صنعاء نيوز/ احمد الشاوش -
الثلاثاء, 22-يوليو-2025
بقلم/ احمد الشاوش
لفت نظري في الفترة الاخيرة الكثير من المشاريع الاستثمارية والمنتجات الوطنية في مجالات الصناعة والزراعة والثروة الحيوانية والسمكية والمواد الغذائية والعصائر والمشروبات الغازية والمنسوجات والجلود وانتاج الدواء وكذلك المشاريع الاسرية والمنزلية المختلفة وغيرها من المنتجات المحلية التي كُتب لها النجاح رغم الازمات والعواصف والتحديات الاقتصادية الكبيرة والتنافس في الثبات وفتح أسواق جديدة رغم أغراق الاسواق بالبضائع والمنتجات والصناعات الخارجية.
وتظل الارادة الحرة والقرارات المصيرية والاهداف النبيلة هي المحك والمحرك الرئيس في تأسيس البنية التحتية والمضي في التنمية الصناعية وعجلة الانتاج المواكبة لاحتياجات السوق وتحقيق الرؤى والمشاريع الاقتصادية وتوطين الصناعات اليمنية ودعمها وتشجيعها وتوطينها بدلاً عن المنتج الخارجي وصولاً للاكتفاء الذاتي ودخول عالم المنافسة كضرورة قصوى تحت شعار " نكون أو لا نكون".
والشعور الايجابي ان استثمار الراسمال الوطني يأتي في ظروف استثنائية صعبة ومخاطر كبيرة واليمن تعاني من صراع داخلي وعدوان خارجي عطل الكثير من المشاريع ومنجزات التنمية وحاول أغراق الاسواق بمنتجات غير مطابقة للمواصفات ، ورغم ذلك الا ان المستثمر اليمني وضع اللبنة الاولى للعديد من المشروعات بارادة ووسط مخاطرة بلا حدود على المستوى المحلي ودخل سوق المنافسة الاقليمية والدولية ملتزماً بالمعايير والمواصفات والشروط ، بجودة وجدارة وثقة وسمعة طيبة وسعر منافس تلبية لميول ورغبة المستهلك اليمني والاجنبي ، وهناك مجموعات وشركات يمنية رائدة ذاع صيتها عبر الآفاق.
وسائل الاعلام ودعم المنتج الوطني:
والحقيقة التي يدركها الجميع مع الاسف الشديد ان الصناعات والمنتجات الوطنية اليمنية المتعددة والمختلفة رغم جودتها ومنافستها على مستوى السوق المحلي والاقليمي والدولي ، الا انها تعاني من غياب وتغييب وسائل الاعلام الحكومية المختلفة من القنوات الفضائية والاذاعية والصحف والمواقع الالكترونية وتغطية الفعاليات والمؤتمرات والمعارض والمناسبات لتسليط الضوء على المنتج اليمني وأهميته وجودته وتسويقه ومنافسته وأسعاره المعقلولة ، حتى وصل الامر الى خلوا خارطة برامج القنوات الفضائية من عمل برامج خفيفة أو ارشادات وفلاشات تدعوا الى تشجيع المنتج الوطني ، في الوقت الذي تواجه فيه اليمن تحديات أقتصادية جمة وتتزايد فيه الحاجة لدعم كل ما هو محلي في ظل وجود المواد الخام والعمالة الرخيصة لتعزيز الصمود وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
وهنا يبرز التساؤل الكبير للحكومة .. أين دور الاعلام اليمني ووسائله والمواقع الاخبارية والتواصل الاجتماعي التي لابد أن يكون لها رسالة وطنية في التغطية ، ولماذا لا تزال وسائل الاعلام خارج أطار التغطية في قضية مصيرية تتعلق بدعم المنتج الوطني في معركة التسويق والمنافسة بما يعود على المستثمر والمستهلك والوطن بالخير؟.
والمتابع للمشهد الإعلامي اليوم يلاحظ ضعفاً لافتاً في التركيز على المنتج المحلي ، فبرامج التنمية الاقتصادية المخصصة للصناعة والزراعة الوطنية وغيرها نادرة ، والمساحات الممنوحة للمنتجات المحلية محدودة وحتى المحتوى التحريري الذي يسلط الضوء على قصص نجاح الصناعيين والمزارعين اليمنيين يكاد يكون شبه معدوم.
في حين ان شاهد الحال في دول العالم يؤكد أن وسائل الإعلام في أي مجتمع هي شريك استراتيجي في التنمية ، لكن الحقيقة ان الساحة الإعلامية اليمنية بمعظمها تبدو وكأنها في عزلة عن هذا الملف الحيوي ، تاركةً المنتج الوطني يتيماً في معركة التسويق وبناء الوعي المجتمعي.
هذا الغياب الاعلامي الملفت للنظر لا يقتصر على قنوات أو منصات معينة، بل هو ظاهرة عامة.. فالأخبار السياسية والصراعات تستحوذ على الجزء الأكبر من التغطية لخلل في الخارطة البرامجية أو تقصير ، بينما تظل قضايا الاقتصاد والتنمية ، وتحديداً دعم المنتج الوطني ، في ذيل الأولويات ، نتيجة للتهميش الذي يترك فراغاً كبيراً في المشهد ، ويُفوت فرصة ذهبية للإعلام ليكون قاطرة للتنمية.
نرى أن غياب وضعف الدور الاعلامي التوعوي يرجع الى :
ضعف الوعي بأهمية الدور: حيث قد لا يدرك الكثير من القائمين على الإعلام حجم المسؤولية المناطة بهم في دعم الاقتصاد الوطني ، أو يرون أن دورهم يقتصر على التغطية السياسية أو الاجتماعية البحتة.
قلة الكوادر المتخصصة :
تفتقر بعض وسائل الإعلام للكوادر الصحفية والاقتصادية القادرة على تحليل قضايا الإنتاج الوطني وتقديمها بشكل جذاب ومؤثر للجمهور.
التركيز على الربح السريع :
تفضل بعض القنوات التركيز على الإعلانات ذات العائد المادي المرتفع ، حتى لو كانت لمنتجات مستوردة ، بدلاً من تخصيص مساحات لدعم المنتج المحلي الذي قد لا يمتلك ميزانيات إعلانية ضخمة.
الأجندات التحريرية : تفرض بعض الأجندات التحريرية أو السياسية قيوداً على مساحة التغطية الاقتصادية ، أو توجّهها نحو قضايا محددة.
الدور المناط بالإعلام : قوة بناء لا تدمير ، فالدور الحقيقي لوسائل الإعلام في دعم المنتج الوطني لا يقتصر على الإعلان التجاري ، بل يتجاوز ذلك ليشمل:
بناء الثقة والوعي : تعزيز ثقة المستهلك اليمني بالمنتج الوطني ، وتغيير النظرة النمطية السلبية التي قد تكون تكونت لدى البعض.
الترويج الإيجابي : ويتجلى في تسليط الضوء على قصص نجاح الصناعيين والمزارعين اليمنيين ، وإبراز جودة منتجاتهم ، ومدى مساهمتها في الاقتصاد وتوفير فرص العمل وأمتصاص البطالة.
الوساطة والتسويق : ربط المنتجين بالمستهلكين ، وعرض أماكن توافر المنتج ، وتشجيع المبادرات التي تدعم الشراء المحلي.
المساهمة في تحسين الجودة : من خلال نقل ملاحظات المستهلكين وتقديم النقد البناء الذي يهدف إلى تطوير المنتج.
حماية المنتج الوطني : من خلال كشف أي ممارسات ضارة (مثل الإغراق أو الغش التجاري) التي تؤثر سلباً على الصناعات المحلية.
الدعوة للسياسات الداعمة : الضغط على الجهات الرسمية لسنّ قوانين وتشريعات تدعم المنتج الوطني وتحميه.
نحو إعلام واعٍ ومسؤول : دعوة للنهوض
إن المرحلة الراهنة تتطلب من وسائل الإعلام اليمنية مراجعة شاملة لأولوياتها التحريرية والتجارية ، وعليها ان تُدرك أن دعم المنتج الوطني ليس مجرد مهمة إضافية ، بل هو جزء أصيل من مسؤوليتها المجتمعية والوطنية ، خصوصاً في ظل الظروف التي يمر بها اليمن.
ولتفعيل هذا الدور لابد من إطلاق برامج وحملات إعلامية متخصصة عن الصناعات والزراعات الوطنية وتخصيص مساحات للمنتجات المحلية ، خاصة للصناعات الناشئة والصغيرة ، وتدريب الكوادر الإعلامية على التغطية الاقتصادية والتنموية ، وبناء شراكات بين وسائل الإعلام والجهات المعنية (مثل وزارة الصناعة ، وزارة الزراعة ، الغرف التجارية ، الجمعيات التعاونية) لوضع خطط إعلامية متكاملة لدعم المنتج الوطني.
أخيراً .. نفتخر بقيام بعض رجال الاعمال اليمنيين بالاستثمار في الكثير من مجالات الصناعة والزراعة والثروة الحيوانية ومنتجات الدواء ، والبُن والحليب والالبان الطازجة ، والزيوت والنسيج والاحذية والجلديات والملابس والعصائر والمشروبات الغازية والبسكويتات والمعلبات المتنوعة ومواد البناء ، لاسيما في ظل وجود المواد الخام والفواكة والخضروات على مدار الفصول الاربعة.
وما يشجع رجال الاعمال في استثمار الصناعات والمنتجات الوطنية لابد من وجود بنية تحتية تواكب روح العصر وبيئة آمنة ومستقرة تلبي تطلعات المستثمرين من خلال سن التشريعات القانونية الملائمة والتسهيلات والحوافز المشجعة التي تدفع التجار للاستثمار في وطنهم بدلاً من هروب رأس المال الوطني الى الخارج .
لذلك فأن صمت الشاشات والأقلام الوطنية عن دعم المنتج الوطني هو "غرامة" تُدفع من اقتصاد الوطن ومستقبل أبنائه ، وحان الوقت لتُدرك وسائل الإعلام أن "لا ملك" (لا سيادة اقتصادية) لليمن إلا إذا أخذت على عاتقها دورها الريادي في تعزيز الثقة بكل ما هو يمني، لتصبح شريكاً حقيقياً في بناء وتطوير الصناعات والزراعات الوطنية.
[email protected]