صنعاء نيوز/ سنا كجك - من صحافة العدو
اعداد:سنا كجك-مختصة بالشأن الإسرائيلي
كتبت المديرة العامة لمنظمة بتسليم يولي نوفاك في صحيفة هآرتس العبرية مقالا" حمل عنوان:
*"النظام الإسرائيلي يرتكب إبادة جماعية"*
تطرقت فيه الى الكيان العنصري الذي يرتكب إبادة جماعية وحرب التجويع والقتل في قطاع غزة وفصلت عن مفهوم الإبادة الجماعية في القوانين الدولية.،،.
وتساءلت في مستهل المقال:
"هل يمكن أن يكون هذا ما يحدث فعلاً؟ بينما يعرف الملايين حول العالم الإجابة لا نزال هنا نجد صعوبة في إلإجابة عنه!!. ربما لأن الحقيقة تهدد الأسس التي بنينا عليها تصوُّرنا لأنفسنا، ومَن أردنا أن نكون، ولأنها تجبرنا على مواجهة أمور صعبة للغاية تتعلق بالمستقبل.
إن مصطلح "إبادة جماعية" يصف حدثاً يصعب استيعابه. بالنسبة إلى الإسرائيليين من جيلنا، هو كابوس بعيد، شيء من زمان ومكان آخر، ظاهرة تحدث على كوكب آخر. كلّ مَن نشأ في ظل المحرقة سأل نفسه مرة واحدة في حياته على الأقل: كيف واصل الناس العاديون حياتهم، وسمحوا بحدوث ذلك. ضمن هذا التطور التاريخي المرعب، نحن الذين نعيش هنا مُجبرون على الإجابة عن هذا السؤال.
واضافت:منذ نحو عامين، نسمع ممثلينا وكبار مسؤولينا العسكريين وهم يطالبون بتجويع غزة وإبادتها وتدميرها والانتقام منها. ومنذ البداية، قالوا إن هذا ما ينوون فعله، ثم أرسلوا الجيش إلى هناك وقادوه للقيام بذلك وفي القانون، هذا هو تعريف الإبادة الجماعية: هجوم منسّق ومتعمّد على أفراد ينتمون إلى جماعة معينة، ليس بسبب هويتهم، أو ما فعلوه كأفراد، بل بقصد تدمير جماعتهم.!!
لكننا لم ننجح في الإصغاء إلى ما قيل علناً وبصراحة، وروينا لأنفسنا قصة تساعد أرواحنا على تحمُّل الفظائع كي لا نضطر إلى تحمُّل مسؤوليتها، وتبعد عنا الشعور بالذنب والألم. لقد أصبحنا مثل هؤلاء الناس العاديين الذين يواصلون حياتهم ويتركون "هذا الأمر" يحدث."
وعلقت بالقول:"أحاول أن أتذكر متى كانت اللحظة الأولى التي شعرت فيها أن شيئاً ما قد تغيّر في الواقع، وأننا أصبحنا في عالم آخر أعتقد أن هذا حدث بعد شهرين من بداية ما كنت لا أزال أسمّيها "حرباً" حينها كان ثلاثة من موظفي منظمة "بتسيلم" وعائلاتهم داخل قطاع غزة في ذلك الوقت هؤلاء أشخاص يعملون في المنظمة منذ أعوام، هم شركاء حقيقيون، ومدافعون من الطراز الأول عن حقوق الإنسان، وقد رووا لي عن أقارب مدفونين تحت الأنقاض، وعن عجز كامل في حماية أطفالهم، وعن الخوف الذي يشلّ.
منذ ذلك الحين، بدأت سلسلة أحداث قد تُروى يوماً ما، وربما لا تُروى، لأنها "عادية"، فهي مجرد قصة ثلاثة أشخاص من بين ملايين، حالفهم الحظ ونجوا من الجحيم.... لكن تحديداً، المحاولات التي يصعب تخيُّلها من أجل إنقاذ أبرياء من الموت.... كانت حياة الفلسطيني تُقدّر بنحو 20 ألف شيكل، أمّا الأطفال، فكانوا "يكلفون" أقل) هي التي جعلتني أدرك أن القواعد قد تغيّرت.
منذ ذلك الحين، ينتابني هذا الشعور، مراراً وتكراراً - ذكريات من عوالم أُخرى لم أكن فيها، لكنني سمعت عنها. قصص من أماكن انمحت فيها الإنسانية، حيث يُترك البشر مكشوفين ومُهملين. وخطوط حمراء تُجتاز، المرة تلو المرة؛ لحظات يتحول فيها اللامعقول إلى واقع مقتل عشرات الآلاف، تهجير قسري جماعي، ثم مرة أُخرى، ومرة أُخرى. مدن كاملة تحولت إلى أنقاض، مبانٍ انهارت على ساكنيها، تجويع، سحق أحلام المستقبل، ومحو شبه كامل للأمل والأطفال يا إلهي، كم من الأطفال كم عدد الأطفال.!!
وتابعت:"لا يمكن أن تحدث الإبادة الجماعية من دون جمهور واسع يدعمها، أو يغضّ الطرف عنها وهذا جزء من الإبادة الجماعية، لا توجد أمة ارتكبت إبادة جماعية وكانت تدرك، حينها، معنى أفعالها دائماً، كان يُنظر إلى الأمر كأنه دفاع عن النفس، أو ضرورة، أو شيء جلبه الضحايا "لأنفسهم".
تقول السردية السائدة في إسرائيل إن كل شيء بدأ في 7 أكتوبر، في ذلك الهجوم المروّع الذي تلاه، كما يُزعم أن كل ما يحدث في غزة ضروري ومبرَّر من أجل حماية إسرائيل. لا يجوز، ولا يمكن التقليل من فظاعة هجوم "حماس" على مستوطنات غلاف غزة في ذلك اليوم. كان هجوماً "إجرامياً" استهدف المدنيين، في معظمه. لقد تعرّض مجتمع كامل لصدمة كبيرة مرعبة، ولّدت شعوراً عميقاً وفورياً بتهديد وجودي.
لكن على الرغم من أن 7 أكتوبر كان دافعاً مهماً، كان هناك شروط سابقة ضرورية أتاحت وقوع الإبادة الجماعية؛ وذلك لكي نصبح مجتمعاً قادراً على محو إنسانية الآخرين إلى درجة نفقد فيها كل قدرة على التعاطف، ولكي نقنع أنفسنا بأن كل رضيع هو "حماس"، وكل منزل عائلة هو "خلية إرهابية" ولكي نصبح مجتمعاً يرتكب إبادة جماعية، كان هناك حاجة إلى عشرات السنين من العيش في ظلّ نظام أبارتهايد واحتلال، وُضعت خلالها الأسس السياسية والنفسية للتفوق، والقمع، والانفصال والخوف.
لقد عشنا بشكل منفصل أعواماً- الإسرائيليون والفلسطينيون- لأنهم علمونا أن هذه هي الطريقة الوحيدة للعيش هنا."
سكان غزة، البشر الذين يعيشون هناك، لقد جرى نبذ سكان غزة في الوعي الإسرائيلي هم الأشخاص الذين يمكن قصفهم كل عدة أعوام من دون تمييز، وقتل المئات، أو الآلاف منهم، من دون محاسبة أحد. ..
كنا نعرف أن ملايين البشر في غزة يعيشون تحت الحصار، وكنا نعرف عن "حماس"، ونعرف مَن يموّلها، حتى إننا رأينا صور الأنفاق، بأثر رجعي، كنا نعرف كل شيء، باستثناء شيء واحد فقط لم نحسب له حساباً، هو أنهم سينجحون في اختراق الجدار ويصلون إلينا.
لم يكن 7 أكتوبر فقط فشلاً عسكرياً في حماية المدنيين الإسرائيليين لقد كان، قبل كل شيء، فشلاً اجتماعياً، وعلى صعيد الوعي، لكل مَن فضّل أن يعتقد أنه يمكن احتواء العنف والقمع في جانب واحد من الجدار، وأن نواصل نحن حياتنا بهدوء نسبي في الجانب الآخر. حدث هذا الانهيار بينما تحكم إسرائيل أكثر الحكومات يمينيةً وتطرّفاً في تاريخها، وتضم أشخاصاً يعتبرون تدمير غزة تحقيقاً لرؤيا تاريخية.
وهكذا، في تشرين الأول/أكتوبر 2023، اصطفت كل الكوابيس في خط واحد.
لكي نقف في وجه الإبادة الجماعية ونكافحها، يجب أن نفهمها. يوجد قسمان في التقرير الذي نشرناه هذا الأسبوع في منظمة "بتسيلم"، بشأن الإبادة الجماعية التي تُنفَّذ باسمنا؛ الأول يشرح كيف تُنفَّذ الإبادة، من خلال ممارسات القتل الجماعي، وتدمير مقومات الحياة، والتفكيك الاجتماعي، والتجويع - وهذا كله مدعوم بتحريض واسع على الإبادة الجماعية في الخطاب الإسرائيلي العام. في الجزء الثاني، نصِف كيف نشأت الشروط التي سمحت بتحوّل النظام الإسرائيلي إلى نظام إبادة جماعية.
أنجز هذا التحليل فلسطينيون ويهود- إسرائيليون معاً وقد تطلّب منا أن نرى الواقع برؤية مشتركة وفي هذا الواقع المشترك، يوجد تاريخ، وتوجد صدمة وطنية يهودية، وهناك أيضاً 7 أكتوبر، وهذه الحقائق كلها لا تنفي حقائق أُخرى يصعب تحمُّلها، لكنها موجودة ويجب مواجهتها. مثل حقيقة أن الفلسطينيين، كجماعة، كانوا دائماً رعايا من الدرجة الدنيا في ظل النظام الإسرائيلي صُنّف بعضهم كمواطنين تمتعوا ببعض الحقوق أكثر من غيرهم، وبعضهم الآخر حصل على حقوق أقل، وبعضهم تُرك بلا حماية أمام عنف لا يتوقف لا يمكننا أن نواصل النظر إلى الواقع من خلال السردية الكاذبة التي أوصلتنا إلى هنا، سردية الفصل، وحرب لا تنتهي، وشعب يعيش وحده.
إن الإبادة الجماعية، بصفتها هجوماً على الإنسانية نفسها، تفرض علينا أن ننظر إلى الواقع من منظور إنساني، وأن نكافح معاً من أجل معنى أن نكون بشراً أن نعترف بأن هذه قصتنا، نحن أبناء هذا المكان...
قصة طويلة ومعقدة ومؤلمة وتنزف؛ الآن، وصلت إلى لحظة متطرفة، إلى أعماق لم نكن نتصور أننا قد نصل إليها، ولا نعرف متى سنصل إلى القاع.
نحن أيضاً، نشطاء "بتسيلم" - الذين ندافع عن حقوق الإنسان الذين يعيشون، ويتعلمون، ويوثّقون منذ سنوات العنف الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين - لم نكن نعتقد أن يأتي اليوم الذي نتناول فيه جريمة الإبادة الجماعية. ...
خلال أشهر من البحث العميق، اختبرنا بأنفسنا كيف يرفض العقل تقبُّل الحقائق، كما لو كانت سماً يسعى الجسد للفظه، لكننا نعلم الآن أن هذا السم هنا فعلاً وهو حقيقي، ويغمر الناس الذين يعيشون هنا، سواء أكانوا إسرائيليين، أم فلسطينيين، بالخوف والخسارة التي لا يمكن تصوُّرها.
وختمت بالقول:"النظام الإسرائيلي يرتكب إبادة جماعية.... وبمجرد أن تترسخ هذه الحقيقة في الوعي، نعرف ما هي الخطوة التالية لقد فكرنا في ذلك طوال حياتنا، في كل مرة سألنا أنفسنا: "ماذا كنت سأفعل لو كنت هناك، في ذاك الكوكب الآخر؟
ولهذا السؤال إجابة واحدة صحيحة فقط: كنت سأفعل كل ما في وسعي لإيقاف الإبادة الجماعية.
هناك ظاهرة تحدث في كواكب أُخرى. كل مَن نشأ في ظل الهولوكوست سأل نفسه، على الأقل مرة في حياته: كيف استمر الناس العاديون في حياتهم وسمحوا بحدوث ذلك؟
وفي تطوّر مروّع للتاريخ، نحن اليوم، الأشخاص الذين يعيشون هنا، هم مَن يُطلب منهم الإجابة عن هذا السؤال؟؟؟" |