صنعاء نيوز/ -
إيهاب مقبل
في تاريخ العراق الحديث، يبرز اسم نواف الزيدان كرمز مؤلم للخيانة والخذلان. الرجل الذي منحه عدي وقصي حسين الأمان والملاذ في منزله بالموصل، ارتكب فعلًا لا يغتفر: باع الضيفين لقوات الاحتلال الأمريكي، مقابل مكافأة مالية، وبهذا الفعل انتهك أعظم القيم العشائرية والإنسانية على حد سواء.
خيانة العرف والضيافة
في العرف العشائري العراقي، حماية الضيف واجب مقدس، والأمان الذي يُمنح لأي دخيل أو مستجير يُعد شرفًا لا يجوز الخروج عنه. الزيدان لم يكتفِ بتجاهل هذه القيم، بل حول منزله إلى كمين دموية، أدت إلى مقتل عدي وقصي وابن قصي البالغ من العمر 14 عامًا. هذا الفعل وحده كفيل بأن يضعه خارج أي دائرة شرف، ويصنفه بين الخونة الذين باعوا ضيوفهم لأجل المال والطمأنينة الشخصية.
البعد الإسلامي: حماية المستجير والدخيل
في العرف العراقي، حماية الضيف واجب مقدس. الزيدان لم يكتفِ بتجاهل هذا الواجب، بل حول منزله إلى كمين أدى إلى قتل المستجيرين، وهو ما يضعه خارج أي دائرة شرف. الإسلام كذلك يفرض حماية المستجير، سواء كان مسلمًا أم كافرًا، كما جاء في القرآن: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ)، التوبة: 6، والتاريخ الإسلامي مليء بأمثلة حية من حماية المستجيرين على يد النبي ﷺ وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، رغم خصومتهم السياسية أو الدينية. الزيدان تجاهل كل هذا، واختار الغدر والخيانة.
خيانة وطنية وأخلاقية
في لحظة كان العراق فيها ممزقًا تحت الاحتلال الأمريكي، اختار الزيدان المال والطمأنينة الشخصية على الوفاء والشرف، فخسر أعظم شيء يمكن أن يملكه الإنسان: الكرامة والشرف الديني والعرفي. بعد خيانته، قامت قوات الاحتلال الأمريكي بإخراجه هو وعائلته من العراق إلى الكويت، ثم إلى الكيان الصهيوني "إسرائيل" حيث أقام فيها لفترة من الوقت، قبل أن يتم نقله إلى أمريكا الشمالية ضمن برنامج حماية الشهود. هذه المسارات توضح كيف أن خيانته لم تكن مجرد حادثة محلية، بل فعل ترك أثرًا شخصيًا وعالميًا، ووضعت الزيدان تحت وصمة عار دائم.
ظهور شاهد محمي بالقوانين الأمريكية مثل الزيدان عادةً يكون مدفوعًا بمزيج من دوافع شخصية، سياسية، مالية، أو نفسية. في الغالب لا يمكن للشهود المحميين الظهور في الإعلام إلا بموافقة السلطات، وواشنطن تأخذ أخفاء هؤلاء الأشخاص على محمل الجد.
الدروس والعبرة
قضية نواف الزيدان تذكّرنا أن الوفاء والشرف والأمانة لا تُقايَمان بالمال أو بالأمان الشخصي. خيانة الضيف أو المستجير تُعد من أشد الكبائر، ولا يغطيها أي مبرر سياسي أو مالي. من يختار المال على الوفاء، يختار العار الأبدي، بغض النظر عن الطرف الذي وقع عليه الغدر.
الخلاصة
نواف الزيدان لم يكن مجرد رجل أخطأ، بل كان رمزًا للخيانة المنظمة والانتهازية. جريمة تسليمه عدّي وقصي لقوات إحتلال غربية ليست مجرد حادثة تاريخية، بل درس صارخ لكل من يفكر في خيانة الأمانة والضيافة والمستجير. الشرف والكرامة، سواء وفق العرف أو الإسلام، لا يُباعان، ومن يختار المال على الوفاء، يختار العار الأبدي.
للتوضيح، هذا المقال لا يعني أي تأييد أو موقف سياسي أو شخصي من عدي أو قصي، ولا يشكل أي دفاع عنهم، بل التركيز كله على خيانة الزيدان وفعل الغدر الذي ارتكبه، ولمنع ظهور في المستقبل ظاهرة "الزيدانيين" في العراق لمخالفتها الأعراف والقيم العربية والإسلامية.
انتهى
|