صنعاء نيوز/بقلم د. غسان شحرور -
رغم ازدحام المؤتمر الطبي، وجدتني أصرّ على حضور تلك الندوة الشعرية، مدفوعًا برغبة اللقاء مجددًا بصاحب الكلمة النبيلة، بعد لقاء ثقافي سابق جمعنا في دمشق قبل سنوات طويلة. إنه مريد البرغوثي، الذي أطلقت عليه لقب “شاعر المنافي”، لكثرة ما تنقّل بين المنافي العربية والأوروبية، حاملاً هموم الشتات الفلسطيني ووجع الوطن وأهله في قصائده، وناقلًا فلسطين من الجغرافيا إلى الضمير والوجدان.
ظننت أن الحضور سيكون محدودًا بسبب تأخر المركز الثقافي في تعميم الدعوة، وهذا ما شجّعني أكثر على الذهاب. لكنني فوجئت بقاعة مكتظة حتى آخر مقعد، في مشهدٍ يليق بشاعرٍ لم يهادن لا في اللغة ولا في الموقف. لم يسعنا الوقت إلا لدقيقتين من الحديث في ختام الندوة، ولما كانت الجهة المنظمة قد أعدّت برنامجًا مكثفًا لزيارته، فقد حال ذلك دون تمكنه من تلبية دعوتي الشخصية لاحقًا خلال أيام إقامته.
هذه الصور من لقائنا الأخير، خلال ندوة ثقافية أدبية مع شاعرٍ كتب عن المنفى بصدقٍ لا يُنسى، واحتضن في قلبه فلسطين والشتات معًا.
مريد البرغوثي (1944–2021)، من مواليد قرية دير غسانة قرب رام الله، درس الأدب الإنجليزي في جامعة القاهرة، وهناك بدأت رحلته الطويلة مع المنفى بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967، حين مُنع الفلسطينيون خارج البلاد من العودة إلى ديارهم.
زوجته هي الأديبة المصرية الراحلة رضوى عاشور (1946–2014)، روائية وناقدة مرموقة، ووالدة الشاعر تميم البرغوثي. شكّلوا معًا بيتًا أدبيًا وطنيًا وإنسانيًا نادرًا، امتزج فيه الحنين بالكرامة، والمقاومة بالحب.
في حديثه خلال الندوة، حمل مريد أوجاع المنافي التي مرّ بها، وتناول أبرز أعماله الأدبية والفكرية، ومنها:
1- رأيت رام الله – وقد حظي بترجمة إنجليزية مبهرة قامت بها أهداف سويف، الأكاديمية والروائية المصرية المعروفة، وأسهمت هذه الترجمة في إيصال تجربة الكاتب ورسائله إلى عالم آخر.
2- ولدت هناك، ولدت هنا – امتداد لروايته الأولى، يركّز على البعد الإنساني الوطني، وقد نُقل أيضًا إلى الإنجليزية بترجمة مميزة.
3- وقصائد لا تزال تنبض بالحنين، وتقاوم النسيان.
بعد أشهر من ذلك اللقاء، رحل مريد البرغوثي، لكن أثره باقٍ في كل منفى، وكل ذاكرة تبحث عن وطن.
رحل الجسد، وبقي الصوت يوقظ الذاكرة ويهدهد المنافي.
«عرفتهم» – زاوية ثقافية دورية بقلم د. غسان شحرور.
|