صنعاء نيوز/إيهاب مقبل -
شهد العراق خلال السنوات الماضية تصعيدًا في الهجمات التي تستهدف مواقع حساسة داخل البلاد، كان معظمها يرتبط بفصائل مسلحة تعمل تحت مظلة ما يُعرف بـ"المقاومة الإسلامية في العراق" و"سرايا أولياء الدم"، وهما من أبرز الفصائل التي ترفض الوجود الأمريكي في العراق. هذه الفصائل نفذت، خلال السنوات الماضية، العديد من العمليات عبر الطائرات المسيّرة والصواريخ، مستهدفة قواعد عسكرية ومطارات ومنشآت نفطية.
من هي المقاومة الإسلامية في العراق وسرايا أولياء الدم؟
🔹المقاومة الإسلامية في العراق هي تحالف يضم عدة فصائل مسلحة، معظمها متجذر في التيار الشيعي المدعوم من إيران، وتتمتع بخبرة كبيرة في استخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ الدقيقة.
🔹سرايا أولياء الدم هي واحدة من هذه الفصائل، معروفة بتنفيذ عمليات عسكرية تستهدف القوات الأمريكية والتحالف الدولي، بالإضافة إلى مواقع حساسة كالمطارات والمرافق النفطية.
🔹لا ارتباط رسمي مع الحشد الشعبي: رغم أن معظم هذه الفصائل ذات خلفية أيديولوجية مشتركة مع الحشد الشعبي، إلا أنها ليست مرتبطة رسميًا بقيادة الحشد الشعبي الحكومية، وغالبًا ما تعمل بشكل مستقل، مما يعقّد مسؤولية الدولة عن تلك العمليات.
تاريخ من العمليات السابقة
🔹نفذت سرايا أولياء الدم والمقاومة الإسلامية عدة هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ على قواعد أمريكية مثل عين الأسد في الأنبار، والحرير في أربيل، مستهدفة العسكريين والمعدات بهدف الضغط على القوات الأجنبية للانسحاب.
🔹هجمات على مطار أربيل سابقًا: في مناسبات متعددة، استهدف المطار بصواريخ وطائرات مسيرة، ما أدى إلى تدمير معدات وإصابات، مع رسائل واضحة للسلطات الكردية بعدم التوسع في التعاون الأمني مع واشنطن والتحالف الغربي.
🔹ضرب منشآت نفطية ومحطات كهرباء: شملت العمليات استهداف مصافي النفط وخطوط الأنابيب ومحطات الكهرباء، وذلك لتعطيل البنية التحتية وإثارة أزمات اقتصادية ومالية داخل العراق، وهو ما يتضح في هجمات مثل تلك التي تعرض لها مصفى بيجي مؤخرًا.
أهداف الهجمات الأخيرة
1. مصفى بيجي
🔹تعطيل البنية التحتية النفطية الحيوية لشل قدرة الدولة على تمويل نفسها.
🔹إضعاف الأمن الاقتصادي لزيادة الضغط على الحكومة المركزية.
🔹توجيه رسالة تحذير واضحة من قدرة الفصائل على ضرب العمق الاقتصادي.
🔹إثارة الرعب لدى المستثمرين والقطاع الخاص لمنع تطوير البنية التحتية النفطية.
🔹تقليل صادرات النفط العراقي وبالتالي التأثير على سوق النفط العالمي.
🔹خلق حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي لتعطيل خطط الإصلاح والتنمية.
🔹التأثير على توازن القوى بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان في مجال الموارد الاقتصادية.
🔹مصدر الهجوم المتوقع: المناطق الريفية في صلاح الدين، خاصة جبل مكحول، والذي يعد ملاذًا لفصائل المقاومة.
2. مطار كركوك
🔹استهداف الوجود العسكري والتحالف الأمريكي، وتقويض القدرة الأمنية في منطقة استراتيجية.
🔹التأكيد على النفوذ العسكري في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل.
🔹إظهار عدم قدرة قوات الأمن على حماية المنشآت الحيوية.
🔹خلق حالة من الفوضى الأمنية تضعف السيطرة الإقليمية وتعزز نفوذ الفصائل المسلحة.
🔹إعاقة حركة الدعم اللوجستي للتحالف الأمريكي وقوات الأمن.
🔹تقويض القدرات العملياتية للطائرات والتحالف الدولي في المنطقة.
🔹إرسال رسالة سياسية لكل الأطراف حول هشاشة الوضع الأمني في المناطق المتنازع عليها.
🔹مصدر الهجوم المتوقع: من مناطق صلاح الدين وشمال غرب كركوك، إذ تنتشر الفصائل المسلحة ذات الولاء للمقاومة.
3. مطار أربيل
🔹ضرب رموز السلطة الكردية والوجود الأمريكي في العاصمة الإقليمية.
🔹الضغط على حكومة إقليم كردستان لإعادة النظر في تحالفاتها السياسية والعسكرية.
🔹إرسال رسالة إقليمية ودولية بقدرة الفصائل المسلحة على استهداف العمق الكردي.
🔹تقويض الاستقرار السياسي والاقتصادي في الإقليم عبر هز ثقة الجمهور بالحكومة.
🔹إرباك التحالف الأمريكي ومنعه من تنفيذ مهامه بحرية.
🔹تعطيل حركة الركاب والشحن وتأثيره على الاقتصاد الإقليمي.
🔹خلق انقسامات داخلية بين القوى السياسية في كردستان حول التعامل مع التهديدات الأمنية.
🔹مصدر الهجوم المتوقع: مناطق مثل سنجار في نينوى أو مناطق أخرى يسيطر عليها حلفاء المقاومة.
من زاوية المقاومة: لماذا تُستهدف مطارات ومعسكرات التحالف الأمريكي؟
ترى فصائل "المقاومة الإسلامية في العراق" أن استهداف مواقع تضم قوات أمريكية أو تابعة للتحالف الدولي يُعد حقًا مشروعًا من وجهة نظرها، استنادًا إلى مبررات سياسية وأمنية وأيديولوجية، يمكن تلخيصها كالتالي:
1. الوجود الأجنبي "غير الشرعي": تعتبر الفصائل هذا الوجود خرقًا للسيادة العراقية، خصوصًا بعد تصويت البرلمان العراقي في يناير كانون الثاني 2020 على قرار يُطالب بخروج القوات الأجنبية، في أعقاب اغتيال القائدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.
2. الرد على عمليات الاغتيال الأمريكية: ترى المقاومة أن عمليات مثل اغتيال قيادات الحشد الشعبي تشكل "عدواناً" يجب الرد عليه، وتعتبر المواقع التي تُستخدم لإدارة أو تنفيذ مثل هذه العمليات أهدافًا مشروعة للرد.
3. رفض التواجد العسكري في كردستان: يُنظر إلى استمرار القواعد الغربية في أربيل ومحيطها، خصوصًا قاعدة التحالف في مطار أربيل، على أنه محاولة لإنشاء موطئ قدم استخباراتي وعسكري بعيدًا عن سيطرة بغداد، ما تعتبره الفصائل تهديدًا استراتيجيًا.
4. الضغط السياسي عبر العمليات النوعية: ترى الفصائل أن العمل العسكري هو وسيلة للضغط على الحكومة العراقية كي تسرّع خطوات إنهاء الوجود الأجنبي بشكل عملي، وليس عبر البيانات.
5. في ظل تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران في المنطقة، تعتبر هذه الفصائل أن وجود القوات الأمريكية في العراق يخدم مصالح خصوم "محور المقاومة"، ولذلك فإن استهداف تلك القوات يدخل ضمن "المعركة الإقليمية".
6. منع التجسس والاستخبارات الأجنبية: كثير من العمليات على مطارات كأربيل وكركوك تمت تبريرها بكون هذه المواقع تحتوي على أنظمة تجسس، أو تُستخدم من قبل وكالة الاستخبارات الأمريكية و"الموساد"، وفق بيانات أصدرتها هذه الفصائل سابقًا.
وبالتالي، من وجهة نظر المقاومة، فإن هذه العمليات ليست عشوائية، بل تُنفذ "بشكل مدروس" لضرب التواجد الغربي دون تعريض المدنيين للخطر، رغم أن بعض الهجمات تسببت بأضرار جانبية أحيانًا.
الأفق السياسي والأمني من منظور المقاومة:
في قراءة للأفق السياسي والأمني من وجهة نظر "المقاومة الإسلامية في العراق"، يتضح أن الهجمات الأخيرة لا تأتي كأعمال عبثية أو مجرد ردود فعل مؤقتة، بل تدخل في إستراتيجية متكاملة هدفها طرد القوات الأجنبية من الأراضي العراقية، وتثبيت معادلة جديدة للسيادة الوطنية، كما تراها تلك الفصائل.
ترى المقاومة أن العراق يعيش مرحلة انتقالية حساسة، تحاول فيها بعض الأطراف الغربية، وعلى رأسها أمريكا الشمالية، إعادة تثبيت نفوذها الأمني والعسكري عبر القواعد المنتشرة في كردستان ومناطق أخرى تحت ذريعة "محاربة الإرهاب"، في حين تعتبرها الفصائل محطات تجسس وتمركز عسكري دائم.
من هذا المنطلق، تسعى المقاومة إلى فرض معادلة ردع تمنع استخدام الأراضي العراقية كمنصة للعدوان على محور المقاومة، وتُجبر الحكومة العراقية على اتخاذ خطوات أكثر جرأة تجاه إنهاء الوجود الأجنبي. وتُعد الهجمات على مطار أربيل ومصفى بيجي ومطار كركوك جزءًا من هذه الرسالة، خصوصًا بعد فشل الجهود الدبلوماسية بتحقيق هذا الهدف، كما ترى المقاومة.
كذلك، فإن التصعيد يُفهم ضمن أفق أوسع مرتبط بالمواجهة الإقليمية مع الاحتلال الإسرائيلي والوجود الأمريكي في المنطقة، حيث ترى المقاومة العراقية نفسها جزءًا من منظومة الدفاع عن دول ومكونات محور المقاومة، سواء في لبنان أو فلسطين أو اليمن.
لذا فإن استمرار هذه العمليات، وفق عقيدة المقاومة، ليس تهديدًا للاستقرار بل خطوة لاستعادته، عبر تحرير القرار العراقي من الضغوط الخارجية وإعادة تعريف السيادة بما يتجاوز المفاهيم التقليدية المرتبطة بالحكومات فقط، لتشمل دور "الردع الشعبي" الذي تمثله فصائل المقاومة.
الاتهام الرسمي وخطأ الحكومة الكردية
رغم الأدلة غير المباشرة، فإن حكومة إقليم كردستان اتهمت الحشد الشعبي رسميًا بالمسؤولية عن الهجمات، مما أثار توترًا سياسيًا مع بغداد، حيث نفت الحكومة المركزية صحة الاتهام وطالبت بتقديم أدلة موثقة. الخطأ في هذا الاتهام يتمثل في:
🔹عدم وجود أدلة واضحة: الاتهام جاء في غياب تحقيقات مشتركة موثقة وعلنية.
🔹تصعيد سياسي غير محسوب: الاتهام المباشر للحشد الشعبي، وهو جزء من المؤسسة الرسمية، قد يزعزع الاستقرار السياسي والأمني في العراق.
🔹إغفال طبيعة الفصائل: حيث إن الفصائل المسلحة قد تنفذ عمليات بشكل مستقل وغير رسمي.
ضعف صحة الاتهام من الناحية الرسمية والقانونية
🔹غياب الأدلة المادية والرقمية: لم تُقدم حكومة كردستان أي أدلة ملموسة مثل تسجيلات اتصالات أو صور أقمار صناعية أو معلومات استخباراتية رسمية تثبت تورط الحشد الشعبي بشكل مباشر.
🔹عدم فتح تحقيق مشترك رسمي: وفق القوانين العراقية والدولية، يتطلب توجيه اتهام رسمي لقوة أمنية أو فصيل مسلح داخل الدولة فتح تحقيق مشترك بين الجهات المعنية (بغداد وأربيل)، وهو ما لم يحدث.
🔹المسؤولية القانونية تقع على الدولة: بحسب القانون العراقي، الحشد الشعبي هو قوة أمنية تابعة للدولة، وأي اتهام رسمي يجب أن يستند إلى إجراءات قانونية واضحة قبل تحميله المسؤولية.
🔹الاحترام للمعاهدات والاتفاقيات: يوجد اتفاقيات داخلية بين بغداد وأربيل تنص على التعاون الأمني، مما يجعل توجيه اتهام من جانب واحد بدون التزام بالإجراءات القانونية انتهاكًا لتلك الاتفاقيات.
🔹احتمالية استفادة سياسية: يشير بعض المحللين إلى أن الاتهام قد يحمل دوافع سياسية داخلية وإقليمية، ما يضعف مصداقيته القانونية ويحول القضية إلى أداة ضغط سياسية بدلاً من قضية أمنية محايدة.
الأفق السياسي والأمني بين بغداد وأربيل: أزمة ثقة وغموض في القرار السيادي
تشهد العلاقة بين بغداد وأربيل منعطفًا حادًا يتجاوز الخلافات التقليدية نحو أزمة ثقة عميقة، تُغذيها الهجمات الأخيرة بالطائرات المسيّرة، والاتهامات المتبادلة حول الجهات المنفذة، وتباين الأولويات في ملف السيادة والوجود الأجنبي.
ففي الوقت الذي تتمسك فيه حكومة إقليم كردستان بالتحالف مع القوات الأمريكية والغربية، وتعتبره ضرورة أمنية لدعم الاستقرار ومكافحة الإرهاب، تتبنى قوى "المقاومة الإسلامية في العراق"، ومعها طيف واسع من الكتل السياسية في بغداد، موقفًا مناقضًا تمامًا، ينادي بإخراج القوات الأجنبية من كل العراق، بما فيه كردستان، تطبيقًا لقرار البرلمان الصادر في يناير كانون الثاني 2020.
لكن الإشكال لا يتوقف عند التباين في المواقف، بل يمتد إلى الغموض في موقف الحكومة المركزية ذاتها. فرغم مرور أكثر من أربع سنوات على القرار البرلماني، لم تضع بغداد أي خارطة طريق ملزمة لإنهاء التواجد الأجنبي، ولم تُمارس ضغطًا جادًا على القوات الغربية، بل واصلت التنسيق الأمني المحدود معها في بعض المناطق.
هذا التردد في حسم الموقف، وعدم تقديم رؤية واضحة للسيادة الوطنية، أدى إلى:
🔹 إرباك في الداخل العراقي بين الجهات الرسمية والفصائل المسلحة،
🔹 وازدواج في القرار السيادي بين بغداد وأربيل،
🔹 وفتح المجال أمام الهجمات المسلحة كوسيلة لفرض المعادلات بالقوة.
من جهتها، سارعت حكومة أربيل إلى اتهام فصائل ترتبط بالحشد الشعبي بالمسؤولية عن هجمات أربيل الأخيرة، دون إجراء تحقيق مشترك أو تقديم أدلة مادية، وهو ما اعتبرته بغداد موقفًا سياسيًا متسرعًا يفتقر إلى السند القانوني، ويزيد من حالة الانقسام الوطني.
في ظل هذه التحديات، الملف الأمني بين بغداد وأربيل بات بحاجة ماسة لإعادة ضبط شاملة، على قاعدة واحدة:
(لا سيادة مع وجود أجنبي، ولا أمن مستدام دون وحدة القرار العسكري بين المركز والإقليم).
إن إعادة بناء الثقة بين الطرفين يجب أن تبدأ من التفاهم حول أولوية السيادة الوطنية، والعمل على تأسيس قيادة أمنية موحدة، والتخلي عن التعامل الأمني بمعايير مزدوجة أو اعتبارات إقليمية، لأن أي تهاون في هذا الملف لن يؤدي إلا إلى مزيد من التصعيد، وفقدان السيطرة على زمام الأمور في واحدة من أكثر المراحل حساسية في تاريخ العراق المعاصر.
انتهى
|