صنعاء نيوز/بقلم:الفريق سلطان السامعي - قال تعالى:
﴿واتقوا فتنةً لا تُصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصّة﴾ وصدق الله العظيم.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم:
"لهدم الكعبة حجرًا حجرًا أهون عند الله من إراقة دم امرئٍ مسلم"، أو كما قال.
وقال الشاعر:
أرى خللَ الرمادِ وميضَ جمرٍ
ويوشكُ أن يكونَ لهُ ضِرامُ
إذا لم يُطفئها عقلاءُ قومٍ
فإنَّ وقودَها جثث وهَامُ
فإنّ النارَ بالعودينِ تُذكى
وإنّ الحربَ أولُها كلامُ
من صعدة بدأت تقرع طبول الحرب، بدأت لإسكات الحوثي وأتباعه عن ترديد الشعار القائل:
"الموت لإسرائيل، الموت لأمريكا"...
كان هذا قبل حوالي ثلاثة أعوام، قُتل خلالها مئات الجنود والمواطنين، وجُرح آلاف آخرون، ودُمّرت منازل، وهُجّرت أسر، وشُرّد الآلاف.
ثم كان عفو الأخ الرئيس، والأمر بتعويض المتضررين من الحرب بشروط مقبولة للجميع، وفجأة، قبل حوالي أسبوعين، عاد من يقرع طبول الحرب في صعدة مرة أخرى، فذهب ضحية المواجهات الأخيرة عشرات القتلى والجرحى من الطرفين.
ولكن الإعلام الرسمي هذه المرة كان أكثر وضوحًا، حيث ردّد أن هناك أطرافًا خارجية دخلت في الموضوع، وسمّى دولتين هما: ليبيا وإيران، واتهمهما بدعم أتباع الحوثي في صعدة.
إننا نحب وطننا، وأهلنا وإخواننا في صعدة (جيشًا ومواطنين)، كما نحب السلام للجميع.
ولكن، هل تستطيع الحرب وقذائف المدفعية أن تمحو المعتقدات والأفكار، التي في وجدان الناس وقلوبهم، وفي عقولهم وسلوكهم اليومي؟
أبدًا، لا تستطيع أية قوة مادية في هذا الكون أن تُرغم الناس على ترك معتقداتهم الروحية، حتى وإن تظاهروا بذلك في حالة ضعف ووهن، فإنهم سرعان ما يعودون لمعتقدهم في أي ظرف مناسب.
ولكن، بالحوار والإقناع بالحجج والبراهين، والعقل والمنطق والعدل، وبحُسن التعامل، تستطيع أن تتعايش الأمم بمختلف عقائدها وقومياتها بسلام وأمان.
آباؤنا وأجدادنا عاشوا في هذا الوطن بمختلف مذاهبهم: الشافعية، والزيدية، والحنفية وغيرها، ولم نسمع أنهم تقاتلوا بسبب المذاهب، فمساجدنا واحدة، وإن اختلفنا في بعض الفروع، فذلك من باب خلاف العلماء رحمة.
ولم نسمع أن أحدًا أرغم الناس على ترك مذاهبهم عنوةً وأدخلهم في مذهب آخر.
بل كان الناس أحرارًا في اعتناقهم للمذهب الذي يريدون، ونحن نعلم أن اليمن حُكم من قبل دويلات كثيرة عبر التاريخ الإسلامي، منها السنية، ومنها الشيعية.
فماذا نقول عن السيدة أروى بنت أحمد الصليحي، التي حكمت اليمن أكثر من خمسين عامًا وهي شيعية إسماعيلية؟
هل أرغمت أحدًا على اتباع مذهبها؟!! لا.. لم يحصل ذلك أبدًا. لقد ساد العدل دولتها، وحققت لشعبها منجزات ما تزال ماثلة للعيان حتى اليوم.
وكان كبار مستشاريها من العلماء السنّة، لذلك تحقق الأمن والاستقرار والرخاء في دولتها، وستظل الأجيال تفخر بها كأعظم ملكة مسلمة حكمت وعدلت وحققت لرعاياها العدل والمساواة والازدهار.
حتى الأئمة الهاشميون الذين حكموا اليمن أو جزءًا منه ردحًا من الزمن، كان قتالهم مع الآخرين صراعًا على السلطة، ولم يكن صراعًا مذهبيًا.
ولقد كان آخرهم الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين، الذي جعل من تعز عاصمةً له، وهي شافعية، ولم نسمع من آبائنا وأجدادنا أنه أرغم الناس على ترك مذهبهم والدخول إلى مذهبه الزيدي.
مع أن المذهب الزيدي هو مذهب سني معتدل، تُدرس مؤلفات علمائه في كثير من الجامعات الإسلامية في الداخل والخارج.
والملاحظ أن الإعلام الصهيو-أمريكي، وكثيرًا من الإعلام العربي التابع له، وربما بغباء، بات يكثّف هذه الأيام ويغذّي الخلاف السني الشيعي، ويحاول إظهار إيران والشيعة بشكل عام أنهم أعداء السنّة.
مع أن هؤلاء الشيعة هم إخواننا في المعتقد والتاريخ المشترك، ومهما كان خلافنا معهم، فلن تصل أطماعهم بأي حال إلى ما وصلت إليه أطماع وأحقاد العدو الصهيوني والمحتل الأمريكي.
يجب ألا ننخدع مرةً أخرى. فقد خدعنا نفس الإعلام أثناء الحرب الباردة، عندما غرس في نفوس المسلمين العداء للاتحاد السوفيتي الشيوعي، فحاربناه بالوكالة عن الغرب.
فماذا جنينا الآن؟!!
لقد اختل توازن القوى في العالم، وثارت عشرات الحروب، وأُصبنا نحن العرب والمسلمين بالضعف والهوان، فاحتُلت أرضنا ونُهبت ثرواتنا.
ولا أستبعد سقوط كثير من العروش في عالمنا العربي، كما لا أستبعد أن نصبح في أوطاننا كالهنود الحمر في أمريكا، أقليات أمام الاحتلال الأجنبي، بعد أن يتم إبادة أغلبيتنا، ونُصبح نُعرف باسم "العرب السمر"، أقليات لا وزن لها بين أغلبية تحتل الأرض وتتملك بها إلى الأبد.
مرة أخرى، لا تنخدعوا بإعلامٍ يحاول أن يوهمنا بأن إخواننا الشيعة هم أعداؤنا. عدونا الحقيقي هو عدو الشيعة والسنّة معًا، العدو الذي استطاع أن يخدعنا أكثر من مرة، ونحن، بجهلنا وعواطفنا الساذجة، ننجرّ لما يريد دون تفكير أو حتى محاولة تفكير.
الأخ الرئيس: عهدناك خلال ثلاثة عقود من حكمك لهذا الوطن حكيمًا لا تقطع الشعرة التي بينك وبين الناس، إن شدّوها أرخيتها، فلا تقطعها في صعدة، فربما إن قطعتها، كانت سببًا في انفراط وحدة اليمن، وإنهاء مرحلة نظام عانينا من فساد بعض أركانه، إلا أننا لا نستطيع أن ننكر أنه كان يرأسه رجل فيه من التسامح والمحبة ما يجعل الخصوم يشهدون بذلك قبل المحبين.
قال تعالى:
﴿وإن جنحوا للسلم فاجنح لها﴾ وصدق الله العظيم.
والحوثيون إخواننا وأبناؤك، فإن جنحوا للسلم، فاصنع السلام معهم بالحوار، وبالحوار فقط، ولن تندم أبدًا. |