صنعاء نيوز/ نظام مير محمدي -
نظام مير محمدي
كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني
وأخيرًا حدث ما لم يكن القادة والمسؤولون في النظام الإيراني يحذرون منه على الدوام. ذلك أن الذي جرى بعد عدة عقود من التدخلات السافرة في المنطقة والمساعي السرية المشبوهة من أجل حيازة السلاح النووي، هو أن النظام يواجه شر أعماله أو كما يقول المثل: "انقلب السحر على الساحر!"
طوال أكثر من 4 عقود، كان النظام الإيراني يحرص على معالجة أوضاعه الداخلية المضطربة واحتمالات أن يتم سحب البساط من تحت أقدامه بأن يقوم بإثارة حرب أو أزمة خارج حدوده. وكان هذا الأسلوب مفيداً حتى عام 2023، عندما تجاوز النظام كل الحدود ولاعتبارات وطفق يلعب بنار غير تلك التي كان يلعب بها في الفترات السابقة. ولذلك فقد حدث ما لم يكن يتوقعه وينتظره النظام أبداً عندما تم نقل المواجهة والحرب الخارجية التي أشعل نارها في المنطقة إلى عقر داره.
وكان المنتظر والمتوقع دولياً أن يفهم هذا النظام ويستوعب الدرس الذي تم تلقينه، ولاسيما بعد سقوط الأسد وهزيمة وكيله حزب الله في لبنان، وأن يسلك نهجاً وأسلوباً أكثر واقعية وقرباً للعقل والمنطق فيما يتعلق بالمفاوضات الجارية المرتبطة ببرنامجه النووي. لكنه وكما لمس العالم كله، فإن هذا النظام ظل يعزف على تلك الأوتار التي صار العالم يسأم منها وحتى لا يطيقها. ولذلك حل ما حل ببرنامجه النووي عندما تم تدمير مواقع فوردو ونطنز وأصفهان. لكن المثير للسخرية والتهكم أن هذا النظام وبدلاً من أن يتعظ ويعمل على لملمة أسمال هزيمته القاسية، فإنه يقوم بتلاوة بيانات النصر على أنقاض الدمار الذي لحق به!
بيانات النصر المزعوم لهذا النظام الذي يعاني من أوضاع بالغة السوء ويعيش حالة من التخبط والتناقض في التصريحات والمواقف الصادرة عنه، تبددت وتلاشت. ذلك أنه وفي الأيام التي تلت الحرب، وبعد 46 عاماً من الترويج لـ"الأيديولوجية الفقهية" القائمة على مفهوم "الأمة"، وتحقير رموز "إيران القديمة"، وقمع "القوميين"، بل وقتل الكتاب والشعراء المعارضين تحت ذريعة "الغزو الثقافي لإيران الإسلامية"، نرى الولي الفقيه خامنئي يتشبث فجأة بـ"النزعة القومية الإيرانية". وصل به الأمر إلى حد أنه وفي مراسم عاشوراء الحكومية، أوصى منشداً حكومياً بأداء لحن نشيد "أي إيران" الوطني المسروق.
إقرار ضمني بالهزيمة: صحيفة حكومية تعترف بالأزمات المتجذرة
في هذا السياق، ومؤشراً على حجم الخسارة والاضطراب الداخلي، صدر تحليل لافت في صحيفة "هم ميهن" الحكومية بتاريخ 10 يوليو/تموز 2025 تحت عنوان "12 درساً من حرب الـ12 يوماً". هذا المقال يتناول محاور لوجستية، دفاعية، استخباراتية، اختراقية، ردعية، جودة القوة العسكرية للطرفين، والمصير النهائي لحرب الـ12 يوماً. ويبرز في محاور هذا التحليل اعتراف ضمني بوجود واستمرار أزمات عميقة ومزمنة بين حكم الملالي والشعب الإيراني.
لقد سعت الصحيفة، من خلال هذه المقالة، إلى تقديم سبل النجاة للمسؤولين في النظام بالاستفادة من تجارب حرب الـ12 يوماً. ولذلك، وضعت يدها على ثلاثة محاور كانت دائماً مصدراً للأزمات بين الحكم والشعب، وبين الحكم والعالم. إنها تريد أن يأتي النظام إلى "معمودية" هذه القضايا ويكف عن سلوكياته السابقة التي سببت الأزمات للشعب الإيراني وأشعلت الحروب لدول العالم.
1. إعادة تعريف مفهوم الوطن: اعتراف متأخر بالأخطاء الجوهرية في المحور الخامس من مقال "هم ميهن"، تتناول الصحيفة "أخذ العبرة من إعادة تعريف مفهوم الوطن". وخلاصته هي الاعتراف بأن "الولاء للأمة، القومية، وحب الوطن كان مهملاً" طوال عمر النظام الديني، وأن "نحن بحاجة إلى تدبير". الترجمة الصحيحة لهذا الاعتراف هي أن جغرافية إيران كانت حكراً على الهيمنة والاحتلال الديني-الفقهي-الولائي، وأن الأمر الوحيد الذي كان غائباً عن الحكم هو التعقل والتدبير والتفكير والحكمة. لقد اكتشفت هذه الصحيفة للتو، بعد 46 عاماً، أن "الوطن مفهوم قيم يجب إعادة تعريفه" وأنه "من خلال إعادة تعريف الوطن، يمكننا الوصول إلى مصالحة وطنية"! من هذه الاعترافات، يمكن بسهولة فهم سبب شعور ولي الفقيه الرجعي، بعد 46 عاماً من الجرائم تحت ستار الدين والأمة والولاية ضد القومية ومحبي الحرية، فجأة بألم الوطن وتكرار "إيران إيران" على لسانه.
2. التجاهل المزمن للرأي العام: أزمة الثقة الإعلامية في المحور التاسع، يتذكر المقال "ضرورة أخذ الرأي العام على محمل الجد". مؤلف المقال لا يجرؤ على ذكر تجربة 46 عاماً، وهي أن النظام القائم على "مبدأ ولاية الفقيه"، يعتمد أساساً على رأي الولي الفقيه، وأن آراء وأفكار الناس ليست سوى زينة لواجهة عروض النظام واستغلال دجالي لقمع المعارضين. في هذا السياق أيضاً، ليس لديه ما يقوله وهو واثق من أن الإعلام الوطني للنظام لن يقدم أي جديد: "لا يمكننا أن نتوقع الكثير من تلفزيوننا. الإذاعة والتلفزيون لا تتقبلان هذه النظرة [أخذ الرأي العام على محمل الجد]."
3. الحاجة إلى تغيير الرؤية الشاملة: "يجب غسل العيون" في المحور الثاني عشر، يقترح المقال علاجاً بعنوان "يجب غسل العيون". وهو أمر يعني في تحقيقه رفض البنية العقائدية والسياسية والدينية للنظام الولائي. بمعنى آخر، لقد أثبتت تجربة الـ46 عاماً أن النظرة الولائية-الدينية الشاملة للسياسة والاقتصاد والشعب الإيراني ولكل ما يشمل حياة البشر الاجتماعية، كانت سبباً لكل الجرائم والنهب وإشعال الحروب. هذه هي النظرة التي قادت النظام إلى هذا الوضع والموقف. ولذلك، تعلق الصحيفة آمالاً واهية على أن "الحرب التي خضناها، أظهرت لنا جميعاً أن معايير العديد من الأحكام والنظرات السياسية يجب أن تتغير".
تأثير هذه التحولات على الشعب الإيراني
ما يخص الشعب الإيراني، فإنه في الواقع يرحب بهذه المحاور الثلاثة؛ لأنه لو حدث شق بمقدار خط قصير في سياسة الانكماش والشمولية لنظام ولاية الفقيه، فإنه سيتصدع بشكل يجعل المجتمع المستعد والمترقب للفرصة الموعودة، يواصل البقية بنفسه حتى النهاية.
|