صنعاء نيوز/ كتب/د.جهاد وادي -
في لحظةٍ فارقة من تاريخ اليمن، حين تتكالب الأزمات على الوطن من كل حدبٍ وصوب؛ يُفترض أن يكون المسؤول أقرب ما يكون إلى معاناة شعبه، حاضرًا في ميادين العمل، متنقلاً بين مواقع الخدمة، متابعًا لكل همسة أنينٍ تصدر من أفواه الجياع، لكن الصورة المقلوبة التي نشهدها اليوم تُثير الدهشة، وتُعمق من جراح وطنٍ مكلوم، أُنهك شعبه حتى العظم، بينما ينشغل بعض مسؤوليه بجولات استعراضية في المولات، والمطاعم الفاخرة، والفعاليات البروتوكولية الباذخة التي لا تمتّ للواقع بأدنى صلة.
لقد أصبح الوجع اليمني متجذرًا في تفاصيل الحياة اليومية: غلاء الأسعار، انهيار العملة، تفشي البطالة، غياب الخدمات الأساسية، وإيقاف العملية التعليمية في المدارس الحكومية دون حلول تلوح في الأفق، ومستقبل ضبابي يلف جيلاً كاملاً، في مقابل هذا المشهد القاتم، يظهر بعض المسؤولين على الشاشات ووسائل التواصل الاجتماعي مبتسمين، يتجولون في المراكز التجارية، يتباهون بظهورهم المصور، كأنهم يعيشون في بلد آخر غير ذاك الذي تنهشه الحرب والفقر المدقع، حيث أصبح فيه الإنسان اليمني لا يستطيع تأمين الحد الأدنى من احتياجاته الأساسية.
ليس الحديث هنا انتقادًا لمجرد التنقل أو الظهور العام، ولكن السؤال الجوهري أين الأولويات؟ وأين الإحساس بالمسؤولية؟ هل صار الوطن مجرد خلفية مناسبة لالتقاط الصور، بينما يغرق المواطن في طوفان الاحتياجات المؤجلة والحقوق المنسية؟ فالوطن الذي ضحى أبناؤه بدمائهم في الجبهات، والذين يُكابدون في صمت مرير لتأمين لقمة عيش كريمة، لا يستحق أن يُدار بعقلية الترف والظهور الشكلي، إنه بحاجة إلى مسؤولين يقتربون من الناس لا من عدسات الكاميرات؛ إلى رجال دولة، لا مجرد وجوه تُجيد التوقيع على القرارات وتتفنن في الحضور إلى المناسبات.
اليوم أكثر من أي وقت مضى تحتاج اليمن إلى صحوة ضمير ووقفة صادقة أمام الذات، المسؤول الحقيقي ليس من يكثر من التصريحات، بل من يقلل من معاناة الناس، ليس من يبحث عن الضوء، بل من يضيء الطريق للآخرين في عتمة الأزمات.
ختامًا سيبقى الوطن رغم جراحه يئن وينتظر، لعل في قادم الأيام من يسمع أنينه ويعيد ترتيب الأولويات، فالأوطان لا تُبنى بالزيارات الترفيهية، بل تُرمم بهمّة الأوفياء العاملين بصمت وتفانٍ من قلب الميدان.
*أستاذ العلاقات العامة والإعلان المساعد ـ كلية الإعلام، جامعة عدن
|