صنعاء نيوز/ نظام مير محمدي -
نظام مير محمدي
كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني
لم تكن حرب الأيام الـ12 بين إسرائيل والنظام الإيراني مجرد مسرح لعرض نتائج السياسات قصيرة النظر وغير الحكيمة للجهاز الحاكم في البلاد، وعلى رأسه علي خامنئي؛ بل كشفت هذه الحرب بوحشية أيضاً عن عدم كفاءة وهشاشة الآلة العسكرية باهظة التكاليف أمام الجميع. كما أن هذه الحرب وما تلاها من أيام، في الساحة الاجتماعية، أبرزت مرة أخرى وبشكل أوضح من أي وقت مضى، الاصطفاف الكبير لنظام ولاية الفقيه والحدود التي رسمها لتحديد الصديق والعدو، أمام أنظار المجتمع وحكمه.
حرب الأيام الـ12: كشف الطبيعة الحقيقية للعدو الداخلي
لقد أظهرت ظروف الحرب بوضوح تام عجز وعدم كفاءة السلطة في إدارة عواقب سياساتها الداعية للحرب. ففي السنوات الـ36 التي قضاها خامنئي والحرس الثوري في بناء أنفاق محصنة ومضادة للقنابل في أعماق الأرض لـ"مدن الصواريخ" و"شلالات الطرد المركزي"، لم يفكروا ولو للحظة واحدة في تخصيص الوقت والمال لبناء الملاجئ، وتوفير أنظمة الإنذار، وإمكانيات العلاج والإيواء في حالات الطوارئ، وبرامج التخزين لتأمين الاحتياجات الأساسية والوقود والطاقة. لقد اعتبروا في الحرب التي كانوا يعدون لها، شعب هذه الأرض جزءاً من "الخسائر التي لا مفر منها"، وكأن الأمة مجرد وقود لألسنة نيرانهم الحربية.
إن اللامبالاة المطلقة بوضع المجتمع في ظروف الحرب، كانت سياسة معروفة ومستمرة لنظام ولاية الفقيه طوال فترة حكمه. كما كان الحال في حرب السنوات الثماني بين إيران والعراق، تحت شعار "الدفاع المقدس" و"طريق القدس عبر كربلاء"، حيث فُرض الوضع ذاته على الشعب الإيراني. في هذه الفترة الطويلة والشاقة، جُرّ المجتمع الإيراني إلى أقصى درجات البؤس، لأن ثرواته وموارده إما تُنفق على فساد الجهاز الحاكم، أو تُلقى في أتون التكاليف النووية والصاروخية، والتدخل في شؤون الدول الأخرى، ورسم خطوط في سواحل البحر الأبيض المتوسط، ودفع مبالغ طائلة للمرتزقة بالوكالة.
وبدلاً من حماية المواطنين من الهجمات الجوية الإسرائيلية، استخدم النظام الحاكم كل طاقاته وأجهزته الأمنية والعسكرية لخنق أصوات الاحتجاجات، ومنع وصول الأخبار والمعلومات الحيوية، وزيادة القمع والإعدامات.
منذ اليوم الأول لبدء الاشتباك العسكري مع إسرائيل في 13 يونيو، زاد الجهاز الحاكم ضغوطه القمعية تدريجياً. تم تقييد الوصول إلى الإنترنت؛ وانتشرت قوات مكافحة الشغب في شوارع طهران والعديد من المدن؛ وبدأت الأجهزة العسكرية-الأمنية والقضائية في تهديد المواطنين. بعد ذلك، شرعت السلطة في ملاحقة واعتقال منتقدي الحرب ومعارضيها على مستوى البلاد، وهو ما لا يزال مستمراً. وقد أُنشئت نقاط تفتيش في العديد من مدن البلاد، وبذريعة "التجسس" تم اعتقال الآلاف، وأُعدم عدد منهم.
كل هذه التدابير تشير إلى قلق متزايد لدى النظام الحاكم من الانتفاضة الشعبية وسحقها. للوصول إلى هذه الحقيقة، لا تحتاج مراكز الفكر التابعة للنظام والحرس الثوري إلى الكثير من البحث؛ فمجرد نظرة على حجم الاحتجاجات الشارعية للعمال، والمتقاعدين، والممرضين، وسائقي الشاحنات، والمعلمين، والمهن والحرف الأخرى، تضع الإمكانات الاجتماعية للانتفاضة أمام أعينهم.
على سبيل المثال؛ بعد أيام قليلة فقط من إعلان وقف إطلاق النار في الحرب الخارجية، ولكن استمراراً لحرب النظام ضد الشعب، قُتل شابان في مدينة همدان تحت وابل أسلحة عناصر القمع. سرعان ما تحولت مراسم دفنهما إلى مسيرة احتجاجية ضد النظام. وقد رفع أهالي همدان شعار "عدونا هنا، يكذبون ويقولون أمريكا"، مما رفع مستوى الوعي الموجود في المجتمع، حول طبيعة وتوجهات سياسات نظام خامنئي الأمني المتطرف، درجة نوعية.
هذا الشعار الاحتجاجي هو إعلان شائع ومنتشر في معظم الحركات الاحتجاجية السياسية، والنقابية، والمدنية في جميع أنحاء إيران، بحيث يشكل سداً منيعاً أمام خداع النظام، والفقر والبؤس الاجتماعي، وعدم كفاءة وفساد قادة الحكم الذين يحاولون تقديم "العدو" كبلد أو بلدان أخرى.
دجل وتغيير وجه الجهاز الحاكم وأهدافه
مع بدء الحرب وبعد حالة الذهول والارتباك الناتجة عن الضربات المتلقاة، غيّر النظام جلده وارتدى ثوب "حب إيران" و"الوطنية" و"الأمة الإيرانية" بدلاً من "الأمة الإسلامية"، ووجّه آليته الدعائية نحو المضامين القومية. كان الهدف الأول من هذه المحاولات المخادعة هو التهرب من المسؤولية ودوره الحاسم في جر الحرب إلى إيران.
إن زيف وادعاء "حب إيران" من قبل الاستبداد الديني بين عشية وضحاها، لم يسفر إلا عن فضيحة خامنئي ومادحه المتملق الذي يضرب على رأسه بالسيف.
الولي الفقيه للنظام، الذي خرج من مخبئه لساعات بعد 22 يوماً، طلب من مادحه المكروه والمتملق أن يغني نشيد "إيران". لكن هذا النشيد-الترنيمة قد غُيرت طبيعته بشكل قبيح للغاية وغير متناسق مع المضامين الدينية والحكومية، وتحول إلى رثاء مزعج. ولهذا السبب، غرق مزيفو هذا النشيد-الترنيمة في موجة من السخرية الاجتماعية.
كان الهدف الثاني هو احتواء غضب المجتمع تجاه الكارثة التي أنزلها الجهاز الحاكم به. فبعد أربعة عقود من الحياة الصعبة والمضنية تحت آثار وتداعيات الأزمات الخارجية للسلطة، وفي حين تجاوزت عملية المعاناة اللامتناهية للشعب حدود الجحيم المتمثلة في عدم توفر الماء والكهرباء والطاقة، منحت الحرب استياء واحتجاجات الشعب قوة وطاقة مضاعفة. إن إضافة حرب غير مرغوبة إلى الظروف المتردية للعمل والحياة الصعبة، كانت آخر كابوس يمكن أن يواجهه الفقراء والشرائح ذات الدخل المنخفض والمجتمع الذي يضم عشرات الملايين تحت خط الفقر.
الكلمة الأخيرة
المجتمع الواعي يعرف عدوه، ويحمل التكاليف التي دفعها ولا يزال يدفعها على حساب الاستبداد الديني. في هذا السياق، فإن الوضع الراهن وتطوره لا يصب في مصلحة خامنئي وحرسه. لقد ضعفوا تحت ضربات حرب الأيام الـ12؛ وقد تم إقصاء رأس الجهاز العسكري-الأمني؛ والسلطة لا تملك بوضوح القدرة على مواجهة "العدو الخارجي" ولا هي قادرة على تعويض الخسائر البشرية والتنظيمية والمادية التي تكبدتها. النظام، وعلى وجه الخصوص شخص خامنئي، في حالة ذهول وارتباك تحت ضغط تسارع الأحداث والضربات التي تلقاها، ولم يعد قادراً على الحفاظ على حدوده السياسية وعرض قوته الزائفة كما في السابق. كل العلامات تشير إلى أن يوم محاسبة الشعب للحكام الغاصبين يقترب أكثر فأكثر، وأن الأعداء الحقيقيين للنظام الظالم والقمعي وناهب الثروات الوطنية، أي جميع شرائح الشعب الإيراني، يستعدون للمعركة النهائية.
|