صنعاء نيوز/ -
كما يبدأ تسوّس الأسنان بثقبٍ صغير يُستهان به، يبدأ الخطاب الطائفي بكلمة عابرة أو إيحاءٍ خبيث، ثم يتعفّن في الظل حتى يتحوّل إلى رائحة كريهة تزكم الأنوف، وحين يخرج هذا الخطاب من أفواهٍ مصابة، لا يُنتج رأيًا ولا يحمل مشروعًا، بل ينفث سموم الكراهية في الفضاء العام، مهددًا صحة المجتمع كما يهدد التسوّس سلامة الفم إن تُرك بلا علاج.
في الساحة السياسية العراقية، لم يعد الخطاب الطائفي عارضًا طارئًا، بل صار مرضًا مزمنًا تتعايش معه بعض القوى وتستثمره بوعيٍ كامل، وكما تتكاثر البكتيريا حول موضع التسوّس وتنتقل لتصيب الأسنان السليمة، يتكاثر حول هذا الخطاب كل ما هو هشّ: الجهل، التحريض، والخوف، لينتشر نخره في الوعي الجمعي ويمزّق النسيج الوطني.
الأخطر من ذلك أن هذا التعفّن يُغلّف أحيانًا بشعارات زائفة عن الحرية والتعبير، بينما هو في حقيقته عدوانٌ مباشر على مفهوم الدولة، ونسفٌ لأسس الشراكة الوطنية، وتعطيلٌ متعمّد لأي أفق إصلاحي، ومع كل استحقاق سياسي، يتوسّع الثقب، ويتعمّق النخر، وتزداد كلفة الإصلاح، حتى يكاد الألم يصبح اعتياديًا، ويُطبَّع الفساد اللفظي كما يُطبَّع المرض المزمن.
إن ما يجري اليوم في السياسة العراقية ليس خلافًا في الرؤى، بل أزمة أخلاق خطابية بامتياز، فالصمت عن الخطاب الطائفي، أو تبريره، أو التعايش معه، ليس حيادًا، بل مشاركة في الجريمة. الوطن الذي يُترك فريسةً لهذا النخر لن يصمد طويلًا، كما لا يصمد جسد أُهمل فيه المرض. إما أن نواجه هذا التعفّن بخطاب وطني شجاع يُسمّي الأشياء بأسمائها، أو نستعد لدفع ثمن الانقسام والانهيار، ثمنًا باهظًا لا تُجدي معه أي مسكّنات سياسية.
|