صنعاء نيوز/ بقلم عبدالرحمن کورکی (مهابادي)* -
على مر تاريخ تشكل المجتمعات والدول، كان الشعب دائمًا هو من يختار، بإرادته وحريته، نظام الحكم وقادته. فأي نظام سياسي يصل إلى السلطة عبر الإكراه أو الانقلاب أو القمع، يكون بطبيعته غير شعبي وغير مستقر. لقد أثبت التاريخ مرارًا أن مثل هذه الأنظمة تواجه، عاجلاً أم آجلاً، انتفاضات ومقاومة شعبية. الديمقراطية لا تكتسب معناها ومصداقيتها إلا عندما تكون إرادة الشعب ورأيه أساس شرعية الحكم واستدامته ورؤيته المستقبلية.
الآن، نأتي إلى قضية إيران، وبشكل خاص إلى الحرب الخارجية التي استمرت 12 يومًا بين إسرائيل والنظام الإيراني. الشعب الإيراني يكره الأنظمة الديكتاتورية ويرفضها. إنه يريد أن يختار بنفسه النظام الذي يريده. بعبارة أخرى، لا يريد الشعب الإيراني حربًا خارجية، ولا يقبل التساهل مع نظام الملالي الحاكم.
هذا الطموح الشعبي يتماشى تمامًا مع خارطة طريق المقاومة الإيرانية. فقد أعلنت المقاومة الإيرانية منذ 21 عامًا على الأقل أن الحل الذي تدعمه هو "الحل الثالث"، أي الاعتراف بمقاومة الشعب ضد الديكتاتورية. هذا "الحل" هو نتيجة عقود من النضال ضد ديكتاتوريتين: ديكتاتورية الشاه وديكتاتورية الملالي. فكما أطاح الشعب الإيراني بديكتاتورية الشاه، يريد الآن الإطاحة بنظام الملالي الديكتاتوري الحاكم. لهذا الغرض، انتفض الشعب مرات عديدة، وقدم عشرات الآلاف من الضحايا، ولم يتعب بل واصل ويواصل هذا المسار.
الشعب الإيراني لم يعد ينخدع بالتيارات القمعية والمتعطشة للسلطة. إنه يرى في القوة الوحيدة التي قاومت الديكتاتورية من بين صفوفه ممثله الحقيقي. الشعب الإيراني لم يكن يرغب يومًا في العودة إلى ديكتاتورية الشاه، بل يطمح إلى إقامة حكومة شعبية، علمانية، ديمقراطية وجمهورية.
إذا نظرنا إلى المنهاج العشري للسيدة مريم رجوي، نجد أنه يعكس هذه السمات بالضبط. المقاومة الإيرانية تقاوم التبعية. الحرب التي استمرت 12 يومًا أثبتت ذلك. إذا أراد فرد أو دولة المساعدة في حل مشكلة إيران، فالطريق واضح: دعم الشعب الإيراني ومقاومته للإطاحة بنظام الملالي الديكتاتوري. بعبارة أخرى، الحرب الخارجية ليست "حلًا" لمشكلة إيران، كما أن التساهل مع الديكتاتورية الحاكمة ليس حلًا أيضًا. كلا الخيارين، مع اختلافات طفيفة، يزيدان من تعقيد قضية إيران ولا يتماشيان مع إرادة الشعب الإيراني.
لذلك، التساهل مع الديكتاتورية ليس وسيلة لكبحها أو تغييرها، ولا هو طريق لتجنب الحرب، بل يؤدي فقط إلى تعزيزها. الرد على التطرف الديني هو الديمقراطية التي تتحقق عبر الإطاحة بالديكتاتورية. وقد قالت السيدة مريم رجوي في هذا الصدد: "لسنا مضطرين للاختيار بين التساهل أو الحرب. معادلة الحرب أو التساهل هي خداع سياسي. الحل الثالث متاح، والشعب ومقاومته المنظمة لديهما القدرة والإمكانية لإحداث التغيير". هذا ما كررته السيدة رجوي مرات عديدة على مدى 21 عامًا.
أنصار سياسة التساهل مع الديكتاتورية الدينية يعتقدون أن التفاوض وتقديم التنازلات يمكن أن "يصحح" أو "يكبح" سلوك النظام. لكن التاريخ المعاصر أظهر أن هذا النهج يعزز النظام وطموحاته. الفاشية الدينية، بطابعها الشمولي والمتطرف، استغلت التنازلات الدولية لتعزيز برامجها النووية، دعم الإرهاب، والقمع الداخلي.
التدخل العسكري الخارجي غير مبرر لأسباب عديدة. تجارب مثل حربي العراق وأفغانستان أظهرت أن التدخلات الخارجية غالبًا ما تؤدي إلى عدم الاستقرار، الدمار، والمعاناة الإنسانية. هذا النهج في إيران قد يخدم الفاشية الدينية، حيث يمكن للنظام استغلال المشاعر القومية للشعب الإيراني ليصنع من الحرب الخارجية غطاءً لقمع المنتفضين وطالبي الحرية. علاوة على ذلك، التدخل العسكري يمس باستقلال إيران الوطني ويحرم أي تغيير سياسي من الشرعية الشعبية.
الخيار المفضل للشعب والمقاومة الإيرانية هو "الحل الثالث"، الذي يتطلب رفع العوائق الخارجية وتعزيز التماسك الداخلي. لقد أكدت السيدة مريم رجوي مرارًا للغرب أن المقاومة الإيرانية لا تحتاج إلى المال أو السلاح، بل تطالب بالحياد والاعتراف بحق الشعب الإيراني في المقاومة. هذا الطلب، الذي يتماشى مع مبدأ تقرير مصير الأمم، يدعو المجتمع الدولي إلى إعادة النظر في سياساته. استمرار التساهل أو التقاعس يعني التواطؤ غير المباشر مع القمع والتطرف. بدلاً من ذلك، يمكن أن يساهم دعم المقاومة الإيرانية، عبر الضغط الدبلوماسي، فرض عقوبات على مؤسسات القمع، والاعتراف بوحدات الانتفاضة، في تسريع التغيير.
في عصر بات فيه التطرف الديني، الأسلحة النووية، والإرهاب تهديدات رئيسية للسلم العالمي، يحمل الحل الثالث رسالة واضحة للعالم: الرد على التطرف هو الديمقراطية. هذا النهج، الذي يعتمد على قدرات الشعب الإيراني، لا يحقق حرية إيران فحسب، بل يساهم في استقرار المنطقة والعالم.
في عالم كان ميله التلقائي دائمًا نحو التساهل مع الفاشية الدينية، يمكننا اليوم أن ندرك أكثر من أي وقت مضى أن الحل الثالث ليس واجبًا أخلاقيًا فحسب، بل ضرورة استراتيجية للحفاظ على السلام والأمن العالميين. مستقبل ديمقراطي لإيران لن يكون في مصلحة الشعب الإيراني فحسب، بل في مصلحة شعوب المنطقة والعالم.
الكلمة الأخيرة
في إطار الحل الثالث، يمكن تحليل وضع إيران بوضوح. لقد ناضل الشعب الإيراني على مدى أكثر من قرن من أجل سيادة القانون، الحق في التصويت، والحريات الأساسية. سواء في ثورة المشروطة، أو في ثورة 1979 ضد الديكتاتورية الشاه، أو في الاحتجاجات الواسعة خلال العقود الأخيرة ضد الديكتاتورية الدينية الحاكمة، كان طموح الشعب هو التغيير الجذري، الشعبي، والديمقراطي.
السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة، الإيرانية تؤكد منذ سنوات على أن الشعب الإيراني وحده هو من يجب أن يقرر مصيره. منهاجها العشري يجسد تطلعات الشعب الإيراني الحقيقية: إلغاء عقوبة الإعدام، فصل الدين عن الدولة، حرية التعبير والإعلام، المساواة بين الجنسين، إيران خالية من السلاح النووي، والتعايش السلمي مع العالم. هذه المبادئ تظهر أن المقاومة الإيرانية لا تسعى للانتقام أو لإقامة استبداد جديد، بل لمجتمع حر وديمقراطي.
الشعب الإيراني لا يريد حربًا خارجية ولا تساهلاً مع النظام. إنه يطمح إلى حل إيراني شعبي. الطريق الحقيقي الوحيد هو دعم الشعب ومقاومته المنظمة لبناء إيران حرة، ديمقراطية، علمانية، ومستقلة.
***
*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني
|