صنعاء نيوز علي ربيع - < العيد عيد العافية، وإذا عافاك أغناك، مثلان شاردان على ألسنة عامة الناس مع تنهيدة موجوعة تستقصي حزن اللحظة وتتوغل فيها، الأسعار المجنونة تسرق فرحة العيد، وسياط الأزمة اليمنية منذ ما يقارب سبعة أشهر طحنت الأسر الأكثر فقراً وأودت بمتوسطي الدخل، ولا حل إلا أن ينحي ساسة اليمن جنونهم تلطفاً بالناس ورحمة بهم.
< الرهان على الوقت يكاد يستنفد الرمق الأخير في بطارية الحيرة والمراوحة، وأخشى أن ينفد نهائياً لتواجه السلطة والمعارضة على حد سواء غضبة الجياع وخوفهم وجنونهم الصامت حتى الآن، لسنا في بلجيكا التي تعاني منذ أكثر من عام من أزمة سياسية أعاقت تشكيل حكومة حتى الآن بسبب خلاف الأحزاب السياسية الفلمنكية وتلك الناطقة بالفرنسية، ولسنا في لبنان الذي استطالت أزماته لكن عجلة العملة الصعبة مضت على ذات الوتيرة ، نحن في اليمن، مؤسساتنا هشة مع فساد يتمادى، وموارد لا تكاد تذكر وفاتورة احتياجات بشرية باهظة.
< ليبيا تسبح على بحيرة من النفط الفاخر، وسيتهافت العالم الرأسمالي وغير الرأسمالي لمداواة جروحها، وإن غلظت الفاتورة سيدفع الليبيون حتى آخر دولار خسره النيتو وحلفاؤه، ولسنا نحن ليبيا الثروة والسكان، لذلك نؤكد أننا في مأزق حرج ربما يتعامى عنه السياسيون وأمراء الحروب وأرباب التنفذ والهيمنة، وإن طال تعاميهم أكثر نخشى أن يتسع الخرق على الراقع وربما يتلاشى القميص برمته ولا يبقى لأحد منه ما يستر سوأته.
< عيد ليس ككل الأعياد، بمذاق الخوف ونكهة الترقب، ليس فيه إجازة ترفيهية في حديقة الحصبة، ولا على شاطئ عدني ساحر، عيد تحترق فيه أبين وترتعد تعز، وتترقب صنعاء أسوأ مخاوفها، عيد الجارة الجوف والشقيقة صعدة، وإن طال الأمد إلى عيد جديد فمن يدري كم ستصبح الأشلاء وكم ستتعدد الجروح النازفة!
لسنا في مناحة بالتأكيد، لكنها سطوة اللحظة، الناس يتوقعون منا ككتاب أن نكون على بصيرة لنقول لهم ما يودون سماعه أو يحلمون به، للأسف صرنا معهم على حصيرة الحيرة الواحدة، ونراهن فقط على أفضل ما يمكن أن تخطه أقلام الأقدار الإلهية، فجميع من ينتمي للجنس البشري في لحظة كهذه لا يملك سوى أن يقول يا الله.
< مكرهاً أخاك لا بطل، تنحى مبارك وامتطى بن علي بساط الأير باص ، ولا ندري ما سيؤول إليه حال العقيد القذافي، وسيغادر يوما ما الرئيس صالح الحكم، وبعد عقود ستدرك الجمهوريات العربية أنها هي هي مع فارق التوقيت فقط، مصارعة الحياة من أجل البقاء، لن تصبح مصر انجلترا ولا ليبيا إيطاليا ولا سوريا إسرائيل ولا اليمن ألمانيا، لأنها بكل بساطة بحاجة إلى ثورة على الثقافة التي تحكمها قبل أن تثور على حكامها.
< ليس لنوعية نظام الحكم علاقة بالرفاه المعيشي والتقدم الحضاري، ملكي، جمهوري، برلماني، الحزب الواحد، المسألة لها علاقة بالعلم والمعرفة والإرادة والنمط الثقافي المهيمن على الوعي، لن يتقدم العرب ما لم يتم الاعتراف بالإنسان الفرد محوراً للتنمية باعتبار عقله هو الثورة والثروة معاً، وما يستدعيه ذلك من متلازمات العدل والمساواة والقانون وإتاحة الفرص.
< فشل العرب منذ ما سمي بالنهضة العربية في تحقيق أي شيء من ذلك، اعتقلتهم طوباوية الثقافة الاجتماعية، فشلوا يساريين وقوميين ورأسماليين وانتهازيين، الجديد فقط أن الجمل أصبح (لاند كروزر) والحمار(مرسيدس) واستمرت القبائل في هيئة دول تتآمر على بعضها وتكدس الأسلحة ضد بعضها وشعوبها، في ظل إيمان وحيد بالثروة الريعية لتحقيق الرفاه الاستهلاكي، وفهم الإنتاج بأنه ليس سوى حاصل عدد براميل النفط.
< الصراع على السلطة نجت منه ملكيات ما بعد الاستعمار بفضل فائض الثروة، ووقعت فيه الجمهوريات ليس بسبب فائض الفقر وحسب، بل بسبب تصادم المفهوم مع المتجذر من الثقافة، بمعنى أن الوعي الفردي والجمعي للثقافة لا تزال تتنازعه سلطة الملك والإمام والشيخ والأب في لباس جمهوري.
< لذلك أعتقد، أن التغير الحضاري حتمية ثقافية بالمقام الأول، بدليل أن عراق ما بعد صدام حسين ومع فائض الثروة لم يكشف حتى الآن سوى عن الأسوأ، ومن المؤشرات الأولية يبدو أيضاً أن التعويل على نسخ (أردوغانية) في مصر وسوريا واليمن في الآتي من السنوات ليس سوى حلم باهت سيتبخر على صلابة الثقافة الاجتماعية التي لا تزال في حمى دائرة الشيخ في اليمن أومن يعادله في التسمية والأداء في البلدان الأخرى. |