صنعاء نيوز/بقلم د أسامة آل تركي -
الحرية لا يعرف قيمتها إلا من فقدها
الحرية، كلمة تثير في النفس صورًا للسماء المفتوحة، للخيارات غير المقيدة، وللإمكانيات اللامحدودة. ومع ذلك، يظل معناها الحقيقي مجرد مفهوم نظري للكثيرين، غالبًا ما يتوارى خلف روتين الحياة اليومي والسعي وراء الملذات المادية. إنها هدية متأصلة في وجودنا لدرجة أننا نادرًا ما نتوقف لتقدير أهميتها العميقة - حتى، ربما، تُسلب منا.
تأمل حال من اختبروا غيابها: السجين المقيد خلف جدران باردة وعنيدة، أو المريض طريح الفراش في المستشفى، تُملي عليه كل حركة مرضه. في لحظات التقييد العميق هذه، يتجلى العذاب الحقيقي لفقدان الحرية. بالنسبة لهم، تصبح الأفعال البسيطة مثل المشي في الخارج، اختيار وجبة، أو قضاء الوقت مع الأحباء حلمًا بعيد المنال، تَوْقًا عميقًا لدرجة أنه قد يُذرف لأجله الدم بدل الدموع. إنه تذكير صارخ بأن قيود الحبس، سواء كانت جسدية أو طبية، تسلط الضوء على قيمة ما نعتبره أمرًا مسلمًا به.
مرارة الحرمان: حياة خلف القضبان
كيف يكون شعور السجين وهو حبيس تلك الزنزانة؟ إنه ليس مجرد فقدان للحرية الجسدية، بل هو حرمان شامل من كل مقومات الحياة الطبيعية. تخيل أنك لا تستطيع التواصل مع أصدقائك وأهلك إلا لمامًا، إن أتيحت لك الفرصة أصلاً، وأن كل كلمة وحركة تخضع للرقابة. تتلاشى القدرة على حل أبسط مشاكل الحياة اليومية؛ فكيف يمكنك إدارة أمورك المالية، أو دعم أحبائك، أو حتى اتخاذ قرار بشأن مائدة طعامك، وأنت محاط بالأسوار والقضبان الحديدية؟
السجن ليس مجرد مكان للاحتجاز، بل هو عالم خاص به، عالم مظلم وقاسٍ، حيث تُحرم الروح من الترفيه ومن أي مظهر من مظاهر الحياة المبهجة. لا شمس تشرق بحرية، ولا هواء نقي يتغلغل للرئتين، ولا صوت ضحكات الأطفال يصدح في الأرجاء. فقط الصمت الثقيل، وروتين قاتم، وشعور دائم بالعجز واليأس. في هذه الظلمات، يدرك السجين أن الحرية ليست مجرد حق، بل هي الهواء الذي يتنفسه، والشمس التي تدفئ روحه، والروابط الإنسانية التي تمنحه معنى لوجوده.
كثيرون منا، ممن أنعم الله عليهم بحرية الحركة والصحة والعافية، وبحرية رسم مسار حياتهم، يجدون أنفسهم مستائين بشكل غريب. قد نتذمر من مضايقات بسيطة، أو نتوق لما لا نملك، أو نشعر بالقيود بسبب إدراكات خاطئة. نفشل في إدراك الامتياز الهائل للاستيقاظ كل يوم مع القدرة على الاختيار، الحركة، التنفس بحرية، والتفاعل مع العالم بشروطنا الخاصة. هذا الإغفال الواسع الانتشار هو شهادة على مدى عمق نسج الحرية في نسيج حياتنا - لدرجة أنها تصبح غير مرئية، كالهواء الذي نتنفسه.
ولكن، إذا تدخل القدر وحرمنا من هذه الحريات الأساسية - سواء بسبب مرض مفاجئ، حادث غير متوقع، أو ظروف خارجة عن سيطرتنا - ستبدأ النحيب. الدموع، التي كانت تتدفق يومًا لخيبات أمل تافهة، ستنهمر الآن لخسارة عميقة لشيء حيوي للغاية، متأصل في طبيعة الإنسان: القدرة على أن تكون حرًا ببساطة. عندئذٍ فقط سندرك حقًا أن حرية المشي، العمل، الحب، والحلم دون قيود ليست مجرد راحة، بل هي جوهر الحياة التي تُعاش بكامل إمكاناتها.
دعونا لا ننتظر ظروفًا قاسية كهذه لتوقظ تقديرنا. لنزرع بدلاً من ذلك الشكر والامتنان للحظات غير المثقلة، وللأنفاس الصحية، وللفرص اللامحدودة التي توفرها الحرية. فبتقديرنا لهذه الهدية التي لا تقدر بثمن، نكرم حقًا قدسية الحياة البشرية ونحمد الله سبحانه وتعالي على النعم التي تنعم بها ايها الإنسان الحر والمعافة من الأمراض.
|