صنعاء نيوز/بقلم: د. غسان شحرور -
“عرفتهم”: المقدسي أحمد ظافر الشهابي
«من القدس تبدأ الحكاية، ومن لجوئها إلى دمشق تستمر الذاكرة. بعض الأسماء لا تحتاج إلى ضجيج لتبقى، يكفي أن تحمل في صمتها عبق الحق ووهج القضية.»
ابن عائلة مقدسية عريقة، وُلد في القدس في التاسع عشر من أيار/مايو 1931. بعد نكبة فلسطين، لجأ إلى دمشق حيث تابع دراسته الجامعية، ونال شهادة الحقوق من جامعة دمشق، ليبدأ مسيرة طويلة في العمل الوطني والسياسي والثقافي.
نعته الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية ببالغ الحزن والأسى، مستحضرة مكانته وخدمته الطويلة كعضو في اللجنة التنفيذية ومدير سابق للدائرة السياسية، بعد أن ترجل بصمت يوم الأربعاء 9 كانون الثاني/يناير 2019، تاركًا خلفه إرثًا من العطاء الوطني والثقافي.
بدايات التعارف كان مكتبه في دمشق ملاصقًا لمكتبي، وقد عرفني إليه الدكتور الراحل محمود موعد، لكن لم تجمعنا لقاءات مباشرة لسنوات. وفي ورشة عمل صحية دولية في قبرص عام 2000، التقيت طبيبًا من القدس المحتلة (الدكتور أمية)، ذكر لي أنه زار دمشق مرة واحدة حيث استضافه قريب للعائلة اسمه أحمد الشهابي (أبو ظافر). كانت المفاجأة كبيرة، إذ هو جاري في المكتب المجاور. ومنذ ذلك الوقت بدأت علاقتي الشخصية معه تتوطد.
ذكريات خاصة من الذكريات التي لا أنساها أنه انقطع عن مكتبه نحو أسبوعين. وعندما عاد، ذهبت للاطمئنان عليه، فأخبرني بابتسامة هادئة أنه قصد الساحل ليختلي بنفسه، متأملًا ومنقحًا لترجمة كتاب قانوني حول فلسطين والقانون كان يعمل عليه. تلك اللحظة كشفت لي جانبًا من شخصيته: المثقف الذي يرى في العزلة والتأمل وسيلة لإتقان عمله وإخلاصه لقضيته.
حضور إنساني وثقافي في نشاطات ثقافية واجتماعية، التقيت بالسيدة أميمة دياب، رئيسة جمعية الندوة الثقافية النسائية العريقة في دمشق، لتكون المفاجأة الثانية حين علمت أن زوجها هو أحمد الشهابي. شارك معنا في فعاليات توعوية، وكان حريصًا على مشاركة الأخبار والتحليلات السياسية والثقافية المهمة التي يجدها في الصحف اليومية، يرسلها إلى من حوله ليعمّ الفائدة. حدثني عن بعض أعماله المترجمة، لكنه لم يعد يحتفظ بنسخ منها، وعندما اقترحت التعاون على جمعها والوصول إلى نسخ منها، أجابني: «لقد بلغت الثمانين من العمر، ولا حاجة لذلك الآن.»
أعماله وترجماته من أبرز أعماله:
• ترجمة كتاب “العرب الفلسطينيون في إسرائيل: دير الأسد، مصير قرية في الجليل” (دار شمس لبنان، 1981) – المصدر: المرصد العربي للترجمة
• ترجمة كتاب “السلام في الشرق الأوسط: الدولتان الكبيرتان” (دار الطلائع، مصر، 1979)
• ترجمة كتاب “الاستراتيجيات العربية وردود الفعل الإسرائيلية” (دار القدس للنشر) • ترجمة كتاب “فلسطين والقانون: ركائز تسوية النزاع العربي الإسرائيلي” للدكتور موسى المزاوي (1998)
• و إضافة إلى ترجمات ودراسات أخرى في الشأن الفلسطيني.
خاتمة رغم عزوفه في هذه المرحلة من العمر عن التعريف بنفسه وأعماله، وكذلك عن المشاركة الفاعلة في النشاطات الثقافية، وجدت من واجبي أن أسلط الضوء على سيرته وعطائه. أحمد ظافر الشهابي، ابن
، اللاجئ الحقوقي، والسياسي المثقف، ظل حتى آخر أيامه مثالًا للهدوء والعطاء الصامت. ترك لنا إرثًا من العمل الوطني والثقافي يستحق أن يُستعاد ويُحتفى به، شاهداً على أن القدس التي أنجبته ما زالت تنبض في كل كلمة ترجمها، وفي كل موقف صامت اتخذه دفاعًا عن الحق والذاكرة.
“عرفتهم”: زاوية ثقافية دورية يكتبها د. غسان شحرور
Sent from my iPhone
|