صنعاء نيوز/ عمر دغوغي الإدريسي -
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية
[email protected]
https://web.facebook.com/dghoughiomar1
في زحمة الحياة وضوضاء المصالح، كثيرًا ما يضيع صوتٌ خافت داخل الإنسان، صوت لا يُسمع بالأذن لكنه يُحَسّ في الصدر، يُعاتبنا حين نخطئ، ويشجعنا حين نحسن.
إنه الضمير، ذاك القاضي الصامت الذي يسكن داخل كل فرد، يتأرجح بين الصمت واليقظة، بين الغفلة والانتباه
في هذا المقال، نتأمل في حالة الضمير حين يخفت أو يستيقظ، وكيف يؤثر ذلك على الإنسان والمجتمع
أولًا: ما هو الضمير؟
الضمير هو وازع داخلي أخلاقي، أشبه ببوصلة توجه الإنسان إلى الخير وتُبعده عن الشر، بغض النظر عن المراقبة الخارجية أو العقاب الاجتماعي
هو قدرة ذاتية على التمييز بين الصواب والخطأ، نابعة من الإيمان، التربية، القيم، والتجربة الإنسانية
ثانيًا: متى يصمت الضمير؟
يصمت الضمير حين:
يتكرر تجاهل صوته: كأن يُخطئ الإنسان ويُبرر لنفسه الخطأ مرارًا حتى يعتاده
يطغى الطمع والأنانية: فيبيع الإنسان قناعاته مقابل مصلحة مادية أو منصب
ينشأ الإنسان في بيئة تقتل الوعي الأخلاقي: حيث يغيب القدوة، ويسود الكذب والغش دون محاسبة
يبرر الإنسان لنفسه الانحراف بقواعد ملتوية: مثل "الجميع يفعل ذلك"، أو "أنا مضطر
الصمت هنا لا يعني موت الضمير، بل اختناقه، تهميشه، وربما تخديره مؤقتًا لكنه يبقى موجودًا، يُراقب من بعيد، ينتظر لحظة يقظة.
ثالثًا: متى يستيقظ الضمير؟
يستيقظ الضمير غالبًا في لحظاتٍ صادقة، منها:
بعد الخطأ: حين يهدأ الضجيج ويختلي الإنسان بنفسه
أمام مشهد ظلمٍ لا يُحتمل: فيوقظه الإحساس بالمسؤولية
عند التأمل أو التوبة: حين يُراجع الإنسان ماضيه ويدرك حجم ما أهمله
حين يرى عواقب فعله: كأن يرى أثر كذبه، أو ظلم من خذله
وفي كثير من الأحيان، يكون الضمير هو أول من يُعاقبنا قبل أن يُعاقبنا القانون أو الناس
رابعًا: صراع بين الضمير والواقع
في الحياة الواقعية، يعيش الإنسان بين صوت ضميره من جهة، وضغوط الحياة والبيئة من جهة أخرى
العامل الذي يُجبر على التزوير ليس بالضرورة بلا ضمير، لكنه في صراع
الطالب الذي يغش قد يكون مدفوعًا بالخوف أو اليأس، لا بانعدام الوازع
المسؤول الذي يسكت عن الفساد قد يكون مُهددًا أو خائفًا من فقدان منصبه
لكن الصراع لا يُبرر الخضوع الدائم فالضمير لا يستسلم بسهولة، بل يعاني بصمت، وقد ينهض فجأة ليفرض وجوده.
خامسًا: لماذا يجب أن نُبقي الضمير يقظًا؟
لأنه الضمانة الأولى لأن نبقى بشرًا في تعاملاتنا
لأنه يُرشدنا إلى الحق دون انتظار القانون
لأنه يُربّي داخلنا القدرة على الاعتذار، على الإصلاح، على قول "لا" للخطأ
لأنه يعيدنا إلى الطريق الصحيح حتى بعد الانحراف
المجتمعات تنهض إذا استيقظت الضمائر، وتنهار حين تموت
الضمير ليس كيانًا جامدًا هو حي، يتنفس، ينام أحيانًا لكنه لا يموت في كل واحد منا ضمير ينتظر أن يُصغى له، أن يُستعاد صوته، أن يُصبح النور الداخلي الذي نهتدي به.
في عالمٍ يتكلم فيه الجميع، الضمير هو الصوت الوحيد الذي يجب ألا يصمت
فاسأل نفسك بصراحة: هل ضميرك نائم… أم يقظ؟