صنعاء نيوز/رانيا كامل يونس -
بقلم رانيا كامل يونس
منذ اندلاع الحرب في غزة وتحوّلها إلى حرب إقليمية مفتوحة على أكثر من جبهة، لم تعد إسرائيل تواجه تحديات من حدودها الشمالية أو الشرقية فقط، بل وجدت نفسها في مرمى صواريخ ومسيرات بعيدة المدى مصدرها اليمن، لتفتح بذلك جبهة استراتيجية غير مسبوقة في تاريخ الصراع.
تهديد نوعي يتجاوز البُعد الجغرافي
ما حدث مؤخراً مع الصاروخ اليمني الذي اخترق دفاعات "القبة الحديدية" والأنظمة الاعتراضية الأخرى، يكشف عن تحوّل جذري في ميزان الردع. لم يعد البعد الجغرافي حاجزاً يحمي إسرائيل، إذ أن الضربات انطلقت من آلاف الكيلومترات لتصيب عمق الجبهة الداخلية. هذا التهديد النوعي يفرض على المؤسسة العسكرية الإسرائيلية إعادة النظر في عقيدتها الأمنية التي طالما اعتمدت على التفوق التكنولوجي وقدرتها على حصر المعركة في مناطق قريبة.
الجبهة الداخلية تحت الضغط
التقارير الإسرائيلية الداخلية بدأت تتحدث عن قلق متصاعد داخل المجتمع، ليس فقط من الخسائر المادية أو الأمنية، بل من إحساس العجز النفسي الذي تسببه صواريخ تأتي من مسافة بعيدة، ومن جهة لم تكن محسوبة كتهديد مباشر قبل سنوات. إن انتقال الخطر من لبنان وغزة إلى اليمن يوسع دائرة التهديد إلى حدٍّ يضع الجبهة الداخلية في حالة استنزاف مستمر، وهو ما تحذر منه مراكز الأبحاث الأمنية في تل أبيب.
أزمة الردع الإسرائيلي
تاريخياً، كانت إسرائيل تعتمد على معادلة تقوم على ضربات استباقية لإخماد أي خطر محتمل. لكن المشهد الحالي يكشف هشاشة هذه المعادلة؛ فاليمن، رغم ظروفه الاقتصادية والحصار، تمكن من تطوير ترسانة صاروخية وطائرات مسيرة بعيدة المدى تصل إلى عمق فلسطين المحتلة. وهذا يعني أن أي ضربة قادمة قد تتجاوز الطابع الرمزي لتتحول إلى ضرر استراتيجي يصيب منشآت حيوية، موانئ، أو حتى مراكز سكانية.
التأثير الإقليمي والدولي
تتجاوز خطورة هذه الضربات حدود إسرائيل لتؤثر في توازن القوى الإقليمي. فالرسالة واضحة: أي طرف في محور المقاومة قادر على تهديد إسرائيل، حتى من مسافة آلاف الكيلومترات. هذا بدوره يعقّد الحسابات الأميركية والغربية، ويضعها أمام معادلة جديدة: حماية إسرائيل لم تعد ممكنة من خلال دعم دفاعاتها التقليدية فقط، بل تستلزم إعادة رسم استراتيجيات كاملة في المنطقة.
الانعكاسات المستقبلية
إذا استمرت هذه الهجمات، فإن إسرائيل ستواجه معضلة مزدوجة: كيف تؤمّن جبهتها الداخلية في مواجهة صواريخ ومسيرات طويلة المدى، وكيف تحافظ على صورة الردع التي بدأت تتآكل؟ أي فشل في مواجهة هذا التهديد قد يشجع أطرافاً أخرى على استنساخ النموذج اليمني، ما يضع إسرائيل أمام شبكة من المخاطر المتزامنة يصعب احتواؤها.
الخلاصة:
الضربة اليمنية الأخيرة لم تكن مجرد حدث عسكري عابر، بل جرس إنذار استراتيجي يكشف أن إسرائيل لم تعد بمنأى عن الأخطار القادمة من كل الاتجاهات. الجبهة الداخلية باتت الحلقة الأضعف، وأي خلل في حمايتها سيقلب موازين الصراع ويضع الأمن القومي الإسرائيلي أمام تحدٍ وجودي غير مسبوق. |