صنعاء نيوز/ بقلم: حسن محمودي كاتب وباحث إيراني -
تواجه إيران في خريف 2025 مزيجاً معقّداً من الأزمات المتشابكة: مأزق نووي يتّجه نحو مواجهة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، انقسامات متزايدة في صفوف المحافظين، وانحسار نفوذها الإقليمي بعد عامين على عملية «طوفان الأقصى». مجمل ما تنشره الصحف الإيرانية الرسمية وشبه الرسمية يعكس صورة نظام يعيش مرحلة دفاعية، فاقداً للمبادرة، ومحاصراً داخلياً وخارجياً.
أولاً: المأزق النووي والعودة إلى ما قبل الاتفاق
image.png
صحيفة «فرهيختكان» المقرّبة من الحرس الثوري رأت أنّ اتفاق القاهرة مع الوكالة الدولية قد انهار عملياً، وأنّ إيران بصدد التخلّي عن مسار التعاون مع الوكالة. عراقجي أعلن صراحة أنّ بلاده ستتابع «مساراً مستقلاً»، معتبرًا أنّ تقارير الوكالة حول «اليورانيوم المفقود» و«منشآت نطنز» ليست سوى أدوات ضغط إسرائيلية ـ أوروبية.
في المقابل، كتبت صحيفة «شرق» بلسان التيار الدبلوماسي أنّ التخلي عن المسار التفاوضي يعني فتح الباب أمام «آلية الزناد» وإعادة العقوبات، محذّرة من أن التيار المتشدّد يستخدم فزاعة «التسليم» لوقف أي حوار مع الغرب.
الخلاصة أنّ إيران عادت فعلياً إلى مرحلة ما قبل الاتفاق النووي، وسط تهديدات متزايدة بإعادة تفعيل العقوبات الأممية، ما يضع الاقتصاد في وضع خانق ويقلّص هوامش المناورة السياسية.
ثانياً: حرب الذئاب داخل المحافظين
الانقسامات داخل المعسكر الأصولي لم تعد سرّاً. مقالات في «خراسان» و«آرمان امروز» عكست الهجوم على محمدرضا باهنر بسبب تصريحاته حول الحجاب. هذه الأزمة الرمزية تكشف تعمّق الشرخ بين جيل الحرس القديم (باهنر، لاريجاني، ناطق نوري) وبين الجيل الجديد الأكثر تشدداً المرتبط بالحرس الثوري وأجهزة الأمن.
بينما تحاول بعض الصحف تصوير الخلاف كـ«سوء تفاهم داخلي»، يذهب تيار آخر إلى اعتباره دليلاً على تفكك شرعية النظام نفسها. وما قضية باهنر إلا مؤشّر على أنّ الانقسام داخل بيت المحافظين بلغ مرحلة غير مسبوقة من الصراع.
ثالثاً: السياسة الخارجية – من «طوفان الأقصى» إلى العزلة
على صعيد الإقليم، تتباين القراءات بين صحف مثل «هم ميهن» و«كيهان». الأولى ترى في تراجع حماس وقبولها بخطط التسوية الأميركية إقراراً بالواقع وانتهاءً لمرحلة الشعارات. أما «كيهان» فلا تزال ترفع شعار «استمرار المقاومة حتى زوال الصهيونية».
لكن الواقع على الأرض، كما تكشفه تطورات العامين الماضيين، يروي قصة مختلفة: حماس تراجعت عسكرياً وسياسياً، حزب الله استُنزف في مواجهة شمال إسرائيل وخسر حاضنته الشعبية في لبنان، والحوثيون قبلوا عملياً بوقف إطلاق النار. في سوريا، الغارات الإسرائيلية المتكررة دمّرت بنية الحرس الثوري، بينما العراق واليمن ابتعدا تدريجياً عن الوصاية الإيرانية.
النتيجة أنّ الاستراتيجية التي أطلقها خامنئي في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 تحت عنوان «طوفان الأقصى» انقلبت على أصحابها: عشرات الآلاف من القتلى في غزة، انهيار صورة «محور المقاومة»، عودة العقوبات الأممية، وانكشاف هشاشة الداخل الإيراني.
رابعاً: أصوات الداخل – لا للإعدام
بالتوازي مع هذه الأزمات، يواجه النظام موجة متنامية من الاحتجاجات الاجتماعية والحقوقية. ومع اقتراب اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام (10 أكتوبر)، شهدت مدن إيرانية عديدة أنشطة ضمن حملة «ثلاثاء لا للإعدام» حيث رفعت عائلات السجناء السياسيين لافتات تطالب بوقف أحكام الإعدام، خصوصاً بحق 17 سجيناً سياسياً من أنصار مجاهدي خلق . هذه الأصوات تعبّر عن رفض عميق داخل المجتمع الإيراني لآلة القمع، وتربط بين سياسات التوسع الخارجي وبين استمرار الإعدامات في الداخل كوسيلة لترهيب الشعب.
خلاصة المشهد
الصحف الإيرانية ترسم ملامح واضحة لثلاث أزمات متزامنة:
1. انسداد الملف النووي والعودة إلى مرحلة ما قبل الاتفاق.
2. تفكك داخلي يعكس أزمة شرعية بين الأجيال السياسية داخل النظام.
3. تراجع إقليمي بعد فشل مشروع «طوفان الأقصى» وتآكل أوراق النفوذ.
إيران اليوم محاصرة بثلاثة جدران: جدار العقوبات الدولية، جدار الانقسام السياسي الداخلي، وجدار الانحسار الإقليمي. وفي ظل هذا المشهد، يظهر أنّ النظام أقرب إلى موقع الدفاع والخوف من التغيير القادم، أكثر من كونه لاعباً قادراً على المبادرة.
Compose:
New Message
MinimizePop-outClose
|