صنعاء نيوز/ -
نظام مير محمدي
كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني
لم يكن التجمع والمظاهرة اللذان شهدهما ميدان أتوميوم في بروكسل يوم السبت 6 سبتمبر، مجرد حدث سياسي عابر؛ بل كانا صورة كاملة تعكس المصداقية الإيرانية والدولية لمنظمة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية. لقد كان هذا الحدث بمثابة وثيقة ناطقة على الأصالة الإنسانية والتاريخية لمقاومة طويلة ونضال دموي ضد الاستبداد الديني الحاكم في إيران. ومثل هذا التجمع والمظاهرة، يمثلان تذكيراً بإرادة أمة عازمة على التحرر من القمع والاستبداد، ويعدان شعلة متوهجة لا تنطفئ.
إن هذا التجمع والمظاهرة ــ شأنه شأن الأمثلة الأخرى في عواصم ومدن أوروبا وأمريكا ــ يبشران ببداية جديدة بين أعضاء وأنصار العائلة الكبيرة للمقاومة الإيرانية. ففي زمن كان فيه القمع والنفي والضغط الاقتصادي والتشتت الجغرافي يمكن أن يشكلوا أكبر عقبة في طريق الأنشطة الجماعية للإيرانيين، يأتي هذا التجمع ليثبت أن قضية الحرية والديمقراطية لا تزال قادرة على تجاوز الحدود وجمع الإيرانيين حول قضية وهدف مشترك.
إن الحضور الواسع للإيرانيين في الخارج بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس منظمة مجاهدي خلق والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، يأخذ معناه الحقيقي في تقديم حل واضح ومثمر لإسقاط نظام الملالي؛ حل ذو مؤشرات واضحة، منها التنظيم، والإصرار على النضال، وعدم المساومة في وجه الاستبداد، والاعتماد على القوة المقاتلة داخل البلاد، ورفض أي نوع من الدكتاتورية والتبعية، سواء في الماضي أو المستقبل. ولهذا السبب، تمكن تجمع بروكسل من تقديم المقاومة المنظمة للشعب الإيراني في المشهد الإيراني والعالمي، بصفتها المنافس الأكثر شرعية وفعالية للدكتاتورية الدينية.
وفي تجاوز للسطح السياسي لهذا التجمع، يطرح هذا السؤال نفسه: كيف تحققت إنجازات هذا التجمع المهيب؟ وما هو العامل الذي أمكنه تحقيق هذا المستوى من التنسيق بين الإيرانيين في الخارج ــ على الرغم من مشاكلهم الهائلة المتعلقة بحياتهم المهنية والهجرة والحياة اليومية؟ باختصار، الإجابة هي أن سر هذا الإنجاز الكبير يكمن بلا شك في عزم وهمة الإيرانيين الشغوفين بالحرية. إن حب الوطن، والأمل بالحرية، والتطلع إلى غد خالٍ من الاستبداد، هي الدوافع المحركة لحضورهم السياسي. لكن إلى جانب هذه الدوافع، يبقى السؤال الأساسي قائماً: ما هي المنظمة القادرة على تركيز هذه الطاقة المتناثرة وتحويلها إلى قوة فعالة؟
لقد أثبتت التجربة التاريخية والنضالية أن التنظيم المتماسك والهيكل التنظيمي الخبير والفعال فقط هو القادر على خلق وتقديم مثل هذا التأثير السياسي والاجتماعي. ولا يمكن لأي حركة عفوية، دون الاعتماد على هيكل منظم وذو خبرة نضالية، أن تخلق مثل هذا التجمع المهيب. لذلك، فإن تجمع 6 سبتمبر في بروكسل يعتبر رمزاً مادياً لقوة وقدرة منظمة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية على خلق القدرات. إن هذا التنظيم، يشبه البوتقة التي تصقل الإرادات الفردية لتحولها إلى قدرة جماعية، ومن مجموعها يقدم قوة منظمة لمواجهة الدكتاتورية. وسبب حملات شيطنة النظام الديكتاتوري الديني الحاكم وتركيزه ضد منظمة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية هو بالتحديد هذه القدرة على خلق طاقات بشرية من خلال إكسير التنظيم المتماسك والمنظم.
إن الانعكاس الدولي الواسع لهذا التجمع والمظاهرة، هو دليل آخر على المكانة السياسية للمقاومة الإيرانية على الساحة العالمية. لقد أدركت وسائل الإعلام والسياسيون مرة أخرى، عند مشاهدة هذا الحضور القوي، أن هناك بديلاً سياسياً منظماً يتمتع بقاعدة اجتماعية واسعة وحضور فعلي وفاعل؛ بديل لا يطالب بالتغيير فحسب، بل يمتلك القدرة على تحقيق هذا التغيير على أسس من الحرية والديمقراطية.
من جهة أخرى، فإن ردود الفعل الهستيرية من قبل مسؤولي النظام ووسائل الإعلام الحكومية، هي أفضل دليل على الحقيقة التي تناولناها بإيجاز. إن الذعر الذي اجتاح كيان النظام الحاكم بأكمله، نابع بالضبط من هذه الحقيقة. فهم يدركون جيداً أن القدرة التنظيمية للمقاومة الإيرانية هي بحيث يمكنها تعبئة الإيرانيين في جميع أنحاء العالم، وأن هذه المقاومة هي التي تبين للإيرانيين والعالم المسار والحل الوحيد لإسقاط حكام إيران المستبدين.
بروكسل في 6 سبتمبر، لم تكن مجرد مدينة استضافت تجمعاً للإيرانيين، بل كانت مسرحاً لعرض اتحاد الإرادات التي تريد أن تكسر قيود الاستبداد عن جسد إيران. لقد أضيف هذا اليوم إلى الذاكرة التاريخية والسياسية للنضال من أجل حرية إيران. وأظهر هذا اليوم التاريخي مرة أخرى أن المقاومة الإيرانية هي بديل قوي ومتجذر في مواجهة الاستبداد الديني الحاكم.
|