلام العربي الحديث.
المهندس عماد الشبار .. تلك الايام |