shopify site analytics
نتنياهو يسعى لترسيم حدود جديدة لإسرائيل داخل قطاع غزة - الرياض تبحث نقل البنك المركزي من عدن إلى عاصمة عربية وسط تصاعد نفوذ الانتقالي - ماذا قد تستفيد إسرائيل لو دعمت قسد؟ قراءة نظرية في المنطق الجيوسياسي - الاحتلال يواصل ارتكاب جريمة التهجير القسري - صراع في بركة الماء - النشرة المسائية لوسائل الإعلام العبري لنهار الأربعاء الموافق 24  ديسمبر 2025         - الشَّيخ/ زيد بن مُحمَّد أبو علي الذي خسرَهُ اليمنُ العظيمُ - الدكتور الروحاني يكتب ..نقطة ضوء ..!! - بدء دورات أكاديمية جسور التمكين لتخريج الكفاءات الحرفية والصناعية - دعوات لتحقيق دولي في حادثة سقوط طائرة الفريق الليبي محمد الحداد -
ابحث عن:



صنعاء نيوز - 
عند مناقشة فرضية دعم تل أبيب لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، من الضروري الانطلاق من منطق المصالح الجيوسياسية

الخميس, 25-ديسمبر-2025
صنعاء نيوز/إيهاب مقبل -



عند مناقشة فرضية دعم تل أبيب لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، من الضروري الانطلاق من منطق المصالح الجيوسياسية لا من منطلق الإثبات أو النفي. فإسرائيل، تاريخيًا، لم تتحرك في محيطها الإقليمي بدوافع أيديولوجية بحتة، بل وفق حسابات أمن قومي دقيقة، غالبًا ما تُبنى على مبدأ تقليل التهديدات غير المباشرة، وبناء شبكات نفوذ غير رسمية، خصوصًا في الدول المتصدعة أو الهشة.

في هذا السياق، يمكن افتراض أن أي دعم إسرائيلي محتمل لقسد – إن حصل – سيكون ذا طابع أمني–استخباراتي غير معلن، لا سياسي ولا دبلوماسي، ويهدف بالأساس إلى إدارة التهديدات المحيطة بالكيان الصهيوني لا إلى "تحالف" بالمعنى التقليدي.

أول ما قد تستفيده تل أبيب نظريًا من دعم قسد هو البعد الاستخباراتي. مناطق سيطرة قسد تقع في شمال وشرق سوريا، وهي مناطق شديدة الحساسية استراتيجيًا، لكونها قريبة من طرق الإمداد الإيرانية القادمة من العراق باتجاه سوريا ولبنان. أي قدرة على جمع معلومات دقيقة عن تحركات التنظيمات المدعومة من إيران مثل حزب الله، أو عن شبكات تهريب السلاح، تُعد مكسبًا أمنيًا كبيرًا لإسرائيل. في هذا الإطار، لا تحتاج إسرائيل إلى وجود عسكري مباشر، فالاستخبارات الحديثة تعتمد على الوكلاء المحليين، والوسائط البشرية، والتكنولوجيا، وهو نمط استخدمته إسرائيل تاريخيًا في أكثر من ساحة.

ثانيًا، دعم قسد – نظريًا – قد يخدم هدفًا إسرائيليًا أوسع يتمثل في إضعاف المحور الإيراني في سوريا دون الانخراط في حرب مفتوحة. إسرائيل تفضّل دائمًا ما يمكن تسميته "الحرب بين الحروب": ضربات موضعية، معلومات استخباراتية، تعطيل شبكات، دون تحمّل كلفة احتلال أو إدارة أرض. وجود قوة محلية غير معادية لإسرائيل، وتتصادم ميدانيًا أو سياسيًا مع حلفاء إيران، يخلق بيئة استنزاف دائمة لإيران من دون أن تكون إسرائيل في الواجهة.

ثالثًا، هناك البعد المتعلق بمكافحة التنظيمات الجهادية العابرة للحدود. إسرائيل، رغم خطابها العلني، تتابع عن كثب أي عودة محتملة لتنظيمات مثل تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" أو فصائل سلفية جهادية أخرى في سوريا والعراق. قسد كانت رأس الحربة في قتال داعش، وأي تعاون غير مباشر معها قد يوفّر لإسرائيل معلومات مبكرة عن تحركات خلايا نائمة أو تهديدات مستقبلية، خصوصًا أن بعض هذه التنظيمات لا ترى "الكيان اليهودي" عدوًا بعيدًا بل هدفًا عقائديًا.

رابعًا، من منظور أوسع، قد ترى تل أبيب في قسد جزءًا من سياسة قديمة متجددة تُعرف في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي باسم "عقيدة الأطراف" أو "عقيدة المحيط". هذه العقيدة تقوم على بناء علاقات مع قوى غير عربية أو أقليات قومية وإثنية في المنطقة، بما يخفف من العزلة الاستراتيجية لإسرائيل في محيط عربي معادٍ تاريخيًا. الأكراد – سواء في العراق أو سوريا – يدخلون نظريًا ضمن هذا الإطار، ليس بوصفهم حلفاء أيديولوجيين، بل كقوى محلية لها مصالح تتقاطع مرحليًا مع المصالح الإسرائيلية.

ويُضاف إلى ما سبق هدفٌ جيوسياسي خامس لا يقل أهمية في الحسابات الإسرائيلية، يتمثل في إضعاف الحكومة المركزية في دمشق ومنعها من استعادة سيطرة كاملة على الجغرافيا السورية. فمن منظور الأمن القومي الإسرائيلي، لا يُنظر إلى الدولة السورية فقط بوصفها كيانًا منهكًا بعد سنوات الحرب، بل بوصفها ساحة محتملة لإعادة تموضع خصوم إسرائيل، في حال استعادت دمشق عافيتها وسيادتها على كامل الأراضي.

في هذا الإطار، يشكّل وجود كيان عسكري–سياسي بحجم قسد، يسيطر على مساحات واسعة من شمال وشرق سوريا، عامل توازن داخلي يُبقي الدولة السورية في حالة تشظٍ جغرافي وسيادي. هذا التشظي يخدم تل أبيب استراتيجيًا لأنه يمنع تشكّل دولة مركزية قوية قادرة على إعادة بناء جيش تقليدي موحّد أو فتح جبهة عسكرية منظمة في الجولان مستقبلًا. إسرائيل، تاريخيًا، تفضّل بيئة إقليمية تقوم على دول ضعيفة أو منقسمة على ذاتها، بدل دول مستقرة ذات قرار سيادي مستقل.

كما أن دعم قسد – نظريًا – قد يُستخدم كوسيلة ضغط غير مباشرة على دمشق في أي ترتيبات سياسية مستقبلية. فوجود قوة محلية مسلحة ومدعومة أمريكيًا خارج سيطرة الحكومة السورية يمنح الأطراف الخارجية، ومن ضمنها الكيان الصهيوني، ورقة تأثير في شكل الدولة السورية القادم، سواء من حيث طبيعة نظام الحكم، أو مستوى اللامركزية، أو توزيع السلطة والثروة. وكلما طال أمد بقاء هذه الكيانات خارج سلطة دمشق، كلما تأخرت عملية إعادة بناء الدولة السورية كفاعل إقليمي متماسك.

وبذلك، يصبح دعم قسد – إن وُجد – جزءًا من إدارة الصراع مع دمشق لا من حله، ومن سياسة الاستنزاف البطيء لا المواجهة المباشرة. وهو نمط يتسق تمامًا مع السلوك الإسرائيلي التقليدي: "إضعاف الخصوم من الأطراف، عبر قوى محلية، وبأدوات غير مباشرة، مع تجنّب أي التزام سياسي أو عسكري علني قد يفرض كلفة دولية أو إقليمية".

لكن أي دعم إسرائيلي محتمل لقسد سيظل – لو وُجد – محدودًا جدًا ومشروطًا، وذلك لأن تل أبيب تدرك حساسية التوازنات في شمال سوريا، خاصة في ما يتعلق بتركيا وروسيا وأمريكا الشمالية. لذلك فإن المنطق الإسرائيلي، إن تحرك، سيتحرك في الظل، وبأدوات غير مباشرة، ودون التزام سياسي طويل الأمد.

وهنا يصبح من المفيد العودة إلى التاريخ لفهم كيف يفكر الكيان الصهيوني في مثل هذه الملفات، عبر النظر إلى تجربته مع أكراد العراق.

تاريخيًا، استفادت إسرائيل من دعم أكراد العراق في أكثر من مستوى، دون أن يتحول ذلك الدعم إلى تحالف رسمي أو علاقة دبلوماسية معلنة. في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، رأت تل أبيب في الحركة الكردية العراقية بقيادة مصطفى البارزاني أداة استراتيجية لإضعاف الدولة العراقية، التي كانت آنذاك من أشد الدول العربية عداءً لإسرائيل، وشاركت فعليًا في حروب ضدها. الدعم الإسرائيلي للأكراد – الذي شمل تدريبًا واستخبارات ومساعدات لوجستية – لم يكن بدافع "حب الأكراد"، بل لأنه شتّت قدرات الجيش العراقي، وأجبر بغداد على استنزاف مواردها داخليًا بدل توجيهها نحو الجبهة الإسرائيلية.

كما استفاد الكيان الصهيوني استخباراتيًا من وجود شبكات اتصال في شمال العراق، قرب إيران وسوريا، ما أتاح له فهمًا أعمق للبنية الأمنية والعسكرية لخصومه الإقليميين. لاحقًا، ومع تطور إقليم كردستان العراق بعد 1991، رأت تل أبيب في أربيل نافذة جيوسياسية مهمة تطل على إيران، وسوقًا محتملة للتعاون الاقتصادي غير المباشر، ومجالًا حيويًا لجمع المعلومات، حتى وإن ظل ذلك محاطًا بالنفي الرسمي.

الأهم أن إسرائيل لم تتحمل كلفة سياسية مباشرة نتيجة هذا الدعم، لأن العلاقة كانت غير معلنة، وعندما تغيّرت الظروف – كما حدث بعد اتفاق الجزائر 1975 – انسحبت إسرائيل عمليًا من الملف دون التزام أخلاقي أو عسكري طويل الأمد. وهذا يعكس نمطًا ثابتًا في السلوك الإسرائيلي: "دعم تكتيكي، مصلحي، قابل للإنهاء في أي لحظة".

انطلاقًا من ذلك، يمكن القول إن أي فرضية عن دعم إسرائيلي لقسد يجب أن تُفهم ضمن هذا الإطار التاريخي: دعم وظيفي، محدود، غير معلن، يهدف إلى جمع المعلومات، إضعاف الخصوم، وإدارة المخاطر، لا إلى بناء "تحالف تحرري" أو مشروع سياسي مشترك.

الخلاصة أن السؤال ليس: "هل تحب إسرائيل قسد أو الأكراد؟" بل: "هل ترى إسرائيل فيهم أداة مرحلية تخدم أمنها القومي؟". التاريخ يقول إن الكيان الصهيوني، عندما يجد مثل هذه الأداة، يستخدمها بهدوء، وعندما تنتفي الحاجة، ينسحب دون تردد.

انتهى
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد

ملخصات تغذية الموقع
جميع حقوق النشر محفوظة 2009 - (صنعاء نيوز)