صنعاء نيوز/ د. عبدالوهاب الروحاني -
بعث الي برسالة بها لطف ومودة وايجابية، قال ضمن ما قاله: انا من متابعي كتاباتك، ولِما اجدُ فيها من ميل وطني صادق ووازن، انقل لك امنية ان نسمع منك شيئا تجاه الحزب الاشتراكي اليمني الذي يعيش الاحتفاء بذكرى تأسيسه.. ورسائل ما ينبغي وما لا ينبغي...."
رسالة أسعد، رشيقة، انيقة، تفيض شبابا وحماسة وحيوية.. وجدت فيها تعبيرا جديدا عن منهج جديد لجيل جديد - انا على الاقل - لم اعرفه في شباب الاشتراكي الذي درست معه، وتعاملت معه، وعملت معه منذ مطلع الثمانينات.. فما الجديد؟!
الجديد في رسالة اسعد هو انني وغيري تعودنا من اغلب (واكرر أغلب) شباب الاشتراكي وبعض من تبقى من كهوله ادعاء امتلاك الحقيقية، وشيء من "الشطح والنطح" الى جانب توزيع عناوين ووصفات اهونها "التخلف والرجعية" لمن ليس في طابورهم، تماما كما كان ولا يزال يفعل ذراعه الاقصر "الناصري".. بالتاكيد الاية قد تغيرت، وما كان بالامس اصبح اليوم نقيضه..!!
مؤخرا التقيت بصديقين قديمين تزاملنا في نواب (93و97)، احدهما اشتراكي والاخر ناصري، سألت الاول عن زمن النضال.. وهل الفكرة لا تزال قائمة، فقال بعد ان تبسم، وبهدوء: "مناضلون من المهد الى اللحد .. الفارق اننا كبرنا، وكل يناضل بطريقته.." فهمته وعذرته، فقد ادرك ان الزمن تغير وتغيرت معه الخيارات.. واختار له طريقا سهلا..
اما الثاني وكان صديقا لطيفا ايضا، رُقي عبثا بعد 2011 الى "مستشار الرئيس"، فنسى حتى رفاقه من كوادر تنظيمه، مع انه لا سلطة له منها سوى السليط، كان ولا يزال مجرد "مستشار" باعتمادات من هنا وهناك.
سالته هو الاخر، اذا كان لا يزال يزور ضريح عبد الناصر في القاهرة (بعد اثني عشر عاما من السلطة والوجاهة وتغيير النظام)، ام انه قد استبدله بزيارة البقيع؟! ورغم ان في سؤالي ترفقا ورحمة، لكنه رد بغضب وانفعال شديد، واسمعني نفس الاسطوانة القديمة، والوصفات أياها، فاشفقت عليه ومازحته ودعوت له ولي بحسن الختام.
عقول خاوية وبطون مليئة:
الوضع قد تغير، وتغيرت الخيارات مع القيادات التاريخية لهذه الاحزاب.. والفرق بين اليوم والامس اصبح شاسعا.. كان الرواد من القيادات السياسية والحزبية يناضلون بعقول مليئة وبطون خاوية، واليوم يناضل ورثتهم او من تبقى منهم بعقول خاوية وبطون ممتلئة..
هذه هي القصة باختصار، والجيل الجديد ومنهم اسعد اكتشف حقيقتها، وبدأ يدرك - كما نحن ادركنا مباشرة بعد ان اختطفوا الساحات في 2011- بان القيادات التي كان يٌعول عليها انقاذ الموقف قد حادت عن الطريق.. وتظخمت فيهم الانا، كما تظخمت مصالحهم، واصبحوا بعيدين عن اهداف وقيم ومبادئ احزابهم الوطنية المناضلة التي كانت.
واذن، اقول لأسعد لا يمكن لاحد ان ينكر الدور الريادي للحزب الاشتراكي اليمني، ورموزه الكبيرة من عبدالله باذيب وعبدالفتاح اسماعيل، وسالم ربيع، وعلي ناصر، وعلي صالح عباد (مقبل)، وعلي البيض، الى صالح مصلح قاسم، وعلي عنتر، ثم جارالله عمر، وعمر الجاوي، وسلطان احمد عمر .. وكوكبة طويلة حفرت اسماءها في الذاكرة الوطنية ولا يمكن ان ننساها.. اتدرون لماذا؟!
لأنهم اجتهدوا واصابوا كما اخطأوا، لكنهم تركوا ارثا وطنيا مزهرا، ولم يفرطوا كما يفعل اليوم من حملوا الراية من بعدهم ورموها في منتصف الطريق .. كانوا ضمن الركب لكنهم غادروا المشروع الوطني وارتهنوا للمشاريع التي كانت محرمة .. بل كانت كفرا بواحا في وثائق وادبيات الحزب.
جيل عاشق:
اسعد، عنوان لجيل عاشق يريد ان يرى نفسه فيما يعشق.. يريد ان يطرد الدخان والرماد، ويتنفس في ضوء اليمن.. وطنه الذي يراه يتشطى، يجوع، يتشرد، يتفلت .. قاب قوسين أو أدنى من الاحتضار.
مثلُ اسعد كما مازن وريدان وكهلان وذو يزن من الاشتراكي والمؤتمر والبعث والناصري، والطليعة، وحتى "الاصلاح" وكل الاحزاب التي اسهمت في رسم البسمة على جبين الوطن، ونفضت عنه غبار الايام وظلم وتخلف السنين.
قلنا منذ ان فشلت الاحزاب في ادارة الازمة بعد 2011 راجعوا انفسكم كقيادات، واخضعوا احزابكم للمراجعة ان اردتم لانفسكم ولها البقاء .. فقال احدهم ذات يوم: من انت حتى تقول لنا ما يجب وما لا يجب ؟!
وهنا وبهذا المنطق المستبد يسقط مفهوم "التعدد" التي تقوم عليه الحزبية، والذي يعني القبول بالاخر المختلف، وللاسف كانت النتيجة كما ترون .. اعتمادات وتقاسم مناصب، وترتيت الاولاد، وتفريط، واسترخاء، و"للكعبة رب يحميها" مع انهم يقولون لاعضائهم ويصرون انهم "الاصنام" التي يجب ان تسمع وتطاع..!!
من هنا نعود ونقول، ان التعددية السياسية هي طريقنا لاستعادة بناء الدولة عبر الحوار والديمقراطية والصندوق والتعايش، وبالتالي هي مدعوة الى:
• مغادرة مربع المشاريع الضيقة والعودة للمشروع الوطني
• مراجعة الاخطاء والاعتراف بها والاعتذار عنها
• تخلي القيادات التاريخية عن مناصبها الحزبية "المغتصبة" فورا لانها فشلت، والى هنا ويكفيها.
• اطلاق رياح التغيير وتفعيل الممارسة الديمقراطية بداخل الاحزاب، وترك الجيل الجيد يتسلم الريادة وينطلق من حيث انتهى اليه الرواد الكبار.
تحية للاحزاب التي لا يزال بها نبض وحياة..!!
د. عبدالوهاب الروحاني |