صنعاء نيوز/إيهاب مقبل -
منذ عام 2003، تحوّل العراق إلى ساحة تنافس دولي وإقليمي، أبرز أطرافه أمريكا الشمالية وإيران. هذا التنافس المتواصل جعل العراق يعيش حالة سيادة متذبذبة، إذ تتعرض قراراته السياسية والأمنية والاقتصادية لتأثيرات خارجية واضحة. وعلى الرغم من أن العراق يمتلك مؤسسات دستورية وبرلماناً وحكومة، إلا أن الواقع الميداني والسياسي يكشف عن حضور قوي لقوى خارجية تُعيد تشكيل موازين السلطة داخله.
هذا المقال يحلل طبيعة التأثير الأمريكي والإيراني، وكيف أدى هذا التداخل إلى جعل السيادة العراقية، في نظر كثير من الباحثين، سيادة منقوصة عملياً رغم وجودها شكلياً.
أولاً: النفوذ الإيراني… عمق استراتيجي وهيمنة سياسية وأمنية
1. الارتباط بالأحزاب والفصائل: تتمتع إيران بعلاقات وثيقة مع عدد من الأحزاب السياسية العراقية، وبدعم مباشر وغير مباشر لفصائل مسلّحة لها حضور فعّال في الأرض والسياسة. هذا الارتباط جعل طهران قادرة على التأثير في تشكيل الحكومات، والتحكم في موازين القوى داخل البرلمان، والضغط على القرارات الكبرى.
2. الاقتصاد والاعتماد المتبادل: العراق يستورد من إيران الكهرباء والغاز لتشغيل محطات الكهرباء والسلع الغذائية والصناعية. هذا الاعتماد يجعل العراق عملياً عرضة للضغط الاقتصادي الإيراني في لحظات التوتر.
3. التأثير الديني والاجتماعي: الروابط الدينية بين النجف وقم، إضافة إلى الزيارات الدينية المتبادلة، تمنح إيران مساحة خاصة للتأثير الاجتماعي والثقافي، وهو نفوذ لا تملكه أي دولة أخرى.
ثانياً: النفوذ الأمريكي… قوة عسكرية واقتصادية تضغط على مفاصل الدولة
1. الوجود العسكري: رغم تقليص عدد القوات الأمريكية، لا تزال واشنطن تمتلك نفوذاً كبيراً عبر قوات التحالف الدولي والتدريب والدعم اللوجستي للجيش العراقي والقدرة على تنفيذ ضربات دقيقة عند الضرورة. يمنح هذا الوجود العسكري أمريكا الشمالية قدرة على التأثير في القرار الأمني العراقي.
2. النفوذ المالي والاقتصادي: الاقتصاد العراقي مرتبط بالنظام المالي الأمريكي بسبب وجود الاحتياطي العراقي في البنك الفيدرالي الأمريكي واعتماد العراق على الدولار وارتباط نظامه المصرفي بالإجراءات الأمريكية لمكافحة تمويل الجماعات الإسلامية. هذا الارتباط يمنح واشنطن ورقة ضغط قوية على بغداد.
3. التأثير السياسي والدبلوماسي: السفارة الأمريكية في بغداد من الأكبر في العالم، ما يعكس مستوى النفوذ السياسي، وقدرتها على دعم أطراف سياسية معيّنة، فضلاً عن تأثيرها في الملفات الإقليمية مثل العلاقات مع الخليج وتركيا.
ثالثاً: هل يمتلك العراق سيادة كاملة؟ رؤية تحليلية
من الناحية النظرية، العراق دولة ذات سيادة ودستور ونظام سياسي منتخب. لكن من الناحية العملية، العراق دولة منزوعة السيادة الحقيقية:
1. ازدواجية القرار الأمني: توجد قوات حكومية، وفي الوقت نفسه فصائل مسلّحة تملك قراراً مستقلاً أو قريباً من طهران. كما توجد قوات أمريكية مؤثرة في المشهد الأمني. هذه الازدواجية تجعل السيادة الأمنية متنازعة بين أطراف داخلية وخارجية.
2. ضغوط اقتصادية متقاطعة: العراق يعتمد على إيران في الطاقة، وأمريكا في النظام المالي والدولي. هذا التوازن القسري يجعل أي قرار اقتصادي استراتيجي محاصراً بين الطرفين.
3. تدخلات في تشكيل الحكومات: في معظم دورات تشكيل الحكومة بعد 2003، لعبت القوى المرتبطة بإيران دوراً حاسماً في اختيار رئيس الوزراء. وفي المقابل، مارست أمريكا الشمالية ضغوطاً دبلوماسية وسياسية لإبعاد بعض الشخصيات أو دعم أخرى. هذا يعكس أن القرار السياسي العراقي لا ينشأ دائماً داخل المؤسسات الرسمية فقط.
4. ساحة صراع غير مباشر: عدم رغبة الطرفين في الاصطدام المباشر جعل العراق ساحة "إدارة صراع" بدلاً من مواجهة شاملة، لكن استمرار المواجهة بالوكالة يعمّق ضعف السيادة العراقية.
رابعاً: عراق بين قوتين… هزيل وضعيف ومغلوب على أمره
يمكن تلخيص المشهد كالآتي: (إيران تمتلك نفوذاً عميقاً داخل السياسة والفصائل والاقتصاد. أمريكا الشمالية تمتلك نفوذاً قوياً عبر المؤسسة العسكرية والمالية والدبلوماسية. العراق يحاول الموازنة بينهما، لكنه غالباً ما يجد نفسه خاضعاً لضغوط الطرفين). هذا التداخل يجعل كثيراً من الباحثين يصفون السيادة العراقية بأنها شكلية أمام التأثير الفعلي للقوى الخارجية.
خاتمة
العراق اليوم ليس دولة بلا سيادة من الناحية الدستورية، لكنه، وفق تحليل عدد كبير من المراقبين، يعيش سيادة منقوصة نتيجة تشابك النفوذ الأمريكي والإيراني. إن استعادة السيادة الكاملة تتطلب إنهاء وجود قوات الاحتلال الأمريكي، وإنهاء ازدواجية السلاح بما فيها الفصائل العراقية المدعومة من إيران وقوات البشمركة الكردية المدعومة من أمريكا الشمالية، واستقلال القرار الاقتصادي، وإصلاح النظام السياسي، وتقوية مؤسسات الدولة، وتقليل ارتهان القوى الداخلية للأطراف الخارجية. بدون ذلك، سيظل العراق ساحة تنافس بين قوتين تفوقان قدرته على فرض إرادته الوطنية الخالصة.
انتهى
|