صنعاء نيوز/ - إيهاب مقبل
يحبّ حزب الديمقراطيين السويديين (Sverigedemokraterna – SD) أن يقدّم نفسه كصوت "الشعب النقي" ضد "نخبة فاسدة"، وكحارسٍ لقيم النزاهة السويدية أمام ما يصفه بـ"تدهور القيم" بسبب الهجرة، خصوصًا من البلدان العربية والإسلامية. يصرّ الحزب على أنه البديل الأخلاقي عن أحزاب التيار الرئيسي، وأنه الصوت الحازم ضد الفساد وسوء استخدام المال العام.
لكن الوقائع تكشف ما هو أبعد من النفاق السياسي. إنها تُظهر نموذجًا ممنهجًا من التلاعب، والفساد، والازدواجية الأخلاقية، ما يُسقط القناع عن هذا الحزب الذي طالما هاجم المسلمين والعرب بوصفهم "تهديدًا ثقافيًا"، بينما تكشف ملفات الحزب نفسه عن ممارسات تُهدر المال العام، وتخدع الدولة، وتوظف السلطة لأهداف شخصية أو حزبية ضيقة.
النزاهة في الشعار... والأنابيب الحديدية في الشارع
منذ الفضيحة الشهيرة في العام 2010، حيث شوهد ثلاثة من قادة الحزب يحملون أنابيب حديدية في شجار في شوارع ستوكهولم، ويطلقون شتائم عنصرية ضد مارة من أصول مهاجرة، بدأت الصورة الحقيقية للحزب تتضح. لم يكن هذا "حادثًا فرديًا"، بل تمهيدًا لنمط متكرر من العدوانية المقنّعة بثوب وطني.
كيف لحزب يدعي الدفاع عن "القيم السويدية" أن يُنتج مثل هذا السلوك العنيف والتمييزي من نخبه البرلمانية؟ والسؤال الأهم: كيف لمجتمع ديمقراطي أن يقبل بشعارات تنادي بالنزاهة بينما حاملوها يتخبطون في مستنقعات الفساد؟
عشر قضايا فساد تكشف التناقض البنيوي:
1. فضيحة الأنابيب الحديدية Järnrörsskandalen: في العام 2010 وقع الحادث الفعلي، حين ظهر كبار قادة الحزب "أيريك ألمكفيست" و"كينت إيكروث" و"كريستيان ويستلينغ" في فيديو يُشيعون شتائم عنصرية، ويستخدمون أنابيب حديدية خلال شجار ضد مارة من أصول مهاجرة. الكارثة الإعلامية انفجرت في نوفمبر تشرين الثاني 2012، حين تم نشر اللقطات، ما أجبر ألمكفيست على الاستقالة من جميع مناصبه بحلول ديسمبر كانون الأول 2012.
2. تزوير فواتير للحصول على تمويل: في العام 2011، كشفت تحقيقات أن أعضاء بارزين في الحزب، بمن فيهم زعيم الحزب "جيمي أوكسون"، قد استخدموا أحبار لتزوير أسماء جهات في الفواتير المقدمة للحصول على دعم رسمي من لجنة تمويل الأحزاب، بهدف الحصول على دعم إضافي بشكل غير شرعي.
3. تهميش مَن يكشف الفساد: النائبة "حنا فاي" كشفت في 2014 عن اختلاس زميل لها لأموال حزبية. رغم خطورة الاتهام، لم تحظَ قضيتها بتحقيق مستقل، بل وُجهت إليها تهم شيطنة داخل الحزب، واضطرت لمغادرة البرلمان في 2015 بعد إحساس بالإقصاء السياسي وعدم محاسبة الفاعل.
4. مارتين كينّونين احتيال مالي وإدانة: بتاريخ 29 سبتمبر كانون الأول 2015 وُجهت إلى مارتين كينّونين تهم تتعلق بتزوير فواتير وضرائب نيابة عن شركتين مرتبطتين بـSD. برّأته المحكمة الابتدائية في فبراير شباط 2016، لكن في 6 ديسمبر كانون الأول 2016 أدانت محكمة الاستئناف كينّونين بالغش المحاسبي، وفرضت عليه غرامة نحو 84 الف كرون، بينما حُكم على الشركة بغرامة 300 ألف كرون.
5. بيتر فالمارك توظيف مزدوج ذاتي: في بلدية ستوكهولم، عيّن بيتر فالمارك نفسه سكرتيرًا سياسيًا بينما شغل منصبًا قياديًا محليًا مدعومًا من البلدية، ما أكسبه راتبين في العام 2020. الخطوة أثارت نقاشًا حادًا حول ازدواجية التخصيص المالي في زمن يهاجم فيه الحزب اللاجئين لكونهم “يعتمدون على الدعم”.
6. فضيحة دعم مالي مزدوج: في العام 2022، ظهرت تقارير إعلامية حول فضيحة مالية محتملة داخل حزب الديمقراطيين السويديين، حيث تم الكشف عن أن سكرتيرة سياسية في منطقة فيرملاند التابعة للحزب، تلقت راتبًا حكوميًا من البلدية إلى جانب مخصصات دعم كناشطة حزبية. هذا التناقض في التمويل أثار تساؤلات حادة حول مدى التزام الحزب بمبادئه التي طالما نادى بها بشأن النزاهة ومحاربة ما يصفه "الاعتماد غير المشروع على الدعم" من قبل اللاجئين والمهاجرين.
7. مؤسسة "Hepatica" تمويل غامض: في 2023، تلقت مؤسسة ثقافية مرتبطة بالحزب تُدعى "Hepatica" دعمًا حكوميًا من هيئة "Sida". لكن تقارير رسمية أشارت إلى نقص في الآليات الرقابية والرصد، مما أثار مخاوف من توجيه الأموال لأغراض حزبية أو دعاية غير معلنة.
8. الفضائح الرقمية: تحقيق قناة TV4 Kalla Fakta اكتشف في مايو أيار 2024 أن فريق اتصال SD يدير شبكة من الحسابات الوهمية لترويج رسائل كراهية وكراهية للمسلمين والعرب، بهدف تأثير الناخبين قبل انتخابات البرلمان الأوروبي. الحزب أعاد تعيين اثنين من موظفيه في وظائف جديدة بعد الفضيحة ووعد بإصلاحات طفيفة، فيما لم يتم فتح تحقيق حزبي أو رسمي فعالي.
9. بيتر لوندكرين تحرش جنسي وإدانة قانونية: في مارس أذار 2018 تم اتهام بيتر لوندكرين بالتحرش بزميلة في مؤتمر عام. عام 2021 أدانته محكمة الاستئناف بدفع غرامة 60 يوم، ورفضت المحكمة العليا طلب استئناف في مارس أذار 2022، فاصبح مستقلاً في البرلمان الأوروبي رغم بقائه عضوا في الحزب!
10. خطاب معاد للعرب والمسلمين: الحزب يُجند منذ عقد خطابًا قوميًا يقوم على تصوير العرب والمسلمين كتهديد ثقافي، لكن الفضائح الداخلية تُظهر أن الفساد المنظم والمشكوك في نزاهته يأتي غالبًا من داخل قادة الحزب أنفسهم. وهو ما يكشف ازدواجية أخلاقية، يطالبون بعقاب اللاجئين لاستغلال الموارد، بينما يستأثرون هم بالأموال عبر توظيف مزدوج، تزوير، ودعاية مضللة.
التناقض الأخلاقي: شعار الحزب المنحاز ضد "الآخر" بينما الذات مُغمّسة في الفساد
🔹شعار SD: "نحن ضد الفساد، نحن صوت المواطن الأصلي"، لكن ممارساته الداخلية مليئة بالتلاعب المالي، الخداع المؤسسي، والتحريض ضد أقلية.
🔹معاداة العرب والمسلمين تُسوق كقضية وطنية، بينما تُستخدم أموال عامة لتمويل حملات تضليل رقمية موجهة ضد هؤلاء الفئات.
🔹منطق النخبة: من يدافع عن "الهوية"، هم أنفسهم الذين يغدرون بالثقة العامة، ويحولون الدولة إلى أداة لتحقيق أهداف حزبية ضيقة.
خاتمة: هل بات الفساد داخل SD شرعية الخطاب الوطنية؟
الفساد الحقيقي، في حال SD، ليس سرقات فردية فقط، بل امتزاج سياسي بين القيم الزائفة والدعاية العنصرية، وبين التوظيف المالي المشبوه والتشهير الممنهج. وإذا كانت البلاد تتوق إلى صفقة أخلاقية بين مواطنين ومؤسسات، فإن SD يفسد تلك الصفقة من داخل المؤسسة نفسه.
الحزب لم يُهزم بعد في الانتخابات، لكن قبضته الأخلاقية مضمحلة. ومن يكذب على الدولة، ويستولي على مواردها، ويستخدم المال العام لتمويل خطاب كراهية لا يمكن أن يدّعي تمثيل الشعب، ولا الدفاع عن قيمه. |