صنعاء نيوز/بقلم د غسان شحرور -
د غسان شحرور يلتقي ضحايا قنبلة هيروشيما
رسالة غزة في يوم هيروشيما: أين القانون الدولي الإنساني؟
في السادس من آب/أغسطس من كل عام، يتوقف ضمير العالم أمام ذكرى فاجعة هيروشيما عام 1945، حين أُلقيت أول قنبلة ذرية على مدينة مأهولة، ثم ناجازاكي بعد أيام بعدها، فاختزلت الحياة إلى رماد، وسُلبت أرواح عشرات الآلاف في لحظات، وترك الإشعاع النووي آثارًا مدمّرة تمتد إلى الأجيال اللاحقة.
ليست هيروشيما مجرد مأساة تاريخية، بل صرخة متجددة في وجه الحروب، ودعوة حاسمة لاحترام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وبناء ثقافة السلام، في مواجهة منطق القوة والطغيان والعدوان، كما عبّر عنها بمرارة الناجون من هيروشيما، والمعروفون باسم “الهيباكوشا”، ولا تزال كلماتهم حاضرة في ذهني خلال لقاءاتي المتكررة معهم في مناسبات دولية.
إن القانون الدولي الإنساني، الذي وُضع لحماية المدنيين وتنظيم أدوات الحرب، يمنع استخدام الأسلحة التي تُسبب معاناة مفرطة أو دمارًا شاملاً لا يميّز بين المدني والعسكري. ولا شك أن السلاح النووي يُجسّد انتهاكًا صارخًا لهذا القانون، بل يشكل نقيضًا جوهريًا لمبادئه، لا سيما مبدأي التناسب والتمييز.
في المقابل، تمثّل معاهدات نزع السلاح، وعلى رأسها “معاهدة حظر الأسلحة النووية” (TPNW)، تجسيدًا لإرادة دولية تهدف إلى إزالة هذا التهديد الوجودي، وقد التزمت بها أغلبية الدول كضرورة قانونية وأخلاقية وأمنية، بينما تظل بعض الدول تُمعن في الاحتفاظ بترساناتها النووية وتحديثها، والتهديد بها.
غير أن احترام القانون لا يتحقق بالنصوص فقط، بل بثقافة تبني على السلام، والعدالة، والكرامة الإنسانية. فثقافة السلام لا تعني فقط غياب الحرب، بل تُترجم إلى حوار، ومحاسبة، وتعليم، وعدالة اجتماعية، وضمان لعدم تكرار المآسي والكوارث.
ورغم مرور نحو ثمانين عامًا على فاجعة هيروشيما، وما تبعها من كوارث إنسانية في فييتنام وكمبوديا وأفغانستان والعراق وأوكرانيا وغيرها، تأتي الحرب على غزة لتُعلن أن العالم لم يتّعظ بعد، وأن آليات الردع الدولية لا تزال عاجزة، وأن الضمير العالمي ينتقي ضحاياه، ويغضّ الطرف عن انتهاك القوانين الإنسانية الأساسية.
من هنا، تصبح أولوية بناء ثقافة السلام، والالتزام بالقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، واحترام العدالة والشفافية، ومواجهة الإفلات من العقاب، أمرًا لا غنى عنه. فلا معنى لأي نظام دولي دون عدالة متاحة للجميع، ومساءلة قائمة على الجميع، دون استثناءات أو ازدواجية.
ما نشهده اليوم في غزة — من قتل جماعي ودمار شامل واستهداف للبنى التحتية الصحية والتعليمية والإنسانية — يعيد إلى الذاكرة فظائع الحروب التي ظنّ البعض أن الإنسانية تجاوزتها. استمرار هذه الجرائم دون مساءلة يقوّض الشرعية الدولية، ويُضعف هيبة القانون، ويُجهز على منظومة حقوق الإنسان واتفاقيات نزع السلاح، التي لن يكون لها معنى دون التزام، تطبيق فعلي في كل زمان ومكان. وهكذا نستطيع القول أن التغاضي المستمر من قبل بعض الحكومات وتجاهل مسؤوليات القانون الدولي الإنساني ومبادئه وبالتالي لايمنع هذه الحكومات من خرق اتفاقيات نزع السلاح وارتكاب مأساة هيروشيما من جديد.
وهنا، تبرز مسؤولية المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة، في كشف الانتهاكات، وتوثيقها، والمطالبة بالمحاسبة، والعمل من أجل عدم الإفلات من العقاب. إن دور هذه الجهات ضروري لحماية الذاكرة الجماعية من النسيان، ودفع المؤسسات الدولية إلى التحرك العاجل، وتحصين المستقبل من التكرار.
فلنجعل من يوم هيروشيما، وما يحدث في غزة، منبرًا متجددًا لمحاسبة مرتكبي الجرائم، وتحقيق العدالة، وتعزيز ثقافة السلام، والدعوة إلى نزع السلاح، وبناء عالم لا تُنتهك فيه القوانين، ولا تُغتال فيه الإنسانية.
من رماد هيروشيما إلى أنقاض غزة، تتغير الجغرافيا، لكن الوجع واحد، والنداء واحد.
فلنُحيِ هذه الذكرى بوعي ومسؤولية، ولتكن رسالة الضحايا في اليابان وفلسطين واحدة:
لا سلام بلا عدالة.
لا أمن بلا احترام للقانون.
لا مستقبل بلا كرامة الإنسان.
```
P Please consider the environment before any printing
|