shopify site analytics
السعودية تغلق مطار المخا وتمنع طائرة “طارق صالح” من الهبوط - عام أسود على المحكمة الجنائية الدولية: انهيار الثقة وتآكل الشرعية - بريطانيا تؤكد دعمها لجهود السلام في اليمن وتمسكها بوحدة أراضيه - الاحتلال الإسرائيلي يعترف بـ”أرض الصومال” كدولة مستقلة - النشرة المسائية لوسائل الإعلام العبري لنهار الجمعة  الموافق  26 ديسمبر 2025          - قراءة تأملية في قصة طه حسين وسوزان: - استراتيجية الخنق التركي: محاصرة قسد وإضعاف نفوذ الاحتلال الأمريكي في سوريا - المجتمع الدولي ودعم قضية اللاجئين الفلسطينيين - السنة الجديدة: حين يصبح الزمن سؤالاً أخلاقياً - الماجستير بامتياز للباحث عمر حيدر في شبكات الحاسوب حول استخدام الذكاء الصناعي -
ابحث عن:



صنعاء نيوز - منذ سنوات، تتعامل تركيا مع ملف شمال وشرق سوريا بوصفه أحد أخطر ملفات أمنها القومي، ليس فقط بسبب وجود «قسد» كقوة مسلحة

السبت, 27-ديسمبر-2025
صنعاء نيوز/إيهاب مقبل -



منذ سنوات، تتعامل تركيا مع ملف شمال وشرق سوريا بوصفه أحد أخطر ملفات أمنها القومي، ليس فقط بسبب وجود «قسد» كقوة مسلحة تعتبرها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، بل أيضًا بسبب الحضور الأمريكي الذي يحول دون الحسم العسكري المباشر. في هذا السياق، لم تعد أنقرة تنظر إلى الصراع من زاوية الحرب التقليدية، بل انتقلت تدريجيًا إلى اعتماد مقاربة أكثر تعقيدًا تقوم على الخنق الاستراتيجي: أي تقليص المجال الحيوي للخصم، وشلّ قدرته على الحركة، وتحويل وجوده العسكري والسياسي إلى عبء دائم بدل أن يكون مصدر قوة.

هذه الاستراتيجية لا تستهدف إسقاط السيطرة فجأة، بل تعمل على تفريغها من مضمونها، وجعل استمرارها مكلفًا وغير قابل للاستدامة على المدى المتوسط.

الخنق كبديل عن الصدام المباشر
تدرك تركيا أن أي مواجهة عسكرية شاملة ضد «قسد» في شرق الفرات تصطدم مباشرة بقوات الإحتلال الأمريكي في شمال سوريا، وهو ما يفرض سقفًا عاليًا للتصعيد. لذلك، لم يكن الخيار الواقعي هو كسر هذا السقف، بل الالتفاف عليه. الخنق هنا لا يعني حصارًا عسكريًا تقليديًا، بل إعادة تشكيل البيئة المحيطة بقسد والوجود الأمريكي بطريقة تجعل حركتهما محدودة، وفعاليتهما السياسية والأمنية أقل تأثيرًا.

أنقرة لا تسعى إلى طرد القوات الأمريكية بالقوة، بل إلى دفعها تدريجيًا نحو دور دفاعي ضيق، محصور في حماية النفس لا إدارة المشهد. وكلما تقلّصت الخيارات أمام واشنطن، ازداد ميلها إلى تقليص الانخراط بدل توسيعه.

إغلاق المجال الجغرافي والسياسي
أحد أهم عناصر الخنق التركي يتمثل في إغلاق المجال الجغرافي الحيوي أمام قسد. فمناطق شمال وشرق سوريا ليست فضاءً مستقلًا، بل تعتمد على شبكات حركة، إمداد، تجارة، واتصال مع محيطها. تركيا، بحكم موقعها الجغرافي وقدرتها العسكرية، تمتلك أدوات فعالة للتحكم بهذه الشبكات.

عندما يُغلق المجال الجغرافي جزئيًا، لا يعني ذلك قطع الطرق بالكامل، بل تحويل الحركة إلى حالة استثنائية بدل كونها طبيعية. تصبح أي عملية نقل أو إمداد أو انتشار عسكري أكثر تعقيدًا، وأكثر كلفة، وأبطأ زمنًا. هذا ينعكس مباشرة على قدرة قسد على المناورة، ويجعل الوجود الأمريكي محصورًا في نقاط ثابتة بدل شبكة نفوذ مرنة.

سياسيًا، تسعى أنقرة إلى تقليص الشرعية الخارجية لقسد، عبر فرض معادلة واضحة: لا مستقبل لأي كيان مسلح على حدودها، وأي تعامل دولي مع هذا الكيان سيبقى موضع نزاع دائم. هذا النوع من الضغط لا يغيّر المواقف فورًا، لكنه يمنع تثبيتها.

الخنق الاقتصادي غير المباشر
لا تعتمد تركيا على أدوات اقتصادية مباشرة داخل مناطق قسد، لكنها تؤثر في البيئة الاقتصادية المحيطة بها. فكل كيان سياسي–عسكري يحتاج إلى فضاء اقتصادي أوسع من حدوده المباشرة ليبقى فاعلًا. تقليص هذا الفضاء يعني تقليص القدرة على توليد الموارد، وعلى تقديم الخدمات، وعلى الحفاظ على رضا السكان.

في هذه الحالة، يتحول العبء الاقتصادي إلى عامل تفكيك داخلي. فبدل أن يُنظر إلى الوجود الأمريكي وقسد بوصفهما عنصر استقرار، يُنظر إليهما بوصفهما سببًا لاستمرار الانغلاق والضغط، ما يخلق فجوة متزايدة بين السلطة المحلية والمجتمع.

الضغط الأمني والنفسي المستمر
الخنق التركي لا يقوم على معارك واسعة، بل على ضغط أمني دائم منخفض الوتيرة. هذا النوع من الضغط لا يهدف إلى تحقيق انتصار ميداني، بل إلى استنزاف الانتباه والموارد، وخلق شعور دائم بعدم اليقين.

في مثل هذه البيئات، يُجبر الخصم على العمل في حالة دفاع دائم، وعلى تخصيص جزء كبير من موارده للحماية بدل التطوير. بالنسبة لقوات الإحتلال الأمريكي، يعني ذلك تقليص هامش الحركة السياسية والعسكرية، والتركيز على تجنب الخسائر بدل إدارة المشهد.

هذا الضغط النفسي المستمر يجعل أي بقاء طويل الأمد خيارًا مكلفًا سياسيًا داخل أمريكا الشمالية نفسها، حيث يصبح السؤال ليس "لماذا ننسحب؟" بل "ما الذي نكسبه من البقاء؟".

تفكيك العلاقة بين قسد والبيئة المحلية
من أخطر آثار الخنق الاستراتيجي أنه يضرب العلاقة بين قسد ومحيطها الاجتماعي. فكلما ازداد الضغط الخارجي، وازدادت القيود، يصبح المجتمع المحلي أكثر حساسية تجاه الكلفة اليومية للسيطرة القائمة.

تركيا تراهن هنا على عامل الزمن: فالتوتر الدائم، والانسداد السياسي، والضغط الاقتصادي، كلها عوامل تؤدي إلى تآكل الشرعية الداخلية، حتى دون تدخل مباشر. ومع تراجع الحاضنة الاجتماعية، تفقد قسد أحد أهم عناصر قوتها غير العسكرية.

أثر الخنق على الوجود الأميركي
أمريكا الشمالية ليست طرفًا محليًا، بل قوة إحتلال خارجية ذات أولويات متغيرة. عندما يصبح وجودها محصورًا في حماية نقاط عسكرية معزولة، دون أفق سياسي واضح، ومع تصاعد كلفة الاحتكاك الإقليمي، يتحول هذا الوجود إلى ملف عبء لا ملف نفوذ.

تركيا تدرك أن واشنطن لا تغادر تحت الضغط العسكري المباشر، لكنها قد تعيد التموضع أو تقلّص الدور عندما يصبح البقاء بلا عائد استراتيجي واضح. والخنق، في هذا السياق، هو أداة لإعادة تعريف هذا العائد.

هنا من الضروري، عند الحديث عن «استراتيجية الخنق التدريجي» التركية، التمييز بين استهداف الوجود الأمريكي بوصفه وجودًا عسكريًا، وبين استهداف الدور الذي يلعبه هذا الوجود في حماية واستدامة نفوذ قسد. فأنقرة، خلافًا لما قد يبدو في الظاهر، لا تتعامل مع القوات الأمريكية كخصم مباشر تسعى إلى مواجهته أو إخراجه بالقوة، بل كعامل معيق يمنع الوصول إلى تسوية أمنية وسياسية تراها ضرورية لأمنها القومي.

تركيا لا تريد صدامًا مع أمريكا الشمالية، ولا تسعى إلى إحراجها عسكريًا أو سياسيًا، ولا إلى كسر علاقتها بها داخل إطار حلف الناتو. لكنها في الوقت ذاته ترى أن استمرار دور القوات الأمريكية الحالي في شمال سوريا — بوصفه مظلة حماية لقسد ومانعًا لأي إعادة تشكيل حقيقية للمشهد — هو وضع غير مقبول على المدى المتوسط. من هنا، فإن «الخنق» لا يستهدف الجنود الأمريكيين، بل يستهدف وظيفة هذا الوجود.

الهدف التركي يتمثل في تقليص فعالية دور قوات الإحتلال الأمريكي، لا في تهديد سلامته. أي تحويل هذا الوجود من قوة قادرة على إدارة التوازنات، ورعاية الوكلاء الأكراد المحليين، وفرض خطوط حمراء، إلى وجود دفاعي محدود، محصور في حماية النفس، دون طموح سياسي أو نفوذ إقليمي واسع.

الخنق بوصفه إعادة تعريف للجدوى الأمريكية
في العقل الاستراتيجي التركي، لا تنسحب أمريكا الشمالية تحت الضغط العسكري المباشر، بل تنسحب أو تنكفئ عندما تصبح الجدوى السياسية من البقاء موضع شك. لذلك، تعمل أنقرة على إعادة تعريف معادلة الربح والخسارة الأمريكية في شمال سوريا، عبر جعل البقاء مكلفًا سياسيًا، ومحدود التأثير، ومن دون أفق واضح.

كلما تقلّصت قدرة واشنطن على حماية قسد دون احتكاك دائم، ودون تقديم مشروع سياسي طويل الأمد، كلما تحوّل وجودها إلى ملف دفاعي لا مشروع نفوذ. وفي هذه اللحظة، لا يصبح الانسحاب أو إعادة التموضع هزيمة، بل خيارًا عقلانيًا من وجهة نظر صانع القرار الأمريكي.

الخلاصة
استراتيجية الخنق التي تمتلك تركيا أدواتها لا تهدف إلى إسقاط قسد أو طرد القوات الأمريكية بضربة واحدة، بل إلى إعادة تشكيل البيئة المحيطة بهما بحيث يصبح الاستمرار مكلفًا وغير جذاب. إنها سياسة النفس الطويل، حيث لا يُقاس النجاح بعدد الكيلومترات المسيطر عليها، بل بمدى تضييق الخيارات أمام الخصم.

في هذا النموذج، لا يكون الانسحاب أو التفكك نتيجة هزيمة عسكرية واضحة، بل نتيجة تراكم ضغوط تجعل البقاء ذاته هو المشكلة. وهذا ما يجعل الخنق، بالنسبة لأنقرة، أداة أكثر واقعية وفعالية من الحرب المفتوحة في شمال سوريا.

انتهى
أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد

ملخصات تغذية الموقع
جميع حقوق النشر محفوظة 2009 - (صنعاء نيوز)