صنعاء نيوز/ محمد النصراوي -
في كل موسمٍ سياسيٍ أو دينيٍ أو شعبي، تنتشر على وسائل التواصل مشاهد من دول الغرب تُثير إعجابنا، رئيس وزراءٍ يستقل وسيلة نقلٍ عامة دون حرس، وزيرٌ يُحرَج في لقاءٍ تلفزيوني، أو نائبٌ يُقاطَع في الشارع من مواطنٍ عادي، فنُبادر إلى مشاركتها مصحوبةً بتعليقاتٍ تُشيد بالحرية، والشفافية، والديمقراطية الحقيقية، ونُردد بانبهار "انظروا كيف تُحترَم الشعوب هناك!".
لكن هذا الانبهار، سرعان ما يتبخر حين نواجه مشهداً مشابهاً في بيئتنا، إذ ما إن يجرؤ مسؤولٌ أو شخصيةٌ عامة في بلادنا على كسر البروتوكول، ويتقدم بخطوةٍ نحو الناس دون حواجز أو استعراض، حتى يُنظر إليه بشك، وربما يُستضعف، وتُفسر بادرته على أنها ضعفٌ في الهيبة أو بحثٌ عن مجدٍ ضائع.
إننا – في واقع الأمر – لا نزال نعيش مفارقةً صارخة، نُعجب بالحاكم المتواضع في الخارج، ونستهين به إن خرج من بيننا، نُصفق لمن يتقبل النقد في الدول المتقدمة، ونُهاجم من يتقبله بيننا بوصفه "فاقداً للهيبة"، بل إن بعض الجهات قد ترى في التواضع فرصةً للانتقاص، وفي الصمت حقلاً للاستعراض والتجاوز.
المشكلة لا تكمن في المسؤول وحده، بل فينا نحن أيضاً، فحين يتعرض شخصٌ عامٌ لإساءةٍ صريحة لأنه اقترب من الجمهور، دون أن تُقابل تلك الإساءة بموجة استنكارٍ شعبي، فذلك مؤشرٌ خطير على خللٍ في منظومة القيم الاخلاقية العامة، وحين يُنظر إلى الحِلم باعتباره عجزاً، وإلى التسامح باعتباره خضوعاً، فذلك يعني أننا لا نحسن التعامل مع مظاهر الرقي السياسي إلا حين تأتينا من الخارج.
في المجتمعات المتقدمة، لا ينبع احترام المسؤول من الخوف، بل من ثقافة القانون والمؤسسات، أما في مجتمعاتنا، فكثيراً ما ينبع من حساباتٍ شخصية، ما موقعه؟ ما سلطته؟ ماذا يستطيع أن يفعل؟
فإن تجرد من هذه العناوين، سقط في أعين بعض الناس، حتى وإن بقي واقفاً في جوهره ومبادئه.
وهكذا، يتكرس في الذهن المجتمعي أن الزعامة لا تُبنى على الحكمة، بل على الصراخ، ولا تُقاس بقدرتك على الصمت، بل على الرد والانتقام، ولا تُحتَرم إن نزلت من فوق، بل تُحتَرم فقط إن بقيت بعيداً ومُهاباً.
فهل نحن نريد فعلاً قادةً يشبهون أولئك الذين نُعجب بهم في الغرب؟ أم أننا نحبهم فقط حين يكونون هناك، لا هنا؟
|