صنعاء نيوز/ محمد النصراوي -
الطائفية لا تموت في العراق، لكنها تنام بين دورةٍ انتخابيةٍ وأخرى، وما إن تقترب الصناديق حتى يبدأ بعض الساسةِ بنفخ الغبار من على خطاباتٍ قديمة، كأنهم يُخرجون مناديل مضرجةٍ بتاريخٍ دمويٍ ليذكروا الناس بما يُفترض أنهم تجاوزوه؛ هذه ليست مصادفة، إنها عادةٌ انتخابية، تشبه استدعاء "عشائر الدعم" و"الناخبين المضمونين"، لكنها أكثر خبثاً لأنها تلعب في مناطق الوعي، وتعيد بناء الجدران التي هدمها الناس بشق الأنفس.
الخطاب الطائفي في العراق يشبه المولدات الأهلية، لا تعمل إلا عند انقطاع الكهرباء السياسية، يخرجونها من المخازن حين يشعرون أن الجمهور بدأ يسأل أسئلةً مزعجة؛ ماذا فعلتم بالثروات؟ أين المشاريع؟ أين الدولة؟ فيُشَغِلون "مولدة الطائفة" لتغطية العجز بضجيجها، وبدل أن يتحدث الناس عن الخدمات، يتحدثون عن الهويات والإنتمائات.
الطائفية هنا ليست قناعة، بل وسيلة تخويفٍ جماعية، تُستخدم كما يُستخدم المنبه، لإيقاظ جمهورٍ خائفٍ من المجهول، كل حزبٍ يملك نسخته الخاصة من رواية "نحن المهددون"، وكل مرشحٍ يحاول أن يقنع جمهوره أن الخطر قادمٌ من الجهة الأخرى، لا من فشله هو، وهكذا يتحول التاريخ إلى فزاعةٍ معلقةٍ فوق كل ناخبٍ يحاول التفكير بعقله لا بذاكرته.
أسوأ مافي الأمر، أن هذا الخطاب بدأ يجد له آذاناً مصغيةً بين بعض الناس، وكأن ذاكرتهم قد نسيت ما عانته البلاد من فتنٍ طائفيةٍ أحرقت البيوت وشردت العوائل وأغرقت المدن بالمفخخات والإرهاب، إن عودة هذا الخطاب، ولو على استحياء، خطرٌ داهم على العراق، لأنه ليس مجرد دعايةٍ انتخابية، بل شرارةٌ يمكن أن تعيدنا إلى جحيمٍ كنا نظن أننا خرجنا منه إلى الأبد.
الطائفية الانتخابية هي فن إدارة الخوف، لا فن إدارة الدولة، من يتقنها يفوز بمقاعد، لكنه يخسر وطناً، أما من يختار أن يخاطب الناس كمواطنين لا كأبناء طوائف، فهو يخوض معركةً أصعب، لكنها الوحيدة التي تستحق أن تُخاض.
ربما آن الأوان أن نُدرج "الخطاب الطائفي" ضمن المخلفات السامة، وأن نمنع تداوله في موسم الانتخابات كما نمنع المواد الممنوعة في الأسواق، لأن بناء دولةٍ متوازنة لا يبدأ من صناديق الاقتراع، بل من صندوق الوعي الذي نحمله في رؤوسنا.
|